المغرب يخطط لتوسيع شبكة الطرق السريعة بنسبة 66% بحلول عام 2030    ارتفاع حصيلة ضحايا حرائق لوس أنجليس    مقاربة إدارة بايدن في سورية بعد سقوط نظام الأسد    الجزائر ترفض "الاتهامات" الفرنسية وتصف الحملة ضدها ب"التضليلية"    الرياض تحتضن مؤتمرا دوليا لبحث دعم مستقبل سوريا في مرحلة ما بعد الأسد    المحلل الفرنسي ناثان ديفير: النظام الجزائري "كوكتيل متفجر" يجمع بين الاستبداد والفشل    جامعة الركبي تعقد جمعين عامين    لقاء تواصلي لنجمي الكرة المغربية عزيز بودربالة وحسن ناظر مع شباب مدينة زاكورة    الحرب بالأقوال: بوعلام الجزائري وصنصال المغربي    نيويورك.. مشاركة متميزة للمغرب في معرض الفن والدبلوماسية    مركز تفكير فرنسي: مسار الانتقال الطاقي بالمغرب يسير قدما مدعوما بإصلاحات استراتيجية ومنظومة مبتكرة    هذه توقعات أحوال طقس اليوم الأحد بالريف وباقي مناطق المملكة    مدرب الرجاء: لم نقدم الأداء المطلوب والحكم ألغى هدفًا مشروعًا    السكتيوي يلغي التجمع الإعدادي لمنتخب المحليين    حافلات المبادرة الوطنية للتنمية البشرية معرضة للاتلاف أمام مقر عمالة الجديدة    حادث مروّع في ستراسبورغ: اصطدام عربتي ترام يُصيب العشرات (فيديو)    طنجة: عمليات أمنية صارمة للحد من المخالفات الخطيرة لسائقي الدراجات النارية    طنجة: وفاة امرأة بسبب تسرب غاز البوتان أثناء الاستحمام    المدرب المؤقت للرجاء ينتقد التحكيم    أولمبيك آسفي يعمق جراح الشباب    إلغاء تجمع "منتخب 2000 فما فوق"    جمعية بسطات تحتفل بالسنة الأمازيغية    توقيف تاجر مخدرات في سيدي إفني    "كوست ويف" يتجاوز البلوكاج بالجديدة... توفير ضمانات يحرر صافرتيْ إنذار    الحرائق المستعرة تتسع بلوس أنجلوس.. ساحة حرب كاسحة وخسائر فادحة    الخنوس أحد صناع الفوز العريض لليستر سيتي أمام كوينز بارك رينجرز    اختتام أشغال قمة التنمية الزراعة الإفريقية على خلفية التزام بزيادة إنتاج الصناعة الغذائية    دراسة تسلط الضوء على تحذير بشأن ارتفاع حرارة محيطات العالم    كمبالا: البواري يؤكد التزام المغرب بتطوير فلاحة قادرة على الصمود    أخطاء كنجهلوها.. أهم النصائح لتحقيق رؤية سليمة أثناء القيادة (فيديو)    "قيادات تجمعية" تثمّن الجهود الحكومية وورش إصلاح مدونة الأسرة المغربية    عرض مسرحية "أبريذ غار أُوجنا" بالناظور احتفالا بالسنة الأمازيغية    اليمن بمن حضر فذاك الوطن    الصمت يرافق ذكرى أول وفاة بسبب "كوفيد" في الصين    مؤسسة وسيط المملكة: تحسين العلاقة بين الإدارات ومغاربة العالم    إيقاعات الأطلس تحتفي برأس السنة الأمازيغية في مسرح محمد الخامس    المغرب بين المكاسب الدبلوماسية ودعاية الكراهية الجزائرية    جدل دعم الأرامل .. أخنوش يهاجم بن كيران    الملك محمد السادس يهنئ سلطان عمان بمناسبة ذكرى توليه مقاليد الحكم    اعتداء عنيف على الفنان الشهير عبد المنعم عمايري في دمشق    نفسانية التواكل    ذكرى 11 يناير تذكر بصمود المغاربة    مطالب متجدّدة لأمازيغ المغرب وأماني وانتظارات تنتظر مع حلول "إض يناير" 2975    الصناعة التقليدية تعرف تطورا إيجابيا بتحقيق نسبة نمو 3% خلال سنة 2024    مكناس.. الاحتفال بالسنة الأمازيغية الجديدة على نغمات فني أحواش وأحيدوس    طنجة... الإعلان عن الفائزين بجائزة بيت الصحافة وتكريم إعلاميين ومثقفين رواد (فيديو)    إنفوجرافيك l يتيح الدخول إلى 73 وجهة دون تأشيرة.. تصنيف جواز السفر المغربي خلال 2025    الصين: تنظيم منتدى "بواو" الآسيوي ما بين 25 و 28 مارس المقبل    رواية "بلد الآخرين" لليلى سليماني.. الهوية تتشابك مع السلطة الاستعمارية    مراكش تُسجل رقماً قياسياً تاريخياً في عدد السياح خلال 2024    أغلبهم من طنجة.. إصابة 47 نزيلة ونزيلا بداء الحصبة "بوحمرون" بسجون المملكة    بوحمرون: 16 إصابة في سجن طنجة 2 وتدابير وقائية لاحتواء الوضع    ملفات ساخنة لعام 2025    ارتفاع مقلق في حالات الإصابة بمرض الحصبة… طبيبة عامة توضح ل"رسالة 24″    أخذنا على حين ′′غزة′′!    الجمعية النسائية تنتقد كيفية تقديم اقتراحات المشروع الإصلاحي لمدونة الأسرة    فتح فترة التسجيل الإلكتروني لموسم الحج 1447 ه    وزارة الأوقاف تعلن موعد فتح تسجيل الحجاج لموسم حج 1447ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لأول مرة.. مذكرات الخطابي الأصلية تحت المجهر (4/4)
نشر في المساء يوم 12 - 06 - 2014


شكل المخطوط
كتب هذه المذكرات محمد سلام أمزيان الذي التحق بالخطابي في القاهرة عام 1960 عقب فشل انتفاضة الريف التي قادها في خريف 58/59. والجدير بالذكر أن محمد سلام أمزيان كان أحد الأربعة الذين ساعدوا الأمير الخطابي في كتابة مذكراته، وهم على التوالي: الحسن البغدادي الجزائري وعلي الحمامي (الجزائر) وعبد الوارث الصوفي (مصر)، ثم أخيرا محمد سلام أمزيان.
يذكر الوالد أنه قبل استئناف كتابة مذكرات الخطابي، اطلع على أجزاء منها سبق وأن حررها من أشرت إليهم أعلاه. كان أمزيان مهتما بتاريخ حرب الريف، وجَمَع عنها، وهو في الريف، شهادات من مقاومين شاركوا في الحرب، منهم عمه القائد حدو موح أمزيان الذي اعتبره دافيد هارت في كتابه "آيتورياغل" أحد "جنرالات" الخطابي، كما زار مواقع المعارك، وخاصة الجبهة الجنوبية حيث وقعت معركة "البيبان" ضد الفرنسيين والتي تعد، في أهميتها وشراستها، مثل شقيقتها معركة "أنوال".
تقوم الطريقة التي كان يدون بها محمد أمزيان مذكرات الخطابي، حسب ما أكده لي شخصيا، على سرد الخطابي للأحداث باللغة الريفية حسب تاريخ وقوعها، مستعينا بأخيه امحمد وبالوالد شخصيا في استذكار بعض الأسماء، سواء كانت أسماء المقاومين أو أسماء القواد الإسبان. بخصوص الإسبان، كان يعود إلى ما نشر في الكتب لتدقيق الأسماء وضبط التواريخ. ثم يقوم أمزيان بتحرير كل ما سمعه باللغة العربية، وبعد ذلك يراجع ما كتبه مع الأمير وأخيه. وبهذه الطريقة، تم تدوين مذكرات الخطابي التي لا تحمل عنوانا جامعا موحدا، بل كل جزء منها يحمل عنوانا خاصا به.
تتوقف أحداث المذكرات عند حادثة النزول في بور سعيد وتوجه الخطابي إلى بناية "مكتب المغرب العربي" الكائن في القاهرة. أما وقائع ما بعد النزول فقد دونها الوالد في أجزاء منفصلة لا يمكن نسبتها إلى المذكرات، وتضم تصريحات الخطابي ومراسلاته وما كتب عنه. كل هذه الكتب، بالإضافة إلى المذكرات المرقونة على الآلة الكاتبة من طرف أمزيان، كان الأخير قد سلمها إلى الابن الأكبر للأمير، وهو عبد الكريم الملقب ب"عبدو" الذي كان بمثابة "محافظ" أرشيف الأمير الخطابي. ومما لا شك فيه أن حفدة الخطابي، وخاصة أبناء المرحوم سعيد الخطابي، هم من يتوفرون الآن على هذا الأرشيف.
مضمون المخطوط
يتكون المخطوط من ثلاثة أجزاء:
الجزء الأول: "مأساة وطني"، في قسمين، يتناول فيه المجال الريفي جغرافيا وبشريا ومناخيا، ثم ينتقل إلى علاقة الريف بالإسبان وأطماع هؤلاء فيه والمعاهدات الدولية وعلاقة المخزن المركزي بالريف، وينتهي بوفاة والده عام 1920؛
الجزء الثاني: "الشعب يواجه الاستعمار" ويضم قسمين، حيث يبدأ بالزحف الإسباني على الريف والشروع في قصف بيت الأسرة الخطابية من جزيرة النكور، وسير المعارك بعد ذلك؛ أما القسم الثاني من هذا الجزء فيستعرض أوضاع الجبهة الغربية التي كانت على عاتق امحمد الخطابي، وكذا المواجهات مع الفرنسيين لاحقا. ولعل ما يميز هذا القسم هو "اعترافات" الخطابي بأخطاء القيادة الريفية في الحرب، أو ما يمكن تسميته ب"النقد الذاتي"؛
الجزء الثالث: "المنفى"، وهو أيضا قسمان، يتناول فيه الاستسلام والحياة في المنفى واهتمام الخطابي شخصيا بتربية أولاده وأعمال التجارة في الجزيرة والأشخاص الذين كانوا يزورونه في بيته؛ ثم الحرب العالمية الثانية وموقفه من بيتان وديغول ومحاولات ألمانيا "تهريبه" من المنفى لاستخدامه ضد فرنسا في شمال إفريقيا، وموقفه من النازية ومن بيتان.
هل في المذكرات جديد؟
يمكن القول إن فيها ما يمكن اعتباره جديدا أو، بلغة أدق، ما يمكن اعتباره عناصر جديدة للتعرف أكثر على شخصية الخطابي وعلى بعض التفاصيل التي توقف عندها أكثر من غيرها، وذلك بالمقارنة مع "مخطوط سانييس". وقد يرجع ذلك إلى ظروف كتابة المخطوطين بين الأسر في لاريونيونو "الحرية" النسبية في القاهرة. ما يمكن اعتباره "جديدا"، أيضا، هو استنتاجاته بعد الهزيمة وتحليله للأسباب، إذ يقف في الجزء الثالث من مذكراته "المنفى" عند هذه الأسباب متسائلا: "إذا وقع في أيدينا كل هذه الغنائم، وإذا ألحقنا بالأعداء كل هذه الهزائم، فلماذا فشلنا؟".
لم يكتف الخطابي بالتساؤل، بل قدم إجابات. وهنا ينتقل الخطابي من سارد للأحداث إلى مفكر ليستخلص العبر، يوضح السبب الرئيسي للهزيمة.. في اعتقاده أن "احتلال وطننا (تم) بفضل أبناء شمال إفريقيا، وهذا باعتراف إسبانيا وفرنسا، وهما يقدمانهم وقودا لنيران هذه الحرب. فكان رصاص رجالنا لا يصيب إلا إخوانهم (...)".
أما الأسباب الأخرى فيعددها في سبعة:
أولا: "أهل شمال إفريقيا أنفسهم: مقاتلون في الميدان وعلماء بالسلبية وتضليل الشعب وخيانة الكبار"؛
ثانيا: "كثرة العدد في جانب خصومنا وتفوقهم تفوقا فاحشا، إذ كنا نقاتل بنسبة واحد إلى أكثر من مائة"؛
ثالثا: "تفوق في المعدات وآلات الفتك الحديثة (....)"؛
رابعا: "الثورات الداخلية الكثيرة التي كانت تحرك فتيلها الجاسوسية الأجنبية (...)"؛
خامسا: "القحط الذي أصاب البلاد الريفية من سنة 1921 مع الحصار الاقتصادي الذي ضربه الخصوم حولنا طوال سنوات الحرب"؛
سادسا: "توحيد القيادة بين إسبانيا وفرنسا (....)"؛
سابعا: "تدخل السلطان يوسف ودعوته الشعب إلى "الجهاد" ضدنا، مما أدى إلى قيام حرب أهلية بين أفراد الشعب وفي بلدهم".
وبالموازاة مع هذه الأسباب، وفي ما يشبه نوعا من "النقد الذاتي"، تطرق الخطابي للأخطاء التي ارتكبتها القيادة وحددها في سبعة أيضا، لعل أهمها ما أسماه "عدم الاهتمام بالخيانة الداخلية".
إلا أن ما يمكن اعتباره جديدا حقا هو الفصل المتعلق بحياة الأسرة الخطابية في المنفى، وكنت قد اعتمدت على ما ورد فيه في بحثي الجامعي عام 1988، والذي صدر في شكل كتاب في طبعته الأولى عام 2002، وفي طبعته الثالثة عام 2010، تحت عنوان: "محمد عبد الكريم الخطابي: آراء ومواقف".
استنتاجات
نعم، خلف الخطابي مذكرات. نعم، فيها جديد وفيها ما يمكن من ملء فراغات كثيرة في صفحات تاريخ المقاومة الريفية.
لكن، هل فيها ما يزعج السلطة القائمة في المغرب؟ لا يمكن الجزم بأن فيها ما قد يقلب الموازين أو يغير المفاهيم؛ فمواقف وأفكار عبد الكريم بخصوص المغرب وتصفية الاستعمار واستقلال المغرب والسلطة القائمة، كلها مواقف معروفة ومتداولة ومنشورة في الصحافة العربية والدولية.
أرى أن الصرامة التي أظهرها الخطابي تجاه النظام السياسي في المغرب تبلورت أكثر عندما احتك عن قرب برجال الحركة الوطنية في القاهرة. هذا الاحتكاك واختلاف الرؤى بينه وبينهم وبينه وبين السلطان، بخصوص الجلاء وتصفية الاستعمار، لا تتضمنه المذكرات لأنها توقفت عند حدود النزول في القاهرة عام 47؛ وتعاملُه مع السياسيين في بلاده وفي بلدان شمال إفريقيا، كان بعد ذلك وحتى وفاته في القاهرة عام 1963.
لماذا لم تنشر المذكرات حتى الآن؟ هذا قرار يرجع أساسا إلى ورثة الخطابي. أما من الناحية الموضوعية، فإن نشر المذكرات يحتاج، أولا، إلى إعادة طرح ملف المقاومة الريفية كله على طاولة البحث وليس على طاولة المساومات. يجب التخلص من ثنائية الخاسر والرابح من نشر المذكرات.. هذه المذكرات التي هي جزء من الذاكرة الجماعية للريف وللمغاربة وللإنسانية جمعاء.
من هذا المنظار، يجب النظر إليها بلا حساب سياسي أو توظيف ضيق أو تشف في أحد، فعجلة التاريخ لا يمكن إعادتها إلى الوراء، ولكن الماضي يمكن بالتأكيد التعلم منه.
محمد أمزيان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.