مع تنامي ظاهرة الاحتجاجات على الحكام، وبعد الإعلان عن قرارات تأديبية وتوقيفات من طرف اللجنة المركزية للتحكيم. «المساء» أجرت حوارا مع الحكم الفيدرالي السابق والمحلل التحكيمي بقناة الرياضية مصطفى معزوز، حول رأيه في الجدل القائم حول التحكيم، وعن المنهجية التي تشتغل بها هذه اللجنة المركزية للتحكيم، والتقنيات الحديثة لتطوير أداء الحكام. - ما هو رأيك في المنهجية التي تشتغل بها اللجنة المركزية للتحكيم، وفي القرارات التي اتخذتها مؤخرا في حق بعض الحكام ؟ < التوقيفات التي أعلنت عنها مؤخرا اللجنة المركزية للتحكيم تطرح فعلا سؤالا عريضا يتعلق بمنهجية عمل هذه اللجنة، التي يتعين عليها أن تحسم أولا ومن حيث المبدأ في موضوع الإعلان عن قراراتها التأديبية من عدمه، حتى يكون تواصلها مع الرأي العام منتظما وبشكل اعتيادي، إذ لا يعقل أن تلجأ إلى الإعلان عن بعض القرارات فقط عندما تكثر الاحتجاجات، على الحكام من باب تهدئة الأمور وامتصاص غضب الفرق والجمهور والصحافة والرأي العام ، وهذا في رأيي يسيء إليها وإلى عملها ويعطي الانطباع بأنها تخضع للضغوطات ولا تشتغل بمبدأ الاستقلالية عن كل المؤثرات الخارجية . - لكنها تدخلت في الوقت المناسب واتخذت قرارات زجرية بعدما كثرت الانتقادات والاحتجاجات على أداء بعض الحكام؟ < لا أختلف معك، ولكن أعتقد أنه لدى هذه اللجنة جدول واضح للعقوبات يحدد نوعية العقوبة مقابل أي خطأ يرتكبه الحكم، ويتعين عليها أن تعمل به بعيدا عن الضغوطات وأن تتقيد به بغض النظر عن قيمة المباريات أو مستوياتها. ومن المفروض أن تنطلق قراراتها من هذا الجدول وليس من منطلقات أخرى، وإلا فإن مزيدا من الضحايا سيسقطون في صفوف الحكام واللاعبين والمدربين والمسيرين . ولدينا حالات عديدة لعقوبات قاسية في حق بعض الحكام ارتكبوا نفس الأخطاء والمخالفات التي ارتكبها حكام آخرون، لكن الأحكام كانت مغايرة ومختلفة من حيث الصرامة ومدة العقوبة وهذا غير معقول . - يؤاخذ على الحكام ببلادنا ضعف التواصل وعدم الانسجام فيما بينهم خلال المباريات كيف يمكن تجاوز هذه المعضلة في نظرك؟ < بالفعل يتضح لنا من خلال اللقطات التلفزية لبعض مباريات البطولة الوطنية بقسميها الأول والثاني مشكل ضعف التواصل (البصري) بين ثلاثي التحكيم، وهذا يفقد الانسجام بينهم أثناء إدارتهم لأطوار المباريات ويولد الاحتجاجات الكثيرة. ولتفادي كل هذه المشاكل أعتقد أنه يجب علينا أن نستفيد من تجارب الدول التي سبقتنا إلى الاستعانة ببعض الوسائل التقنية المعروفة في التحكيم. ومع هذا التطور الذي تعرفه ممارسة كرة القدم والسرعة التي أصبحت تلعب بها الكرة، بات من المفروض على حكم الساحة أن تكون قراراته سريعة، وتواصله وتجاوبه مع مساعديه يجب أن يكون بنفس السرعة والوثيرة كذلك، وأصبحنا كمغاربة ملزمين بدورنا بمواكبة هذا التطور وهذه السرعة . - صرح محمد أوزال قبل أيام ل«المساء» أن الجامعة تفكر جديا في الاستعانة بخدمة البلوتوت للتقليص من مشكل ضعف التواصل بين ثلاثي التحكيم، ما هي الإضافة التي ستقدمها هذه التقنية لمجال التحكيم ببلادنا ؟ < ستقدم إضافة نوعية بكل تأكيد، ومن خلال متابعتنا لأبرز البطولات الأوروبية على سبيل المثال نلاحظ بأن الاستعانة بهذه الوسائل التقنية أعطت أكلها وقللت من نسبة الخطأ في التقدير لدى الحكام، ورفعت من مستوى التواصل بينهم ، هذا فضلا عما تقدمه هذه التقنية من جمالية في التحكيم ومتعة، تجعل الجميع يعيش أجواء المباريات بعيدا عن التشنجات وتوتر الأعصاب. ولدينا أمثلة حول العديد من القرارات الصائبة مائة بالمائة التي اتخذها بعض الحكام في إطار منافسات الاتحاد الأوروبي، تبين فيما بعد أنه كان وراءها الحكام المساعدون الذين تواصلوا مع الحكم الرئيسي عبر رسالة صوتية فورية وعاجلة مكنته من اتخاذ قراره بشكل واضح وسليم . وإذا كانت اللجنة المركزية للتحكيم مقتنعة بهذه الفكرة، فما عليها سوى أن تمضي قدما في هذا الاتجاه الذي يهدف إلى الارتقاء بمستوى الممارسة الرياضية، ويعبد الطريق لمشروع تأهيل القطاع الرياضي ببلادنا. - بماذا تتميز خدمة البلوتوت عن تقنية «البيب» التي يستعملها منذ مدة بعض الحكام المساعدين ببلادنا؟ < تقنية البلوتوت تختلف عن الإشارة الصوتية أو ما يعرف «بالبيب صونور»، وهي أكثر نجاعة نظرا لما تتيحه من تواصل أفضل بين طاقم التحكيم، بحيث يمكن للحكم المساعد أو الحكم الرابع أن يخاطب حكم الساحة من خلال رسالة صوتية واضحة تشرح له الحالة بشكل دقيق، بينما يكتفي الحكم المساعد من خلال «البيب» بإيقاظ الحكم وإثارة انتباهه فقط . - ألا ينتابك شعور بالندم على قرار اعتزال التحكيم الذي اتخذته في لحظة غضب وانفعال ربما؟ < لا أبدا، لم أندم على ذلك لأنني اتخذ قراراتي عادة بحكمة وتبصر وبعد مراجعة للذات والأوراق جيدا، فلم يكن من السهل أن أتخذ مثل هذا القرار وأضع حدا لمسيرتي الرياضية لو لم أكن مقتنعا تماما ومؤمنا بعدالة قضيتي. ولحد الآن أعتبر أنني اتخذت القرار الذي كان يجب علي اتخاذه، ففي بعض الحالات والمواقف يتعين على المرء أن يحسم في بعض الأمور نهائيا، وقد تلقيت العديد من رسائل الدعم والمساندة والتأييد من طرف العديد من الجهات والأصدقاء والزملاء، الذين اعتبروا قرار اعتزالي موقفا شجاعا وجريئا وسابقة في تاريخ التحكيم المغربي. لأنه جرت العادة أن تكون اللجنة المركزية للتحكيم في بلادنا هي من يوقف الحكام وهي من يضع حدا لمشوارهم وهي من يحيلهم على التقاعد في الوقت وبالشكل الذي تريده، لكن بقرار اعتزالي أنا وزميلي منصف الكرش وآخرين كنا نحن من وضعها أمام محكمة الرأي العام الوطني. - بعد اعتزالك التحقت بقناة الرياضية كمحلل مختص في قضايا التحكيم ومشاكله كيف جاءت فكرة تعاقدك مع هذه القناة ؟ < الفكرة جاءت من القائمين على شؤون هذه القناة وعلى رأسهم الأخ أسامة بن عبد الله معد ومقدم برنامج مستودع، وهي فكرة بسيطة نسعى من خلالها إلى تبسيط قوانين اللعبة للرأي العام الرياضي، ونحاول شرح وتفسير بعض الحالات التحكيمية التي أثارت الجدل والاعتراضات خلال بعض المقابلات من البطولة الوطنية، منطلقين في تحليلنا من لقطات تلفزية واضحة وذلك حتى لا تكون أحكامنا عامة. وجاءت الفكرة كذلك للجواب على العديد من حالات الخلط والالتباس لدى عامة الناس ولدى بعض المتدخلين في شؤون اللعبة، فمثلا على مستوى التعليق الرياضي لا يمكن للمعلق أن يجزم في بعض الحالات التحكيمية، ومع ذلك نرى ونسمع العديد منهم يجزمون ويبدون برأيهم الذي ينقل على الهواء رغم مجانبته للصواب في كثير من الأحيان.