إن المجتمعات لا ترقى إلا بقيمها وأصولها، ولا تكتمل سعادتها إلا باحترام تقاليدها وهويتها. والأمة التي تستنبط نمط عيشها من غيرها، تبتعد عن أصالتها وحقيقتها وتفقد القدرة على الوجود بنفسها، ولن تعود إلى أصلها لجهلها بمكوناتها. لهذه الأسباب جميعها، توجب على الإنسان المغربي أن يهتم بثقافته وتاريخه على كل المستويات، ومن بينها، إن لم يكن من أهمها، ثقافته الغذائية؛ لذلك سنحاول، في هذا المقال الأسبوعي، التطرق إلى أهم التحولات الغذائية التي يعيشها الإنسان المغربي وما تحمله بين طياتها من أمراض فتاكة تشكل خطرا حقيقيا على صحته. من المؤكد أن التغذية من النواميس الكونية التي خلقها الله سبحانه وتعالى لمتعة الإنسان، ويجب أن تكون وتبقى كذلك، لكن من يضمن أنه سيبقى بدون تعرض لحساسية الأغذية، كالغلوتين Gluten وبعض النشويات، أو الخضر، وكذلك الحليب ومشتقاته؟ ومن يقدر على تجنب حالات طارئة مثل العياء والخمول بعد الوجبات التي لا تهضم، والإحساس بالغازات في الأمعاء؟ ولم لا تكون زيادة في الوزن بدون تناول كثرة الأغذية؟ وهذا ما يظهر غريبا للناس وحتى للأطباء، وقد لا يربط الناس بين الأغذية والانزعاجات الليلية والخوف والضجر والنسيان وعدم التركيز. كل هذه الحوادث والأعراض لها أسباب، وليس هناك عجب في ظهورها بالنسبة لذوي الاختصاص الدقيق في الميدان الصحي المتعلق بالأغذية، حيث يعتبر علم الأغذية أساس العلوم الطبية، لكنه ظل مهمشا في كل الدول، وفي جميع الحالات، يبقى علم التغذية قويا في ميدان الحوادث المتعلقة بالحساسية Allergies والانزعاجات الداخليةDigestion upset ، وليس هناك سر في ظهور هذه الطوارئ، فالأسباب تعود إلى وجود ليكتيناتLectins في الأغذية، وهي مركبات بروتينية غير قابلة للهضم، تتحد مع السكريات وتسبب الحساسية الغذائية Food allergies، وينتج عن استهلاك الأغذية المحتوية على ليكتينات الإسهال والغثيان والتقيؤ، والليكتينات تحاكي نشاط الأنسولين وتعطي للخلايا الذهنية إشارة التخزين، كما تؤدي إلى كبح هرمون الليبتين leptin الذي يضبط تخزين الدهون. بعض الليكتينات المنتشرة جدا في النظام الغذائي، مثل الغليادين gliadine، التي توجد في القمح والشعير، تحدث سلسلة من الالتهابات الداخلية، كما أن هناك ليكتينات أخرى تسبب عدم التوازن في فلورا الأمعاء. وهناك بعض الليكتينات كالسولانين الموجودة في الخضر البادنجانية Nightshade، وهي البطاطس والفلفل والطماطم والبادنجان، مع تركيز عالِ في البطاطس والطماطم، وقد تبين أن هذا الليكتين يحدث ألما في المفاصل مع غازات في الأمعاء. وتعمل الليكتينات على تحفيز إفراز مركب Polyamine في الأمعاء، وتخفض بطريقة خطيرة نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية Natural killer cells. وهناك بعض الليكتينات التي قد تؤدي إلى الموت أو إلى حالات خطيرة مثل الفاصوليا الحمراء، ومثل الفول الذي يتسبب في أنيميا تحليلية Hemoletic anemia لدى كثير من الناس، مع العلم أن هذه المركبات لم تكن تسبب مشكلا من قبل، لأن النظام الغذائي كان طبيعيا، وكانت مناعة الجسم قوية، لكن في الوقت الحالي يجب أن ينتبه الناس إلى هذه الحالات، ويجب أن يراقبوا المواد التي تحدث لهم انزعاجات أو تسممات ليتوقفوا عن تناولها، ونركز على الفول والقرفة والقمح والصويا والفاصوليا والجلبان والمانكا والبطيخ والكيوي والحليب والزيوت المستخرجة من بعض الحبوب، مثل نوار الشمس والصويا والكولزا، وقد أكدنا على غموض الموضوع من الناحية الطبية، فيجب أن يتعرف الناس عن المواد التي تضرهم كلما تناولوها، وليس هناك حل إلا بالتوقف عن استهلاكها. والليكتينات توجد في كل الأغذية النباتية، ويستحيل تجنبها كليا، ومن خصائص هذه المركبات أنها مقاومة للحرارة، فهي لا تتلف بالحرارة العالية، ولا تهضم، لأن الجسم ليس مجهزا بأنزيمات قادرة على هضم هذه المركبات، وهو الأمر الذي يجعلها تسبب انزعاجات على مستوى الهضم والأيض معا. كما أن الاهتمام ببعض الليكتينات بدأ ينمو كثيرا لدى الباحثين، حيث إن هناك تجارب أجريت على علاج بعض حالات السرطان باستعمال الليكتينات. ومن جهة أخرى، فإن مدى حساسية الجسم لهذه الليكتينات ليس معروفا، ولا يمكن تعميمه على كل الأشخاص، إذ أن لكل جسم حساسية معينة لبعض الليكتينات، وفي هذا الصدد، ذهب بعض الباحثين إلى فئات الدم للتعرف أكثر على هذه الحساسية لهذه المركبات، لكن ليس هناك تفاوت كبير بين الفئات، وتبقى هذه الليكتينات عموما محدثة لتفاعلات غير عادية داخل الجسم بنفس الطريقة لجل الفئات الدموية. وإذا كان لغز هذه الليكتينات في علم التغذية وعلاقته بالأمراض المزمنة لا يزال غامضا، فإن طريقة التخلص من هذه الليكتينات تبقى هي الأهم، حيث إن هناك مركبات يمكن أن تخرج هذه الليكتينات من الجسم، وهي متوفرة وسهلة الاستعمال، بحيث يجب أن يفكر الناس في غسل الجسم من هذه المركبات Lectin flush التي تحدث خللا فايسيولوجيا في الجسم، وربما انزعاجات على مستوى الجهاز الهضمي لا تطاق. وسنفصل في ما يأتي كل المركبات والطرق التي تساعد على طرح هذه المركبات من الجسم. يعمل مركب N-acetyglucosamine أو NAG، وهو مركب يوجد في الجهاز الهضمي للإنسان، على إخراج ليكتين القمح من الجسم، ويقي بذلك من الحساسية المفرطة التي يسببها هذا الليكتين. وتعمل ألياف البرتقال أو البيكتين، وهي ألياف متخمرة أو ذائبة تقوي البكتيريا الصديقة (Probiotic) في القولون، حيث تحللها وتنتج الحمضيات الذهنية قصيرة السلسلة، مثل حمض البيوتيريك، الذي يغذي خلايا الكبد والأمعاء، ولذلك فاستهلاك البرتقال أحسن من استهلاك العصير للحصول على كمية كبيرة من البيكتين، ونفس الحادث تشجعه كذلك البطاطا الحلوة التي تحتوي على سكر الإنولين الذي يقوي وينشط بكتيريا القلولون أو البكتيريا الصديقة. وهناك بعض الطحالب البحرية مثل الفوكوس Fucus التي ترتبط بالخمائر والبكتيريا التي تحدث انزعاجات وغازات في الجهاز الهضمي. وهناك مركبات أخرى توجد في كل من الأنانس مثل سكر d-mannose وكذلك حمض الكلوتمين L-glutamine الموجود في الشعير، ومركب الكيوركيومين Curcumin الموجود في الكركم، وهي مركبات تقي من الالتهابات المعوية، وكذلك على مستوى المعدة. وبالنسبة للمواطنين الذين يعيشون في الخارج، فهناك بعض المنتوجات التي تباع في السوق مثل مركب arabinogalactane ومركب الألجينات Sodium alginate، وقد يجدون أشياء أخرى تساعد على طرح الليكتينات من الجسم. د. محمد فائد