من المؤكد أن اختلاط الأطعمة أو تناول المواد الغنية بالطاقة مجتمعة وبكثرة يرهق المعدة ويؤدي إلى ظهور كثير من الأعراض، منها الغازات والانتفاخات وسوء الهضم وبعض الالتهابات. وتناول المواد سريعة الهضم، مثل الفواكه، مع المواد بطيئة الهضم، مثل اللحوم، يؤدي إلى سوء الهضم ووقوع بعض التخمرات في المعدة؛ فكلما كان الأكل متجانسا ارتاح الجسم. لكن الملاحظ أن التنوع أصبح موضة يحرص عليها الناس، وتناول الفواكه الطرية يجب أن يكون قبل الأكل بوقت طويل أو بين الوجبات وليس بعد الأكل مباشرة، أو أن يكون خارج أوقات الوجبات، فإذا تناول الشخص نوعا من اللحم، فليس ضروريا أن يتناول معه مواد لبنية أو بيضا أو سمكا، فتناول هذه المواد دفعة واحدة يجعل الجسم يأخذ فائضا من الأكل، وإذا بقي على هذه الحالة لمدة طويلة فقد يصاب بأعراض تتعلق بالمعدة والأمعاء. يجمع كثير من الباحثين على أن هناك ثلاثة عوامل لترشيد التجانس الغذائي، وهي الوقت الذي يستغرقه الهضم Digestion time، والتوازن الحامضي القاعدي pH imbalance، والطاقة اللازمة للهضمDigestion energy . وهذه العوامل الثلاثة تساعد على تفادي اختلاط الأغذية التي تجعل الجهاز الهضمي يرهق. وهذه العوامل ينقصها، في نظرنا، عامل رابع، وهو الأهم بالنسبة إلى تنظيم التجانس الغذائي، وهو عامل الزمن أو وقت الأكل. وفي ما يخص الوقت الذي يستغرقه الهضم، نلاحظ ثلاثة أقسام من التغذية، وهي الأغذية سريعة الهضم، كالفواكه الطرية والتمور وعصير الفواكه وبعض الخضر، وتستغرق هذه المواد حوالي خمس دقائق؛ والأغذية متوسطة الهضم كالخضر والأوراق الخضراء والحشائش، ويكون وقت هضمها متراوحا ما بين 20 و35 دقيقة؛ والأغذية بطيئة الهضم، كاللحوم والألبان والقطاني والنشا. أما في ما يخص التوازن الحامضي القاعدي، فنقسم الأغذية إلى قسمين: منها الأغذية التي تهضم في وسط قاعدي pH 7-8، وهي النشويات التي تشمل الخبز والرز والعجائن والكسكس، وهذه الأغذية تهضم في الفم لأن الوسط قاعدي، أما الدهون فتهضم تحت pH 8، وهي النسبة التي توجد في المعي الدقيق، لأن أنزيم اليبيز Lipase يعمل في وسط قاعدي، وبعض الأنزيمات الأخرى، التي تكمل هضم ما تبقى من بروتينات اللحوم والقطاني والألبان، تعمل كذلك تحت هذا المستوى، ومنها الكلباين والكتبسين؛ والأغذية التي تهضم في الوسط الحامضي pH 2-4، وهي اللحوم والألبان والقطاني. وتهضم هذه الأغذية في المعدة لأن pH يكون حوالي 2. وهنا يأتي عامل الزمن الذي يعتبر ضروريا ومهما، لأن هذه المواد تستدعي التوقف عن الأكل لمدة أربع أو خمس ساعات. ونلاحظ أن الذين لا يتوقفون عن الأكل لمدة كافية كي تنتهي المعدة من عملها، يصابون بتقرحات في المعدة وغازات في الأمعاء، وهو ما نسميه الانزعاج في المعدة Stomach upset. ويضبط هذا الحادث بالصيام مرتين في الأسبوع لراحة المعدة، وهو ما يوافق سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم. لكننا نؤكد على ضرورة تقليل الأكل أثناء الإفطار بالنسبة للأشخاص الذين يصومون هذه الفترات. وهناك أغذية تحتاج إلى طاقة كبيرة للهضم، وهي اللحوم والأجبان والقطاني. وهذه المواد تجهد الجهاز التنفسي والبنكرياس، وتصعد حرارة الجسم أثناء الهضم. ولذلك يستحسن ألا تستهلك هذه المواد مرتين في اليوم، كي نعطي وقتا كافيا للمعدة لتسترجع فيه نشاطها. وربما لا يعير الناس أي اهتمام لوقت الأكل، وقد تكون العوامل سابقة الذكر ذات تأثير على الهضم إذا أخذت بعين الاعتبار راحة المعدة وترك الوقت الكافي للامتصاص. وتتجلى قوة هذا العامل في ثلاث نقط، منها: أولا، تحديد وقت الأكل، بمعنى ألا يأكل الشخص في أي وقت، ليسمح بتباعد الوجبات أو راحة المعدة والأمعاء؛ وثانيا، الأكل دون الإحساس بالجوع، بمعنى أن حلول وقت الوجبة لا يعني بالضرورة الأكل إذا كان الشخص لا يحس بالجوع، إلا أن يكون الأكل خفيفا كالفواكه والماء؛ وثالثا، الأكل في النهار والتوقف عن الأكل في الليل، إلا الماء وبعض المشروبات الساخنة لأنها ليست مغذية ولا تحتاج إلى أنزيمات. وأثناء الليل يكون نشاط الأنزيمات ضعيفا جدا، وكذلك الهرمونات، فنلاحظ أن هرمون النمو لا يعمل بالليل. وعدم التوقف عن الأكل لمدة كافية يرهق المعدة والأمعاء معا، حيث ينخفض الهضم لأن نشاط الأنزيمات منخفض، وهو ما يشكو الناس من تأثيراته التي تأتي على شكل تكوّن الغازات وانتفاخ البطن وبعض الألم. ويستحسن عدم أخذ أكثر من مصدر للطاقة، لأن تناول الدهون واللحوم والسكريات في نفس الوقت يجعل الجسم يأخذ أكثر من القدر الضروري، فيلجأ إلى تخزين الزائد من الطاقة على شكل شحوم. وتجمع هذه الشحوم كل المواد السامة التي تأتي من التغذية. والتغذية في البلدان الغربية تجمع بين كثرة السكريات والدهون وكذلك البروتينات، والجسم لما يأخذ هذه المكونات الثلاثة، وهو لا يحتاج إلا القليل منها، يستعمل السكريات لأنها سهلة الهضم، وبما أنه يكفي حاجته من هذه المواد، فلا يستعمل الدهون للطاقة بل يخزنها، وطبعا تبقى البروتينات ضرورية لبناء الخلايا الميتة. لكن الدهون تبقى زائدة وكذلك السكريات إذا كانت تفوق زيادة الاستهلاك. وهذا الأساس لا يهم الأغذية النباتية، وإنما الأغذية الحيوانية فقط، لأن المواد النباتية لها نفس الطبيعة، وليس فيها ما يثقل من الناحية الغذائية، أو على العكس يجب أن تتنوع وأن تكون في النظام الغذائي خضر متنوعة وفصلية، وفواكه متنوعة وفصلية وأوراق خضراء، وأعشاب وما إلى ذلك. والمواد الحيوانية هي المعنية بالاختلاط لأنها غنية بالبروتينات، وتأتي بالدهون الحيوانية التي قد يستغني عنها الجسم. ولما نتكلم عن المواد الحيوانية فإننا نعني هذه المواد بنظامها الطبيعي، أما العوامل التي قد تعترض بعض المواد فلا تدخل في هذا السياق، ومنها التلوث واستعمال التقنيات الحديثة للإنتاج كالتغيير الوراثي، وكذلك التصنيع، وقد تغير هذه العوامل من طبيعة المواد الغذائية لتصبح غير قابلة للهضم أو قد تحتوي على مكونات تكبح الهضم، وربما تكبح الامتصاص، وهو ما نلاحظه في أنماط العيش الحديثة.