قال عمر حمزاوي، كبير الباحثين بمركز كارنيغي للشرق الأوسط، إنه يوجد غياب للتوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية بالمغرب، حيث هناك طغيان وتغول للسلطة التنفيذية وللمكون الأمني، مؤكدا أن المسار الديمقراطي في المغرب متعثر. وأشار، في حوار مع «المساء»، إلى أن تواريخ الصراع بين الإسلاميين واليسار أصبحت قديمة، ليس في المغرب فقط بل في العديد من الدول العربية، داعيا إلى التنسيق بين الطرفين وإحداث قطيعة مع الصراع والتجاذبات التي حدثت في سنوات الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي.. واعتبر أنه رغم حالة التراجع التي عرفتها بعض الحركات الإسلامية المشاركة في العملية السياسية، فإنه مازالت لديها قواعد شعبية ممتدة وحقيقية والوزن الشعبي للإسلاميين لا زال معتبرا. - كيف تنظرون، في مركز كارنيغي، إلى الواقع السياسي في المغرب؟ < نحن، في عملنا كباحثين، نتابع المشهد السياسي في المغرب وكتبنا عنه أكثر من مرة. المصادر الرئيسية لما أنتجناه كأعمال بحثية تدور حول أربعة أمور، أولها هو أنه رغم حالة التعددية السياسية، سواء على مستوى المجتمع المدني أو بوجود الأحزاب السياسية، فإن المسار الديمقراطي في المغرب متعثر، خاصة في سياقين رئيسيين، أولهما غياب التوازن بين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، حيث هناك طغيان وتغول للسلطة التنفيذية وللمكون الأمني، والسياق الثاني والرئيسي هو أن الإصلاحات الدستورية، التي كان ينظر إليها على أنها مفتاح الإصلاح السياسي الحقيقي، تدفع إلى الواجهة بتركيبة أكثر توازنا للحياة السياسية في إطار من التوازن بين السلطات المختلفة تبين أنها غائبة من خلال زخم النقاش الذي دار حولها خلال السنوات الأخيرة في المغرب. المسألة الثانية التي ركزنا عليها ناظرين إلى جميع الأحزاب المعارضة ككل، الإسلامية أو الليبرالية أو اليسارية، تمحورت حول أمرين، الأول هو أنه على الرغم من وجود هذه الأحزاب فإن تأثيرها على السياسات العامة، وخاصة في غياب التوافق بينها وبين المؤسسة الملكية، محدود، وهو ظاهر في حالة حزب العدالة والتنمية الذي استبعد أكثر من مرة من الائتلافات الحاكمة، ومازالت هناك نظرة لا تريد أن ترى العدالة والتنمية داخل الائتلاف الحاكم في المغرب رغم وجوده داخل الحياة البرلمانية، وبصورة مكثفة في السياسات العامة. الأمر الآخر هو وجود عزوف للناخبين، وهو ظاهرة خطيرة تهدد الحياة السياسية المغربية ككل، فالإصلاح الدستوري الغائب يخلق أزمة للأحزاب السياسية وللناخب العازف الآن عن المشاركة والذي لا يرغب فيها. المستوى الثالث كان تحديدا في ما يتعلق بالحركات الإسلامية، فقد تعاملنا مع نموذج العدالة والتنمية باعتباره أحد النماذج الصالحة للتعرف على مجمل ما يحدث داخل الحركات الإسلامية في عموم العالم العربي، وهو نموذج متقدم بكل تأكيد، إن على مستوى الفصل الوظيفي بين الدعوي والسياسي أو على مستوى الاهتمام بالسياسات العامة وبالشأن التدبيري، وهو كذلك نموذج متقدم في الانفتاح على تيارات غير إسلامية وإقامة حوار معها، وهو أمر غير قائم في مكان آخر. أخيرا، هناك أمر آخر يتعلق بحيوية المجتمع المدني المغربي، وهي حيوية لافتة بالمقارنة مع كل الدول العربية الأخرى. ورغم امتلاك هذه الحيوية، فإن ترجمتها السياسية لازالت محدودة. - الأحزاب السياسية في المغرب تعتبر فاعلا مهما لإحداث التغيير، فلماذا، في نظركم كباحثين، لا تقام تحالفات بين اليسار والإسلاميين، خاصة وأنه يوجد التقاء في العديد من المطالب الاجتماعية والسياسية والاقتصادية؟ < الفكر التوحيدي أو المقاربة التوحيدية في النظر إلى الأحداث السياسية تأتي من خلفيتين، الأولى أنه نظرا إلى طغيان النخب الحاكمة على الحياة السياسية في العالم العربي، بما في ذلك المغرب، أصبح من الواضح أنه ليست هناك إمكانية عملية لمواجهته سوى بتقويض حركات المعارضة، وهناك دائما مقاربة توحيدية عندما يلتقي الإسلاميون مع اليساريين لأن بينهما مصلحة في الضغط على النخبة الحاكمة من أجل إحداث التغيير المطلوب والمنتظر. الخلفية الأخرى هي أن هناك التقاء في العديد من القضايا التي تهم الشأن الاقتصادي والاجتماعي والإصلاح السياسي. ما زلت أرى أن الأصل في الأحزاب السياسية في أي تعددية هو أن التقاءها هو التقاء آني ولا ينبغي له أن يغيب الاختلافات وإلا لماذا يذهب الناخب إلى اختيار هذا أو ذاك وما الذي يتبقى من الطابع الإسلامي في حزب العدالة والتنمية إذا قال إنني أتفق مع اليسار في كل شيء، وما الذي سيتبقى من اليسار إذا قال إنني اتفق مع الإسلامي في كل شيء، وأنا أعتقد أنه في إطار المنحى العملي والبراغماتي هناك حاجة إلى الضغط على النخب من أجل تحقيق الإصلاح، صحيح أنه ينتج أجندة حد أدنى، ولكن لا ينبغي ألا تغيب الخلافات. - لكن الخلافات دائما موجودة بين الأحزاب السياسية باعتبار أن النشأة نابعة من فكر إيديولوجي، والإيديولوجيا تؤثر على الفعل السياسي؟ < ما تقوله صحيح، فلا بد أن تترجم هذه الخلافات إلى سياسات عملية، فعندما يتعلق الأمر بالنشاط البرلماني لكتلة الحزب المعني، اليسار أو الإسلاميين، فلا بد أن تترجم هذه الاختلافات في طروحات حول التشريعات المهتمة بالشان الاقتصادي والاجتماعي وينبغي لهذه الاختلافات أن تطرح ذواتها حتى يعرف الناخب الذي ذهب للتصويت لصالح هذا الطرف أو ذاك أن هناك مساحات للتلاقي ومساحات رئيسية للاختلاف. أنا ضد تعميم الاختلاف أو تغييبه، ولا أريد الانطلاق من أجندة كليانية، فهناك أجندات حد أدنى هامة، ولكن هناك اختلافات هامة للمواطن المهتم بالشأن العام، وإلا سينتفي الحافز الأخير للمواطن حتى يذهب إلى الصندوق من أجل الانتخاب، وقد أصبح الآن لا يذهب للانتخاب لأنه يدرك أن هذه الانتخابات لا تحدث تغيرا في السياسات العامة، فإن انتفى الحافز الحقيقي مع وجود أحزاب وأنماط فكرية وسياسية متفاوتة، فهو لن يلجأ للمشاركة في الانتخابات ككل. - الشيء الآخر المؤثر في هذه العلاقة هو الجانب التاريخي بين اليسار والحركات الإسلامية الذي تميز بالصراع والصدام واستعمال العنف، ألا يمكن تناسي هذه الأحداث وإحدات قطيعة معها ولاسيما أن معظم قيادات الجانبين ممن شاركوا وتفاعلوا مع هذه الصراعات؟ < صحيح، هنا أشير إلى أننا أمام أجيال جديدة، والصراع ارتبط، ليس في المغرب فقط، بلحظات سابقة في فترة الستينيات وجزء من السبعينيات. جيل الفاعلين السياسيين ومن يسيطر على الساحة السياسية في عموم العالم العربي هو من يسمى بجيل السبعينيات، أي الجيل الذي تبلور وعيه داخل الجامعات العربية في النصف الثاني من السبعينيات. وهناك حاليا محاولات توفيقية وتجميعية وكذا صراع لم يأخذ أشكالا كبيرة، خصوصا وأن الأجيال والذاكرة تتغير بتغير الجيل، حيث لا يبقى الذي ساهم في الصراع، ويأتي جيل آخر بأفكار توفيقية وتعاونية، وهذا أمر جيد طالما لا يغيب الخلاف، لأنه إن غاب الخلاف نتساءل عن الذي يدفع عضوا بحزب معين إلى البقاء إن كانت اليافطة الإسلامية لا تعني له أي شيء وأنها مثل اليافطة اليسارية. إن تواريخ الصراع أصبحت قديمة بين الإسلاميين واليسار، وهذه حقيقة فعلية ليست في المغرب فقط بل في العديد من الدول العربية، وبالتالي فالذاكرة الجماعية تتغير، وهذا يفتح المجال للتعاون والتنسيق، ولكن مرة أخرى دون مقاربات كليانية تدعو إلى التعاون فقط. - لكن الحديث عن هذا التوفيق والتعاون يتم فقط في المرحلة التي تسبق الانتخابات وتشكيل الحكومة ولا يعتمد على مقاربة دائمة لتدبير العلاقة ذات الأبعاد المختلفة؟ < ولكن هذا مشروع أيضا، التنسيق في لحظة الانتخابات بين الأحزاب السياسية مشروع في عرف الحياة الحزبية ويحدث داخل عالمنا العربي وخارجه. لكن هناك سياقان آخران هامان من بينهما العمل البرلماني، فإذا كانت هناك أجندة وطنية فليتحركوا في سياق وطني بأجندة منظمة، وذلك حينما يحدث توافق بينهما. والسياق الثاني هو النقاش العام، فعليهم أن يخرجوا إلى المواطنين بخطاب واضح يقول لهم إننا نتفق في هذه النقطة وتلك ونختلف في هذه النقاط، فيدرك المواطن، عندما يراهم يتحركون، أن هناك توافقا واختلافا، وبالتالي فالخروج بخطاب مقنع يشير إلى مساحات الالتقاء والاختلاف، وبعد ذلك التحرك وفقا لهذه المنظومة بصورة واقعية وعملية ومنظمة، والمقاربات الكليانية خطيرة لأنها بمثابة تغييب للوعي. - ولكن هناك أصوات داخل اليسار تقول إنه لا ينبغي التحالف مع الإسلاميين نظرا إلى الاختلاف الإيديولوجي ولكون القواعد التي تصوت عادة لفائدة الإسلاميين أصبحت تتقلص تدريجيا وتتساءل عن جدوى التحالف مع تيار شعبيته في تناقص، خاصة في عدد من الدول العربية والإسلامية؟ < أعتقد أن هذا مبالغ فيه. هناك شيء من التراجع في عموم الحالة الإسلامية في العالم العربي، لكن مازالت لديهم قواعد شعبية ممتدة وحقيقية. وأظن أن التحالف يكون أيضا مع قوى ضعيفة (اليسار) لأنهم يريدون التغيير، فالقوة مهما كان وزنها فهي مهمة. وأعتقد أن الوزن الشعبي للإسلاميين لا زال معتبرا، وبالتالي التراجع محدود وجزئي. الخلافات الإيديولوجية حاضرة وقادمة، وهي تغيب التعامل في عدد من المناحي التي حولها خلاف، وهناك قضايا عليها التقاء تتعلق، على الخصوص، بالإصلاح السياسي والدمقرطة، وعليهم أن يتفقوا على آليات لترجمة هذا التوافق بصورة عملية في مرحلة الانتخابات وفي البرلمان والنقاشات العامة.