تحول خبر مرض وزيرة الثقافة ثريا جبران، الذي كنا في «المساء» سباقين إلى نشره، إلى عملية شد وجذب بين مجموعة من المنابر الصحافية. وأصبح البعض ينتظر صدور آخر الأخبار حول تطورات مرض الوزيرة على صفحاتنا، لكي يسارع إلى نفيه وتكذيبه. مع أن الأخبار التي ننشرها لقرائنا حول هذا الملف مضبوطة وحقيقية ولا غبار عليها. ويبدو أن البعض «غير سامع» وليست لديه إمكانية الحصول على الخبر اليقين، لذلك يعوض عن ضعفه وقلة حيلته باللجوء إلى التشكيك في كل ما ننشره حول هذا الموضوع. أولا، يجب أن يعلم الجميع بأن اهتمامنا بلغز مرض وزيرة الثقافة ليس نابعا من رغبة في التشفي من هذه الأخيرة، معاذ الله. كما أن متابعتنا لتفاصيل الموضوع لا تدخل ضمن اعتبار مرضها فرصة للإثارة من أجل رفع عدد مبيعات الجريدة. ربما يكون هذا هم بعض الجرائد التي اضطرت مؤخرا إلى تخفيض عدد سحبها بسبب تراجع المبيعات، أما نحن ولله الحمد، وبفضل وفاء قرائنا، فليس لدينا مشكل من هذا النوع. (عين الحسود فيها عمود). اهتمامنا بموضوع مرض وزيرة الثقافة نابع أساسا من كون هذه الأخيرة عضوا في الحكومة. بمعنى أن حالتها الصحية ليست من قبيل الشأن الخاص، وإنما تقع في صلب الشأن العام الذي تفرض تقاليد العمل الحكومي في الدول الديمقراطية التواصل بشأنه وإخبار الرأي العام بتفاصيله ومستجداته. وليس غريبا أن تأخذ قضية مرض وزيرة الثقافة أبعادا «غرائبية» في بعض الجرائد التي تعتمد على رواية زوج الوزيرة عبد الواحد عوزري، مع أن هذه الجرائد تؤكد الخبر الذي نشرناه والذي يقول إن «حرم» الوزيرة ممنوع بتعليمات صارمة من زيارة زوجته المريضة. وإذا كان زوج الوزيرة نفسه ممنوعا من زيارتها وليست لديه معلومات مضبوطة عن حالتها الصحية، فكيف ستكون مديرة ديوانها بالوزارة مطلعة على تفاصيل مرضها. والمضحك في الأمر أن إحدى الجرائد كتبت أن الوزيرة على اتصال بديوانها يوميا عبر الهاتف. بينما كتبت جريدة أخرى، على لسان زوجها عبد الواحد عوزري، إن الوزيرة لا تعاني من أي مرض خطير، وإنها «فقط متعبة جدا». «زعما ماعندها باس، غير عيانة بزاف». عندما تصدر تعليمات لزوج الوزيرة تمنعه من زيارة زوجته التي ترقد بالمستشفى، فالسؤال الأول الذي يتبادر إلى الذهن هو كيف يمكن أن يتقبل زوج الوزيرة، الذي يشغل في الوقت نفسه، منصب مستشار في ديوانها، أن يكون ممنوعا من زيارة زوجته. إن أول من يملك الحق في عيادة زوجته والوقوف إلى جانبها في لحظات المرض والضعف هو الزوج. وإذا كان هذا الزوج ممنوعا من زيارة زوجته المريضة فلأن الزوجة طلبت ذلك. وإذا كانت الوزيرة هي من طلبت «إبعاد» زوجها عن باب غرفتها بالمستشفى فلأن هناك علاقة ما للمستشار عبد الواحد عوزري بفقدان وزيرة الثقافة لتوازنها النفسي وسقوطها المفاجئ في مكتبها الوزاري. نحن هنا لا نتحدث عن زوج وزوجة وإنما عن وزيرة ومستشارها. ولذلك فمن المنطقي أن يفتح عباس الفاسي تحقيقا في الموضوع لتحديد المسؤول الحقيقي عن الوعكة الصحية التي ألمت بوزيرة في حكومته أثناء أدائها لعملها. عندما عينت ثريا جبران زوجها مستشارا لها في وزارة الثقافة كتبنا حينها أن هذا القرار كان خاطئا. وهاهي الأيام تثبت صحة ما قلناه. والسبب هو أن كل من يعرف عوزري جيدا يعرف أنه شخص مريض بالسلطة. وقد كان منتهى أحلامه أن يتم تعيينه على رأس مسرح محمد الخامس على عهد وجود الأشعري على رأس وزارة الثقافة. وقد ذهب إلى حد كتابة رسالة إلى المستشار الملكي أندري أزولاي يستعطفه فيها باقتراح اسمه لشغل هذا المنصب. لكن الأشعري، وهذه تحسب له، فعل كل ما بوسعه لكي يفوت على عوزري منصب مدير مسرح محمد الخامس. وهكذا، عندما تم تعيين ثريا جبران وزيرة للثقافة بشكل فاجئ الجميع، بما في ذلك عوزري نفسه، فقد ضغط بكل الوسائل على زوجته لكي تعينه في منصب مستشار بديوانها. وليس وحده، بل «شلة» الاتحاد الاشتراكي بكاملها، خصوصا منهم الذين غادروا سفينة الجريدة الغارقة كما هو الشأن بالنسبة إلى حسن نجمي وبهجاجي، أو الذين فشلوا في الجرائد التي أسسوها ووجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل مثل حالة البشير الزناكي. وهكذا وبجرة قلم، وجد عوزري نفسه الآمر الناهي في وزارة الثقافة. وحول ديوان الوزيرة إلى امتداد طبيعي لبيته الأسري. وأصبح يتحكم في التعيينات والإقالات والعقوبات داخل دواليب الوزارة. وبسبب هذا التسلط والشطط في استعمال السلطة وقعت بينه وبين زوجته الوزيرة أكثر من مشادة كلامية أمام بعض أعضاء الديوان، الذين لا يترددون في غياب عوزري، في وصفه بالمتسلط الذي لا يؤمن جانبه. ولذلك عندما زارها فؤاد عالي الهمة، نظرا إلى العلاقات الإنسانية التي بينهما، أفرغت ثريا جبران قلبها عليه، ورجته أن يبلغ المعنيين بالأمر رغبتها في مغادرة الوزارة. وما يجب أن يعرفه بعض الزملاء الصحافيين الذين تكلفوا بمهمة نفي زيارة الهمة لوزيرة الثقافة لمعايدتها والاطمئنان على صحتها، هو أن المشكل في موضوع مرض ثريا جبران ليس هو من زارها في غرفتها بالشيخ زايد، هل هو الهمة أم رشدي الشرايبي المكلف بمهمة في الديوان الملكي، وإنما المشكل هو لماذا لم يصدر وزير الاتصال إلى حدود اليوم أي بلاغ في الموضوع رغم مرور عشرين يوما على وجود إحدى أعضاء الحكومة في المستشفى، وأين هو عباس الفاسي من كل هذا. أليس مفروضا أن يكون أول من يزور وزيرة الثقافة في غرفتها بالمستشفى هو وزيرها الأول وبعد ذلك زملاؤها الوزراء. لماذا كل هذا الصمت الحكومي المبالغ فيه، وهذا الحرص الزائد عن حده على تعقب أي معلومة تصدر بخصوص مرض الوزيرة بالنفي والتكذيب في جرائد بعينها. أن يزور وزيرة الثقافة المريضة فؤاد عالي الهمة أو رشدي الشرايبي فهذا عمل إنساني لا يمكن أن نلوم عليه من يقوم به. فربما يكون الهمة فهم أنه أخطأ عندما بادر إلى زيارة وزيرة الثقافة قبل رشدي الشرايبي، فهذا الأخير يحمل صفة المكلف بمهمة في الديوان الملكي، بينما الهمة ليست لديه صفة أخرى غير صفة مؤسس حزب الأصالة والمعاصرة. ولو أنه لم يذهب فعلا لزيارة الوزيرة لكان أصدر بيانا حقيقة وأرسله إلينا لننشره، بدل أن يتكفل بذلك زملاؤنا الأعزاء في صحفهم. نحن لا نلوم كل هؤلاء، ما نلومه كصحافة هو هذه «اللقوة» الحكومية التي ضربت لسان الناطق الرسمي باسمها، هو المعروف ب«طلاقة» لسانه خشبي الصنع. احترام الرأي العام والصحافة يبدأ بإخبارهما وإطلاعهما على ما يقع في الحكومة التي يتقاضى وزراؤها رواتبهم من جيوب دافعي الضرائب. وللمرة الألف نكرر أن معالجتنا لموضوع مرض وزيرة الثقافة ليست فيها أية رغبة في التشهير أو التشفي، على العكس تماما. السبب الوحيد الذي يدفعنا إلى متابعة هذا الموضوع هو الحرص على القيام بواجب إخبار الرأي العام بتطورات مرض غامض وملتبس لأحد أعضاء الحكومة المغربية. وأيضا الرغبة في فتح تحقيق نزيه لمعرفة أسباب هذا المرض المفاجئ وتحديد المسؤوليات، وتطبيق القانون، حرصا على سلامة الوزيرة وعلى احترام حق الرأي العام في الخبر. وبمجرد ما ستتوفر لدينا أخبار جديدة ومؤكدة حول تطورات الملف، سنبادر، كعادتنا، إلى إطلاع قرائنا عليها. «واللي ما عندو غير الخبار ديال البارح يسد فمو شوية». وبه وجب الإعلام والسلام.