ولي العهد الأمير مولاي الحسن يستقبل الرئيس الصيني    وفاة شخصين وأضرار مادية جسيمة إثر مرور عاصفة شمال غرب الولايات المتحدة    جامعة عبد الملك السعدي تبرم اتفاقية تعاون مع جامعة جيانغشي للعلوم والتكنولوجيا    سفير ألمانيا في الرباط يبسُط أمام طلبة مغاربة فرصا واعدة للاندماج المهني    بوريطة: المقاربات الملكية وراء مبادرات رائدة في مجال تعزيز حقوق الإنسان    ولي العهد الأمير الحسن يستقبل الرئيس الصيني بالدار البيضاء الذي يقوم بزيارة قصيرة للمغرب    تحطم طائرة تدريب يودي بحياة ضابطين بالقوات الجوية الملكية    متابعة موظفين وسماسرة ومسيري شركات في حالة سراح في قضية التلاعب في تعشير السيارات    هل يؤثر قرار اعتقال نتنياهو في مسار المفاوضات؟    عشر سنوات سجنا وغرامة 20 مليون سنتيما... عقوبات قصوى ضد كل من مس بتراث المغرب    رسميا: الشروع في اعتماد 'بطاقة الملاعب'        أبناء "ملايرية" مشهورين يتورطون في اغتصاب مواطنة فرنسية واختطاف صديقها في الدار البيضاء    الصحراء: الممكن من المستحيل في فتح قنصلية الصين..    المغرب التطواني يقاطع الإجتماعات التنظيمية مستنكرا حرمانه من مساندة جماهيره        أول دبلوم في طب القلب الرياضي بالمغرب.. خطوة استراتيجية لكرة القدم والرياضات ذات الأداء العالي    مجلس الحكومة يصادق على مشروع مرسوم بوقف استيفاء رسم الاستيراد المفروض على الأبقار والأغنام الأليفة    الحزب الحاكم في البرازيل يؤكد أن المخطط المغربي للحكم الذاتي في الصحراء يرتكز على مبادئ الحوار والقانون الدولي ومصالح السكان    تعيينات بمناصب عليا بمجلس الحكومة    "بتكوين" تقترب من 100 ألف دولار مواصلة قفزاتها بعد فوز ترامب    الرباط : ندوة حول « المرأة المغربية الصحراوية» و» الكتابة النسائية بالمغرب»    بعد غياب طويل.. سعاد صابر تعلن اعتزالها احترامًا لكرامتها ومسيرتها الفنية    المنتدى الوطني للتراث الحساني ينظم الدورة الثالثة لمهرجان خيمة الثقافة الحسانية بالرباط    استطلاع: 39% من الأطفال في المغرب يواجهون صعوبة التمدرس بالقرى    تناول الوجبات الثقيلة بعد الساعة الخامسة مساء له تأثيرات سلبية على الصحة (دراسة)    بإذن من الملك محمد السادس.. المجلس العلمي الأعلى يعقد دورته العادية ال 34    المغربيات حاضرات بقوة في جوائز الكاف 2024    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الجمعة    الاستئناف يرفع عقوبة رئيس ورزازات    المركز السينمائي المغربي يقصي الناظور مجدداً .. الفشل يلاحق ممثلي الإقليم    مؤشر الحوافز.. المغرب يواصل جذب الإنتاجات السينمائية العالمية بفضل نظام استرداد 30% من النفقات    طنجة.. توقيف شخصين بحوزتهما 116 كيلوغرام من مخدر الشيرا    ميركل: ترامب يميل للقادة السلطويين    لأول مرة.. روسيا تطلق صاروخا باليستيا عابر للقارات على أوكرانيا    زكية الدريوش: قطاع الصيد البحري يحقق نموًا قياسيًا ويواجه تحديات مناخية تتطلب تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص    ارتفاع أسعار الذهب مع تصاعد الطلب على أصول الملاذ الآمن    وزارة الإقتصاد والمالية…زيادة في مداخيل الضريبة        رودري: ميسي هو الأفضل في التاريخ    ارتفاع أسعار النفط وسط قلق بشأن الإمدادات جراء التوترات الجيوسياسية    أنفوغرافيك | يتحسن ببطئ.. تموقع المغرب وفق مؤشرات الحوكمة الإفريقية 2024    بعد تأهلهم ل"الكان" على حساب الجزائر.. مدرب الشبان يشيد بالمستوى الجيد للاعبين    8.5 ملايين من المغاربة لا يستفيدون من التأمين الإجباري الأساسي عن المرض    مدرب ريال سوسيداد يقرر إراحة أكرد    انطلاق الدورة الثانية للمعرض الدولي "رحلات تصويرية" بالدار البيضاء    الشرطة الإسبانية تفكك عصابة خطيرة تجند القاصرين لتنفيذ عمليات اغتيال مأجورة    من شنغهاي إلى الدار البيضاء.. إنجاز طبي مغربي تاريخي    تشكل مادة "الأكريلاميد" يهدد الناس بالأمراض السرطانية    شي جين بينغ ولولا دا سيلفا يعلنان تعزيز العلاقات بين الصين والبرازيل    جائزة "صُنع في قطر" تشعل تنافس 5 أفلام بمهرجان "أجيال السينمائي"    تفاصيل قضية تلوث معلبات التونة بالزئبق..    دراسة: المواظبة على استهلاك الفستق تحافظ على البصر    اليونسكو: المغرب يتصدر العالم في حفظ القرآن الكريم    بوغطاط المغربي | تصريحات خطيرة لحميد المهداوي تضعه في صدام مباشر مع الشعب المغربي والملك والدين.. في إساءة وتطاول غير مسبوقين !!!    في تنظيم العلاقة بين الأغنياء والفقراء    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تخوض «الوكالة العسكرية» الحرب على جنود متقاعدين بوزان لطردهم من منازلهم
تجاهلت مذكرة أصدرها الملك تمنحهم الحق في الاحتفاظ بمنازلهم وتناست ماضيهم في الصحراء
نشر في المساء يوم 10 - 03 - 2014

أن تحارب من أجل بلدك لسنوات ثم لا تلاقي أي عرفان، أمر صعب جدا، والأصعب منه أن تجد أن مؤسستك العسكرية نفسها تريد أن تنتزع منك ممتلكاتك، بعدما انتزعت منك في السابق شبابك وصحتك، هذا هو حال حوالي 100 أسرة من أسر الجنود المغربة، الذين سبق أن عملوا بالصحراء، والمستقرين حاليا ب «حي الغدير» المعروف ب«حومة العسكر» بوزان، والذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما الإفراغ بهدوء وافتراش الشارع، أو الإفراغ بالقوة وهدم منازلهم فوق رؤوسهم. والغريب أن الدعوى التي ترفعها وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، المطالبة بإفراغ الجنود وأسرهم، تتجاهل، ليس فقط مراسلة صادرة عن الوزارة الأولى سنة 1998، تؤكد أحقيتهم في منازلهم، بل أيضا مذكرة أصدرها الملك محمد السادس، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة سنة 2001، تثبت أن لهم الأولوية في اقتناء تلك المساكن. «المساء»، حصلت على أهم وثيقتين تؤيدان حق أسر جنود الصحراء في البقاء بمساكنهم، كما انتقلت إلى وزان للوقوف على وضعهم الاجتماعي القاسي، فكان هذا التحقيق.
في شهر أكتوبر من سنة 1972، بدأ استقرار أفواج من الجنود المغاربة في الثكنة العسكرية الموجود بطريق شفشاون بوزان، عندما قررت الإدارة العامة للقوات المسلحة الملكية، منح مساكن من طابق واحد لأسر المجندين، الذين أنجبوا أكثر من 3 أطفال، وقد تكفلت بذلك لجنة عسكرية محلية، ووصل عدد المستفيدين إلى حوالي 50 أسرة، ارتفع خلال الثمانينيا إلى حوالي 100.
استغلال الجنود لتلك المنازل، لم يكن شفويا، فكل أسرة لديها قرار مؤرخ وموقع من طرف قسم المساكن العسكرية بالقنيطرة، التي كانت مكلفة وقتها بالجنود المستقرين بمدينة وزان، وحصلت «المساء» على نسخة من هذا القرار، موقعة من طرف الكولونيل محمد العباسي سنة 1976، هذه الوثائق تتجلى أهميتها في دحض ما اتهمت به الوكالة العسكرية الجنود وأسرهم من أنهم «تراموا على القطعة الأرضية».
مساكن الجنود كانت في واقع الأمر ملاذا لأسرهم، وضمانا لاستقرارها، كون أنهم سيعفون من التنقل المستمر من منطقة عسكرية إلى أخرى، رفقة أرباب الأسر، هؤلاء الذين وجه أغلبهم في مهمات عسكرية، بما فيها القتالية، وعلى رأسها ومن أخطرها المهام العسكرية في الصحراء، التي مر منها كل الجنود القاطنين بوزان تقريبا، ومنهم من لم يعد، فجل القاطنين بهذه المساكن حاليا، هم أرامل وأيتام عسكريون قضوا أثناء مهامهم أو بعد فترة وجيزة من نهاية مهامهم، أو في أحسن الأحوال يتعايشون مع أعراض صحية وعاهات مستديمة.
اطمئنوا.. لن يطردكم أحد!
هذه هي العبارات التي ظل المسؤولون المدنيون والعسكريون يرددونها على مسامع الجنود وأبنائهم، متى ما فتح باب التسجيل في لوائح الاستفادة من بقع ضمن التجزئات السكنية بوزان.
ففي الثمانينيات أطلقت بلدية وزان حملة التسجيل في لوائح الاستفادة من 599 بقعة في تجزئة «إكرام» القريبة من الثكنة العسكرية لوزان، وانتقل أعوان السلطة إلى «حومة العسكر» لدعوتهم لتسجيل أنفسهم، وهو ما تم بالفعل، لكن بعدما درست اللجنة المختصة كل الملفات، خلصت إلى أن الجنود يملكون منازلهم ولا حاجة لاستفادتهم، ويقول أحد الجنود: «يومها قال لنا الباشا الريسوني (ممثل الداخلية وقتها) إنكم لن تخرجوا، وأنا أعطيكم كلمة شرف بذلك».
بعد سنة 2002، بدأت تظهر بوادر مشروع آخر لإعادة الإسكان، لكنه هذه المرة مخصص للجنود، ويتعلق الأمر بمشروع «النهضة 2»، المكون من 600 بقعة، ما دفع قاطني «حومة العسكر» إلى الانتقال للرباط لدفع ملفاتهم من أجل الاستفادة، ليخبروا بأنهم ليسوا من ضمن المستفيدين، كونهم «يمتلكون مساكنهم». كل ذلك لم يترك للسكان ذرة شك في أن تملكهم للمنازل قانوني ونهائي.
محاولات الإفراغ
يقول سكان «حومة العسكر»، إن إحساسهم الفعلي بخطر محاولة إفراغهم بدأ سنة 1995، عندما أتى طوبوغرافيون تابعون للجيش ليقوموا بقياسات همت كل المساكن، وهي العملية التي تكررت في 2002 وفي 2010، وعند سؤال السكان عن الغرض من ذلك، كان يقال لهم إن الأمر يتعلق باستعدادات لتفويت المساكن لسكانها بشكل نهائي، لكن أشهرا بعد ذلك، كان يظهر أن الهدف هو العكس تماما.
ففي سنة 1998 واجه السكان، بمن فيهم الجنود الباقون على قيد الحياة، دعوى قضائية بالإفراغ، واتهموا رسميا بالترامي على الأرض التي تتعدى مساحتها الإجمالية 140 هكتارا، فيما كان مسؤولون بالبلدية يرددون على مسامع السكان أنهم «سرقوا أرض الملك».
وحكمت المحكمة الابتدائية بوزان بإفراغ أسر الجنود، لكن في السنة نفسها سيتوصل السكان بوثيقة مهمة توقف إجراءات التقاضي، وتؤكد أحقيتهم بصفة نهائية في مساكنهم، وهي الوثيقة الصادرة عن الوزير الأول آنذاك، عبد الرحمان اليوسفي.
وثيقة اليوسفي
عقب المضايقات المتواصلة التي بات سكان حومة العسكر يتعرضون لها، وبعدما أصبحوا يخشون إفراغهم من منازلهم في أي وقت، قام النائب البرلماني عن دائرة وزان، عبد السلام الوادي، والنائب عن دائرة القنيطرة، محمد الخراف، بتوجيه سؤال كتابي إلى الوزير الأول الأسبق، عبد الرحمان اليوسفي، بتاريخ 28 ماي 1998، حول مصير متقاعدي القوات المسلحة الملكية الصادرة في حقهم أحكام قضائية بإفراغهم من مساكنهم.
جواب الوزير الأول لم يتأخر كثيرا، ففي 15 يونيو من السنة نفسها، سيتوصل البرلمانيان بمراسلة تفيد بأن «الإدارة قررت توقيف إجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة بالإفراغ في حق متقاعدي القوات المسلحة الملكية، وذلك تقديرا للخدمات والتضحيات التي أسداها هؤلاء»، حسب نص الوثيقة.
جواب الوزير الأول، أراح سكان «حومة العسكر»، وأدى فعلا إلى توقف كل محاولات إفراغهم من مساكنهم لفترة، معتقدين أن الأمر قد حسم بشكل نهائي، خاصة وأنهم سيحصلون فيما بعد على وثيقة أكثر قيمة، وهي مذكرة موقعة من طرف الملك محمد السادس، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة الملكية.
الدعاوى الجديدة
في بداية شهر دجنبر من سنة 2013، ستجد 6 أسر نفسها مجبرة على المثول أمام القضاء بعد اتهامها من طرف وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، باحتلال المساكن التي تقطن بها منذ 4 عقود، وجاء في مقال الدعوى أن «هذا الاحتلال اللامشروع لم يمكن الوكالة من إنجاز أشغال مشروع سكني»، وهو نفسه المشروع الذي أنجزت مجموعة الضحى العقارية شطره الأول بمحاذاة مساكن الجنود المتقاعدين.
الدعوى التي رفعتها وكالة المساكن العسكرية، كانت ذات صبغة استعجالية، على اعتبار أن المشروع السكني المقرر إنجازه فوق الوعاء العقاري لمساكن الجنود المتقاعدين، مخصص «لفائدة أعضاء القوات المسلحة الملكية»، وهو ما زاد من صدمة وحرقة جنود أفنوا زهرة شبابهم وراء البنادق، خاصة وأنهم اتهموا بشكل مباشر ب»احتلال العقار وعرقلة المشروع».
ورغم أن الدعوى شملت فقط 6 أسر، إلا أن هؤلاء لقوا تضامنا من طرف جل أفراد باقي الأسر الأخرى القاطنة بحي العسكر، المسمى رسميا «حي الغدير»، كون هؤلاء متأكدين من أن إفراغ الأسر الست، ليس سوى خطوة أولى للتمكن من إفراغ جميع الأسر، وهو ما يعززه، حسب قولهم، تهديدات أفراد من وكالة المساكن ا
لعسكرية.
محاولة هدم
في ماي سنة 2011، كادت الأمور أن تتطور إلى ما هو أسوأ، عندما قام فردان من أسرة يوجد منزلها بين المنازل الستة محل الدعوى، والموجودة في مدخل الحي، (قاما) بالتفاوض بشكل منفرد مع مسؤولين من الوكالة العسكرية، ووافقوا على تسليم المنزل، لتباشر الوكالة محاولة هدمه.
وخرج السكان في احتجاجات قوية لمنع الهدم، كون أن المنزل المعني هو في ملكية عدة ورثة، منهم نساء وشقيقان غائبان عنه لا يعلمان بما جرى، وبالتالي ليس من حق اثنين فقط من الإخوة الوارثين السماح بهدمه، وأيضا لأن السكان اعتبروا أن هدم أول منزل يعني التدمير التلقائي للمنازل المحيطة به، ثم الانتقال إلى باقي المنازل، وقد أفلح السكان في منع أول محاولة هدم فعلية.
مذكرة الملك
يتوفر سكان حومة العسكر على مذكرة موقعة من الملك محمد السادس، بتاريخ 10 ماي 2010، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة الملكية، حول تفويت المساكن المملوكة للوكالة العسكرية، وتنص الوثيقة بوضوح، على أن المعنيين بهذه العملية هم الجنود الذي قضوا بها سنة فما فوق، وذلك في الفقرة «أ» من النقطة الثانية.
وفي الفقرة «ج» من النقطة ذاتها تنص المذكرة على أن للجنود المتقاعدين ولأرامل الجنود وليتامى أفراد القوات المسلحة، الحق في الاستفادة من هذه المساكن. هذه الوثيقة، يعتبرها سكان حومة العسكر بوزان، الكنز الحقيقي الذي يثبت أحقيتهم في المساكن التي يقطنونها، باعتبار أن كل الشروط المذكورة متوفرة فيهم، وأن هذه المذكرة هي بمثابة قانون كان على وكالة المساكن العسكرية احترامه، وهو ما لم يتم، إذ لم تعرض على الجنود السابقين وأسرهم اقتناء هذه المنازل.
داخل المنازل
منازل الجنود السابقين بوزان، ليست في الحقيقة سوى جدرانا بسيطة وسقوفا متهالكة تقيهم وتقي أسرهم حر الصيف وبرودة الشتاء، وأيضا تصون ما بقي لهم من كرامة، فهي كلها منازل مكونة من طابق واحد متوسط مساحتها 100 متر، محاطة بفضاء يسمى تجاوزا «حديقة»، حولها بعض السكان لفضاء للزراعة وتربية الدواجن والمواشي لمساندة المعاش الضعيف.
أغلب هذه المنازل تضم عائلات تزوج أبناؤها وقطنوا مع آبائهم، وبعضهم ولدوا فيها وينتظرون أن ينشئ الأحفاد جيلا ثالثا من سكانها، غير أن هذه المنازل تضم أيضا فئة اجتماعية تصنف على أنها من أكثر الفئات تهميشا، إذ إن عدد العاطلين والمعطلين من حملة الشواهد هناك، كبير جدا، حسب إحدى السيدات.
«إننا نعاني من أزمات اجتماعية لا حصر لها، أولها الحرمان من الوظيفة العمومية، فرغم أن كثيرين من حينا هذا من حاملي الإجازات، إلا أننا محرومون من التوظيف في البلدية أو العمالة التي رفضت حتى تطبيق «كوطة 7 في المائة» القانونية المخصصة لأبناء الجنود في مباريات التوظيف، فقط لأننا أبناء جنود سابقين، بالإضافة إلى أن هناك أسر كثيرة تعيش على المعونات أو على راتب شخص واحد، لذا فإن طردنا من مساكننا سيعني كارثة اجتماعية»، تحكي السيدة عائشة، الحاملة لإجازة في الحقوق.
ذاكرة المكان
أحمد حشحوش، رجل في الثانية والسبعين من الجنود السابقين، موجود بمنزله في حومة العسكر منذ 42 عاما، لم تفلح قساوة المعسكرات ولهيب الصحراء في إضعاف ذاكرته، ليصير أشبه بمؤرخ لهذا المكان، إذ يتذكر جيدا حالته عند مجيئه إليه في السبعينيات، وكرونولوجيا محاولات الإفراغ «عندما أتينا لهذا المكان، كان فضاء مهجورا، وكنا بعيدين جدا عن وسط المدينة، ومع توالي السنوات واقتراب البناء من مساكننا، تجندنا لحمايته من دور الصفيح، لقد حاول الكثيرون الاستيطان به عشوائيا لكننا تولينا بمجهود خاص تسييجه وحمايته، فقط لأنه تابع للقوات المسلحة، ولم نفعل ذلك لمصلحتنا الشخصية، بل غيرة على الجيش الذي قضينا فيه نصف أعمارنا، فهل يعقل أن نكافأ بهذه الطريقة؟»، يتساءل الرجل مستنكرا وعلامات الأسى بادية على محياه.
السيد حشحوش، هو أيضا أحد الجنود السابقين القلائل، الذين لا زالوا على قيد الحياة، والذي وثقت ذاكرته الفترات التي حاولوا فيها إدراج أسمائهم ضمن لوائح المستفيدين من التجزئات المخصصة للعاملين بالقوات المسلحة في وزان، حيث كانت ملفاتهم ترفض بحجة أنهم يتوفرون على مسكن «نهائي»، يقول المتحدث: «لقد سبق أن انتقلت أنا ومجموعة من ممثلي العائلات إلى الرباط، بعد سنة 2002 إن لم تخن الذاكرة، لوضع ملف الاستفادة من بقعة بتجزئة النهضة 2، ورفضت ملفاتنا مباشرة، لأننا كما قيل لنا نتوفر على منازل ولن نخرج منها».
نفَسُ العسكرية
شيخ في السادسة والسبعين، بكتف أيمن مصاب وثلاثة أصابع مقطوعة من اليد اليسرى، ونظر ضعيف لا يكاد يعينه على التعرف على من أمامه، يدخل متكئا على عصاه محاولا إيجاد مقعد بين الحاضرين، وبصوت لا يخلو من نبرة حزن مختلطة بكلمات متقطعة، تؤكد أن صحة الرجل التي أفناها على الحدود ذهبت إلى غير رجعة.
فجأة يقاطع الشيخ سرد إحدى الحاضرات، منتقلا من كلام الوثائق إلى كلام الإنسان «هل تعرف حروب الصحراء يا بني، لقد كنت من المشاركين فيها، لقد قضيت أجمل سنوات الشباب وسط لهيب الصحراء، لقد كنت أحمي تراب هذا الوطن، اليوم أنعت باللص»، ويضرب بكفه مبتور الأصابع على صدره، ضربات قاسية تجسد حرقة كامنة في نفس الرجل، فيما لم يتمالك أشخاص آخرون أنفسهم فذرفوا دموعا تغالب الكبرياء.
إنه محمد الغداي، الجندي المتقاعد البالغ من العمر 76 عاما، والذي كان أحد الستة الذين اتهمتهم وكالة التجهيزات العسكرية ب»احتلال» عقارها وطالبت بإفراغهم. ويسترسل الرجل بحرقة «أما كان الأولى أن يطرقوا أبوابنا ليسألونا عن أحوالنا، أما كان الأولى أن يرفعوا من رواتب هؤلاء الجنود المتقاعدين البؤساء، الذين يتقاضون 600 أو ألف درهم شهريا، بدل ذلك ها نحن نوصف بالمحتلين في أرذل العمر».
لكن رجلا قضى عمره وسط الظروف القاسية لا يستسلم بسهولة «هذه منازلنا، حقنا، فيها عشنا الحياة القاسية، وفيها سنموت، لن أخرج من هنا إلا بطريقة واحدة، أن أُحمل فوق نعش»، يقول الرجل بنبرة تحدي وهو يحاول أن يتحكم في جسده المنهك.
احتجاجات.. شكايات..وشبه مفاوضات
بمجرد اقترابك من مدخل حي الغدير، أو حومة العسكر، كما لا زال القاطنون بها يسمونها، تجد لافتة بيضاء على جدار أحد المنازل، كتب عليها بلون أحمل بارز «أرامل وأيتام ومتقاعدو القوات المسلحة الملكية يستنجدون بالملك لرفع الظلم عنهم»... إنه إعلان عن استمرار السكان في الاحتجاج من أجل حماية منازلهم من الهدم، يقول أحد السكان.
ومنذ دجنبر الماضي، يواصل السكان احتجاجاتهم في شوارع وزان الرئيسية وأمام مقر العمالة، لعل جهة ما تتدخل وتحميهم من التشرد، حسب قولهم، وذلك بعدما تأكد ممثلو الأسر القاطنة في هذا الحي، بعد «شبه مفاوضات»، مع وكالة التجهيزات والمساكن العسكرية، من بينهم عسكري برتبة كولونيل، وكان الخيار الموضوع على الطاولة واحدا لا غير وهو الخروج وتسليم المنازل... «إنهم يعتبرون أننا جهلة متخلفون، يتعاملون معنا بازدراء وعنجهية، في الحقيقة إننا لا نذهب للتفاوض، بل لسماع التهديدات والأوامر»، تقول السيدة عائشة التي اعتادت حضور مثل هذه «المفاوضات».
عائلات الجنود المتقاعدين لم تقف مكتوفة الأيدي، بل حاولت طرق أبواب جميع الإدارات، من رئاسة الحكومة، مرورا بالبرلمان ووصولا إلى عمالة وزان، بالإضافة إلى مراسلات موجهة إلى منظمات حقوقية، ويتعلق الأمر بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمركز المغربي لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، وهي كلها مراسلات لم تكن لها نتيجة.
ويتوفر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، على مراسلة من الأسر الست التي تواجه دعوى الوكالة العسكرية، وجهت له بتاريخ 10 دجنبر 2013، تستنكر الدعوى القضائية، كما تنبه إلى تعرض السكان لضغوط من طرف المجلس البلدي والسلطات المحلية.
وحسب المراسلة، فإن من بقوا من على قيد الحياة من الجنود المتقاعدين، جلهم طريحو الفراش، وكلهم يتقاضون معاشات «مخجلة»، والأرامل بدورهن يعانين من الأوضاع المعيشية القاسية، ويتامى الجنود يعانون العطالة، بمن فيهم حاملو الشواهد، «فهل يعقل أن تصبح هذه الفئة في خبر كان؟» يتساءل موقعو المراسلة التي لم تجد لها
جوابا.
هذا موقف وكالة المنازل العسكرية ولكن..
سعيا من «المساء» للاستماع إلى وجهة النظر الأخرى، راسلت وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، حول الدعوى التي ترفعها حاليا ضد 6 من سكان حي الغدير، فكان الجواب الذي تضمن نقطة مثيرة للاستغراب.
وحسب المراسلة الموقعة من طرف المدير العام للمساكن والتجهيزات العسكرية، فإن دعواها القضائية تأتي في سياق إخلاء الوعاء العقاري ممن وصفتهم ب»المشغلين لمساكن غير قانونية»، معتبرة أنهم يعطلون إنجاز حي سكني من 380 مسكنا لفائدة أفراد القوات المسلحة.
وأوردت الوكالة في مراسلتها، أنها سبق أن استدعت 8 مشغلين لإشعارهم بالإفراغ، مقترحة إعادة إسكانهم بالموقع ذاته مقابل تخفيضات تصل ل50 في المائة، أي أداء 125 ألف درهم بدل 250 ألفا، أو الاستفادة من بقعة مساحتها 80 مترا مربعا مقابل 50 ألف درهم.
غير أن المثير في المراسلة، هو ادعاء الوكالة أن مستغلي تلك المنازل «لا يتوفرون على قرارات التعيين السكني المسلمة من طرف الحامية العسكرية»، والحال أن «المساء» اطلعت على عشرات النسخ من هذه القرارات، وتنشر إحداها ضمن هذا التحقيق!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.