هيئة المعلومات المالية تحقق في شبهات تبييض أموال بعقارات شمال المغرب    المغرب يخطط لإطلاق منتجات غذائية مبتكرة تحتوي على مستخلصات القنب الهندي: الشوكولاتة والدقيق والقهوة قريبًا في الأسواق    تشييع جثمان الفنان محمد الخلفي بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء    فريق الجيش يفوز على حسنية أكادير    شرطة بني مكادة توقف مروج مخدرات بحوزته 308 أقراص مهلوسة وكوكايين    حفيظ عبد الصادق: لاعبو الرجاء غاضبين بسبب سوء النتائج – فيديو-    دياز يساهم في تخطي الريال لإشبيلية    المغرب يحقق قفزة نوعية في تصنيف جودة الطرق.. ويرتقي للمرتبة 16 عالميًا    مقتل تسعة أشخاص في حادث تحطّم طائرة جنوب البرازيل    المغرب يوجه رسالة حاسمة لأطرف ليبية موالية للعالم الآخر.. موقفنا صارم ضد المشاريع الإقليمية المشبوهة    فرنسا تسحب التمور الجزائرية من أسواقها بسبب احتوائها على مواد كيميائية مسرطنة    وزارة الثقافة والتواصل والشباب تكشف عن حصيلة المعرض الدولي لكتاب الطفل    فاس.. تتويج الفيلم القصير "الأيام الرمادية" بالجائزة الكبرى لمهرجان أيام فاس للتواصل السينمائي    التقدم والاشتراكية يطالب الحكومة بالكشف عن مَبالغُ الدعم المباشر لتفادي انتظاراتٍ تنتهي بخيْباتِ الأمل    مسلمون ومسيحيون ويهود يلتئمون بالدر البيضاء للاحتفاء بقيم السلام والتعايش المشترك    الرجاء يطوي صفحة سابينتو والعامري يقفز من سفينة المغرب التطواني    العداء سفيان ‬البقالي ينافس في إسبانيا    جلالة الملك يستقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني    بلينكن يشيد أمام مجلس الأمن بالشراكة مع المغرب في مجال الذكاء الاصطناعي    وقفة أمام البرلمان تحذر من تغلغل الصهاينة في المنظومة الصحية وتطالب بإسقاط التطبيع    الولايات المتحدة تعزز شراكتها العسكرية مع المغرب في صفقة بقيمة 170 مليون دولار!    الجزائر تسعى إلى عرقلة المصالحة الليبية بعد نجاح مشاورات بوزنيقة    انخفاض طفيف في أسعار الغازوال واستقرار البنزين بالمغرب    رسالة تهنئة من الملك محمد السادس إلى رئيس المجلس الرئاسي الليبي بمناسبة يوم الاستقلال: تأكيد على عمق العلاقات الأخوية بين المغرب وليبيا    مباراة نهضة الزمامرة والوداد بدون حضور جماهيري    رحيل الفنان محمد الخلفي بعد حياة فنية حافلة بالعطاء والغبن    لقاء مع القاص محمد اكويندي بكلية الآداب بن مسيك    لقاء بطنجة يستضيف الكاتب والناقد المسرحي رضوان احدادو    بسبب فيروسات خطيرة.. السلطات الروسية تمنع دخول شحنة طماطم مغربية    غزة تباد: استشهاد 45259 فلسطينيا في حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر 2023    مقاييس الأمطار المسجلة بالمغرب خلال ال24 ساعة الماضية    ندوة علمية بالرباط تناقش حلولا مبتكرة للتكيف مع التغيرات المناخية بمشاركة خبراء دوليين    الرباط.. مؤتمر الأممية الاشتراكية يناقش موضوع التغيرات المناخية وخطورتها على البشرية    البنك الدولي يولي اهتماما بالغا للقطاع الفلاحي بالمغرب    ألمانيا: دوافع منفذ عملية الدهس بمدينة ماجدبورغ لازالت ضبابية.    بنعبد الله: نرفض أي مساومة أو تهاون في الدفاع عن وحدة المغرب الترابية    تفاصيل المؤتمر الوطني السادس للعصبة المغربية للتربية الأساسية ومحاربة الأمية    أكادير: لقاء تحسيسي حول ترشيد استهلاك المياه لفائدة التلاميذ    استمرار الاجواء الباردة بمنطقة الريف    خبير أمريكي يحذر من خطورة سماع دقات القلب أثناء وضع الأذن على الوسادة    حملة توقف 40 شخصا بجهة الشرق    "اليونيسكو" تستفسر عن تأخر مشروع "جاهزية التسونامي" في الجديدة    ندوة تسائل تطورات واتجاهات الرواية والنقد الأدبي المعاصر    استيراد اللحوم الحمراء سبب زيارة وفد الاتحاد العام للمقاولات والمهن لإسبانيا    ارتفاع حصيلة ضحايا الحرب في قطاع غزة إلى 45259 قتيلا    القافلة الوطنية رياضة بدون منشطات تحط الرحال بسيدي قاسم    سمية زيوزيو جميلة عارضات الأزياء تشارك ببلجيكا في تنظيم أكبر الحفلات وفي حفل كعارضة أزياء    لأول مرة بالناظور والجهة.. مركز الدكتور وعليت يحدث ثورة علاجية في أورام الغدة الدرقية وأمراض الغدد    وفاة الممثل محمد الخلفي عن 87 عاما    دواء مضاد للوزن الزائد يعالج انقطاع التنفس أثناء النوم    المديرية العامة للضرائب تنشر مذكرة تلخيصية بشأن التدابير الجبائية لقانون المالية 2025    أخطاء كنجهلوها..سلامة الأطفال والرضع أثناء نومهم في مقاعد السيارات (فيديو)    "بوحمرون" يخطف طفلة جديدة بشفشاون    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هكذا تخوض «الوكالة العسكرية» الحرب على جنود متقاعدين بوزان لطردهم من منازلهم
تجاهلت مذكرة أصدرها الملك تمنحهم الحق في الاحتفاظ بمنازلهم وتناست ماضيهم في الصحراء
نشر في المساء يوم 10 - 03 - 2014

أن تحارب من أجل بلدك لسنوات ثم لا تلاقي أي عرفان، أمر صعب جدا، والأصعب منه أن تجد أن مؤسستك العسكرية نفسها تريد أن تنتزع منك ممتلكاتك، بعدما انتزعت منك في السابق شبابك وصحتك، هذا هو حال حوالي 100 أسرة من أسر الجنود المغربة، الذين سبق أن عملوا بالصحراء، والمستقرين حاليا ب «حي الغدير» المعروف ب«حومة العسكر» بوزان، والذين وجدوا أنفسهم أمام خيارين، إما الإفراغ بهدوء وافتراش الشارع، أو الإفراغ بالقوة وهدم منازلهم فوق رؤوسهم. والغريب أن الدعوى التي ترفعها وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، المطالبة بإفراغ الجنود وأسرهم، تتجاهل، ليس فقط مراسلة صادرة عن الوزارة الأولى سنة 1998، تؤكد أحقيتهم في منازلهم، بل أيضا مذكرة أصدرها الملك محمد السادس، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة سنة 2001، تثبت أن لهم الأولوية في اقتناء تلك المساكن. «المساء»، حصلت على أهم وثيقتين تؤيدان حق أسر جنود الصحراء في البقاء بمساكنهم، كما انتقلت إلى وزان للوقوف على وضعهم الاجتماعي القاسي، فكان هذا التحقيق.
في شهر أكتوبر من سنة 1972، بدأ استقرار أفواج من الجنود المغاربة في الثكنة العسكرية الموجود بطريق شفشاون بوزان، عندما قررت الإدارة العامة للقوات المسلحة الملكية، منح مساكن من طابق واحد لأسر المجندين، الذين أنجبوا أكثر من 3 أطفال، وقد تكفلت بذلك لجنة عسكرية محلية، ووصل عدد المستفيدين إلى حوالي 50 أسرة، ارتفع خلال الثمانينيا إلى حوالي 100.
استغلال الجنود لتلك المنازل، لم يكن شفويا، فكل أسرة لديها قرار مؤرخ وموقع من طرف قسم المساكن العسكرية بالقنيطرة، التي كانت مكلفة وقتها بالجنود المستقرين بمدينة وزان، وحصلت «المساء» على نسخة من هذا القرار، موقعة من طرف الكولونيل محمد العباسي سنة 1976، هذه الوثائق تتجلى أهميتها في دحض ما اتهمت به الوكالة العسكرية الجنود وأسرهم من أنهم «تراموا على القطعة الأرضية».
مساكن الجنود كانت في واقع الأمر ملاذا لأسرهم، وضمانا لاستقرارها، كون أنهم سيعفون من التنقل المستمر من منطقة عسكرية إلى أخرى، رفقة أرباب الأسر، هؤلاء الذين وجه أغلبهم في مهمات عسكرية، بما فيها القتالية، وعلى رأسها ومن أخطرها المهام العسكرية في الصحراء، التي مر منها كل الجنود القاطنين بوزان تقريبا، ومنهم من لم يعد، فجل القاطنين بهذه المساكن حاليا، هم أرامل وأيتام عسكريون قضوا أثناء مهامهم أو بعد فترة وجيزة من نهاية مهامهم، أو في أحسن الأحوال يتعايشون مع أعراض صحية وعاهات مستديمة.
اطمئنوا.. لن يطردكم أحد!
هذه هي العبارات التي ظل المسؤولون المدنيون والعسكريون يرددونها على مسامع الجنود وأبنائهم، متى ما فتح باب التسجيل في لوائح الاستفادة من بقع ضمن التجزئات السكنية بوزان.
ففي الثمانينيات أطلقت بلدية وزان حملة التسجيل في لوائح الاستفادة من 599 بقعة في تجزئة «إكرام» القريبة من الثكنة العسكرية لوزان، وانتقل أعوان السلطة إلى «حومة العسكر» لدعوتهم لتسجيل أنفسهم، وهو ما تم بالفعل، لكن بعدما درست اللجنة المختصة كل الملفات، خلصت إلى أن الجنود يملكون منازلهم ولا حاجة لاستفادتهم، ويقول أحد الجنود: «يومها قال لنا الباشا الريسوني (ممثل الداخلية وقتها) إنكم لن تخرجوا، وأنا أعطيكم كلمة شرف بذلك».
بعد سنة 2002، بدأت تظهر بوادر مشروع آخر لإعادة الإسكان، لكنه هذه المرة مخصص للجنود، ويتعلق الأمر بمشروع «النهضة 2»، المكون من 600 بقعة، ما دفع قاطني «حومة العسكر» إلى الانتقال للرباط لدفع ملفاتهم من أجل الاستفادة، ليخبروا بأنهم ليسوا من ضمن المستفيدين، كونهم «يمتلكون مساكنهم». كل ذلك لم يترك للسكان ذرة شك في أن تملكهم للمنازل قانوني ونهائي.
محاولات الإفراغ
يقول سكان «حومة العسكر»، إن إحساسهم الفعلي بخطر محاولة إفراغهم بدأ سنة 1995، عندما أتى طوبوغرافيون تابعون للجيش ليقوموا بقياسات همت كل المساكن، وهي العملية التي تكررت في 2002 وفي 2010، وعند سؤال السكان عن الغرض من ذلك، كان يقال لهم إن الأمر يتعلق باستعدادات لتفويت المساكن لسكانها بشكل نهائي، لكن أشهرا بعد ذلك، كان يظهر أن الهدف هو العكس تماما.
ففي سنة 1998 واجه السكان، بمن فيهم الجنود الباقون على قيد الحياة، دعوى قضائية بالإفراغ، واتهموا رسميا بالترامي على الأرض التي تتعدى مساحتها الإجمالية 140 هكتارا، فيما كان مسؤولون بالبلدية يرددون على مسامع السكان أنهم «سرقوا أرض الملك».
وحكمت المحكمة الابتدائية بوزان بإفراغ أسر الجنود، لكن في السنة نفسها سيتوصل السكان بوثيقة مهمة توقف إجراءات التقاضي، وتؤكد أحقيتهم بصفة نهائية في مساكنهم، وهي الوثيقة الصادرة عن الوزير الأول آنذاك، عبد الرحمان اليوسفي.
وثيقة اليوسفي
عقب المضايقات المتواصلة التي بات سكان حومة العسكر يتعرضون لها، وبعدما أصبحوا يخشون إفراغهم من منازلهم في أي وقت، قام النائب البرلماني عن دائرة وزان، عبد السلام الوادي، والنائب عن دائرة القنيطرة، محمد الخراف، بتوجيه سؤال كتابي إلى الوزير الأول الأسبق، عبد الرحمان اليوسفي، بتاريخ 28 ماي 1998، حول مصير متقاعدي القوات المسلحة الملكية الصادرة في حقهم أحكام قضائية بإفراغهم من مساكنهم.
جواب الوزير الأول لم يتأخر كثيرا، ففي 15 يونيو من السنة نفسها، سيتوصل البرلمانيان بمراسلة تفيد بأن «الإدارة قررت توقيف إجراءات تنفيذ الأحكام الصادرة بالإفراغ في حق متقاعدي القوات المسلحة الملكية، وذلك تقديرا للخدمات والتضحيات التي أسداها هؤلاء»، حسب نص الوثيقة.
جواب الوزير الأول، أراح سكان «حومة العسكر»، وأدى فعلا إلى توقف كل محاولات إفراغهم من مساكنهم لفترة، معتقدين أن الأمر قد حسم بشكل نهائي، خاصة وأنهم سيحصلون فيما بعد على وثيقة أكثر قيمة، وهي مذكرة موقعة من طرف الملك محمد السادس، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة الملكية.
الدعاوى الجديدة
في بداية شهر دجنبر من سنة 2013، ستجد 6 أسر نفسها مجبرة على المثول أمام القضاء بعد اتهامها من طرف وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، باحتلال المساكن التي تقطن بها منذ 4 عقود، وجاء في مقال الدعوى أن «هذا الاحتلال اللامشروع لم يمكن الوكالة من إنجاز أشغال مشروع سكني»، وهو نفسه المشروع الذي أنجزت مجموعة الضحى العقارية شطره الأول بمحاذاة مساكن الجنود المتقاعدين.
الدعوى التي رفعتها وكالة المساكن العسكرية، كانت ذات صبغة استعجالية، على اعتبار أن المشروع السكني المقرر إنجازه فوق الوعاء العقاري لمساكن الجنود المتقاعدين، مخصص «لفائدة أعضاء القوات المسلحة الملكية»، وهو ما زاد من صدمة وحرقة جنود أفنوا زهرة شبابهم وراء البنادق، خاصة وأنهم اتهموا بشكل مباشر ب»احتلال العقار وعرقلة المشروع».
ورغم أن الدعوى شملت فقط 6 أسر، إلا أن هؤلاء لقوا تضامنا من طرف جل أفراد باقي الأسر الأخرى القاطنة بحي العسكر، المسمى رسميا «حي الغدير»، كون هؤلاء متأكدين من أن إفراغ الأسر الست، ليس سوى خطوة أولى للتمكن من إفراغ جميع الأسر، وهو ما يعززه، حسب قولهم، تهديدات أفراد من وكالة المساكن ا
لعسكرية.
محاولة هدم
في ماي سنة 2011، كادت الأمور أن تتطور إلى ما هو أسوأ، عندما قام فردان من أسرة يوجد منزلها بين المنازل الستة محل الدعوى، والموجودة في مدخل الحي، (قاما) بالتفاوض بشكل منفرد مع مسؤولين من الوكالة العسكرية، ووافقوا على تسليم المنزل، لتباشر الوكالة محاولة هدمه.
وخرج السكان في احتجاجات قوية لمنع الهدم، كون أن المنزل المعني هو في ملكية عدة ورثة، منهم نساء وشقيقان غائبان عنه لا يعلمان بما جرى، وبالتالي ليس من حق اثنين فقط من الإخوة الوارثين السماح بهدمه، وأيضا لأن السكان اعتبروا أن هدم أول منزل يعني التدمير التلقائي للمنازل المحيطة به، ثم الانتقال إلى باقي المنازل، وقد أفلح السكان في منع أول محاولة هدم فعلية.
مذكرة الملك
يتوفر سكان حومة العسكر على مذكرة موقعة من الملك محمد السادس، بتاريخ 10 ماي 2010، بصفته قائدا عاما للقوات المسلحة الملكية، حول تفويت المساكن المملوكة للوكالة العسكرية، وتنص الوثيقة بوضوح، على أن المعنيين بهذه العملية هم الجنود الذي قضوا بها سنة فما فوق، وذلك في الفقرة «أ» من النقطة الثانية.
وفي الفقرة «ج» من النقطة ذاتها تنص المذكرة على أن للجنود المتقاعدين ولأرامل الجنود وليتامى أفراد القوات المسلحة، الحق في الاستفادة من هذه المساكن. هذه الوثيقة، يعتبرها سكان حومة العسكر بوزان، الكنز الحقيقي الذي يثبت أحقيتهم في المساكن التي يقطنونها، باعتبار أن كل الشروط المذكورة متوفرة فيهم، وأن هذه المذكرة هي بمثابة قانون كان على وكالة المساكن العسكرية احترامه، وهو ما لم يتم، إذ لم تعرض على الجنود السابقين وأسرهم اقتناء هذه المنازل.
داخل المنازل
منازل الجنود السابقين بوزان، ليست في الحقيقة سوى جدرانا بسيطة وسقوفا متهالكة تقيهم وتقي أسرهم حر الصيف وبرودة الشتاء، وأيضا تصون ما بقي لهم من كرامة، فهي كلها منازل مكونة من طابق واحد متوسط مساحتها 100 متر، محاطة بفضاء يسمى تجاوزا «حديقة»، حولها بعض السكان لفضاء للزراعة وتربية الدواجن والمواشي لمساندة المعاش الضعيف.
أغلب هذه المنازل تضم عائلات تزوج أبناؤها وقطنوا مع آبائهم، وبعضهم ولدوا فيها وينتظرون أن ينشئ الأحفاد جيلا ثالثا من سكانها، غير أن هذه المنازل تضم أيضا فئة اجتماعية تصنف على أنها من أكثر الفئات تهميشا، إذ إن عدد العاطلين والمعطلين من حملة الشواهد هناك، كبير جدا، حسب إحدى السيدات.
«إننا نعاني من أزمات اجتماعية لا حصر لها، أولها الحرمان من الوظيفة العمومية، فرغم أن كثيرين من حينا هذا من حاملي الإجازات، إلا أننا محرومون من التوظيف في البلدية أو العمالة التي رفضت حتى تطبيق «كوطة 7 في المائة» القانونية المخصصة لأبناء الجنود في مباريات التوظيف، فقط لأننا أبناء جنود سابقين، بالإضافة إلى أن هناك أسر كثيرة تعيش على المعونات أو على راتب شخص واحد، لذا فإن طردنا من مساكننا سيعني كارثة اجتماعية»، تحكي السيدة عائشة، الحاملة لإجازة في الحقوق.
ذاكرة المكان
أحمد حشحوش، رجل في الثانية والسبعين من الجنود السابقين، موجود بمنزله في حومة العسكر منذ 42 عاما، لم تفلح قساوة المعسكرات ولهيب الصحراء في إضعاف ذاكرته، ليصير أشبه بمؤرخ لهذا المكان، إذ يتذكر جيدا حالته عند مجيئه إليه في السبعينيات، وكرونولوجيا محاولات الإفراغ «عندما أتينا لهذا المكان، كان فضاء مهجورا، وكنا بعيدين جدا عن وسط المدينة، ومع توالي السنوات واقتراب البناء من مساكننا، تجندنا لحمايته من دور الصفيح، لقد حاول الكثيرون الاستيطان به عشوائيا لكننا تولينا بمجهود خاص تسييجه وحمايته، فقط لأنه تابع للقوات المسلحة، ولم نفعل ذلك لمصلحتنا الشخصية، بل غيرة على الجيش الذي قضينا فيه نصف أعمارنا، فهل يعقل أن نكافأ بهذه الطريقة؟»، يتساءل الرجل مستنكرا وعلامات الأسى بادية على محياه.
السيد حشحوش، هو أيضا أحد الجنود السابقين القلائل، الذين لا زالوا على قيد الحياة، والذي وثقت ذاكرته الفترات التي حاولوا فيها إدراج أسمائهم ضمن لوائح المستفيدين من التجزئات المخصصة للعاملين بالقوات المسلحة في وزان، حيث كانت ملفاتهم ترفض بحجة أنهم يتوفرون على مسكن «نهائي»، يقول المتحدث: «لقد سبق أن انتقلت أنا ومجموعة من ممثلي العائلات إلى الرباط، بعد سنة 2002 إن لم تخن الذاكرة، لوضع ملف الاستفادة من بقعة بتجزئة النهضة 2، ورفضت ملفاتنا مباشرة، لأننا كما قيل لنا نتوفر على منازل ولن نخرج منها».
نفَسُ العسكرية
شيخ في السادسة والسبعين، بكتف أيمن مصاب وثلاثة أصابع مقطوعة من اليد اليسرى، ونظر ضعيف لا يكاد يعينه على التعرف على من أمامه، يدخل متكئا على عصاه محاولا إيجاد مقعد بين الحاضرين، وبصوت لا يخلو من نبرة حزن مختلطة بكلمات متقطعة، تؤكد أن صحة الرجل التي أفناها على الحدود ذهبت إلى غير رجعة.
فجأة يقاطع الشيخ سرد إحدى الحاضرات، منتقلا من كلام الوثائق إلى كلام الإنسان «هل تعرف حروب الصحراء يا بني، لقد كنت من المشاركين فيها، لقد قضيت أجمل سنوات الشباب وسط لهيب الصحراء، لقد كنت أحمي تراب هذا الوطن، اليوم أنعت باللص»، ويضرب بكفه مبتور الأصابع على صدره، ضربات قاسية تجسد حرقة كامنة في نفس الرجل، فيما لم يتمالك أشخاص آخرون أنفسهم فذرفوا دموعا تغالب الكبرياء.
إنه محمد الغداي، الجندي المتقاعد البالغ من العمر 76 عاما، والذي كان أحد الستة الذين اتهمتهم وكالة التجهيزات العسكرية ب»احتلال» عقارها وطالبت بإفراغهم. ويسترسل الرجل بحرقة «أما كان الأولى أن يطرقوا أبوابنا ليسألونا عن أحوالنا، أما كان الأولى أن يرفعوا من رواتب هؤلاء الجنود المتقاعدين البؤساء، الذين يتقاضون 600 أو ألف درهم شهريا، بدل ذلك ها نحن نوصف بالمحتلين في أرذل العمر».
لكن رجلا قضى عمره وسط الظروف القاسية لا يستسلم بسهولة «هذه منازلنا، حقنا، فيها عشنا الحياة القاسية، وفيها سنموت، لن أخرج من هنا إلا بطريقة واحدة، أن أُحمل فوق نعش»، يقول الرجل بنبرة تحدي وهو يحاول أن يتحكم في جسده المنهك.
احتجاجات.. شكايات..وشبه مفاوضات
بمجرد اقترابك من مدخل حي الغدير، أو حومة العسكر، كما لا زال القاطنون بها يسمونها، تجد لافتة بيضاء على جدار أحد المنازل، كتب عليها بلون أحمل بارز «أرامل وأيتام ومتقاعدو القوات المسلحة الملكية يستنجدون بالملك لرفع الظلم عنهم»... إنه إعلان عن استمرار السكان في الاحتجاج من أجل حماية منازلهم من الهدم، يقول أحد السكان.
ومنذ دجنبر الماضي، يواصل السكان احتجاجاتهم في شوارع وزان الرئيسية وأمام مقر العمالة، لعل جهة ما تتدخل وتحميهم من التشرد، حسب قولهم، وذلك بعدما تأكد ممثلو الأسر القاطنة في هذا الحي، بعد «شبه مفاوضات»، مع وكالة التجهيزات والمساكن العسكرية، من بينهم عسكري برتبة كولونيل، وكان الخيار الموضوع على الطاولة واحدا لا غير وهو الخروج وتسليم المنازل... «إنهم يعتبرون أننا جهلة متخلفون، يتعاملون معنا بازدراء وعنجهية، في الحقيقة إننا لا نذهب للتفاوض، بل لسماع التهديدات والأوامر»، تقول السيدة عائشة التي اعتادت حضور مثل هذه «المفاوضات».
عائلات الجنود المتقاعدين لم تقف مكتوفة الأيدي، بل حاولت طرق أبواب جميع الإدارات، من رئاسة الحكومة، مرورا بالبرلمان ووصولا إلى عمالة وزان، بالإضافة إلى مراسلات موجهة إلى منظمات حقوقية، ويتعلق الأمر بالجمعية المغربية لحقوق الإنسان، والمركز المغربي لحقوق الإنسان، والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، وهي كلها مراسلات لم تكن لها نتيجة.
ويتوفر رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، على مراسلة من الأسر الست التي تواجه دعوى الوكالة العسكرية، وجهت له بتاريخ 10 دجنبر 2013، تستنكر الدعوى القضائية، كما تنبه إلى تعرض السكان لضغوط من طرف المجلس البلدي والسلطات المحلية.
وحسب المراسلة، فإن من بقوا من على قيد الحياة من الجنود المتقاعدين، جلهم طريحو الفراش، وكلهم يتقاضون معاشات «مخجلة»، والأرامل بدورهن يعانين من الأوضاع المعيشية القاسية، ويتامى الجنود يعانون العطالة، بمن فيهم حاملو الشواهد، «فهل يعقل أن تصبح هذه الفئة في خبر كان؟» يتساءل موقعو المراسلة التي لم تجد لها
جوابا.
هذا موقف وكالة المنازل العسكرية ولكن..
سعيا من «المساء» للاستماع إلى وجهة النظر الأخرى، راسلت وكالة المساكن والتجهيزات العسكرية، حول الدعوى التي ترفعها حاليا ضد 6 من سكان حي الغدير، فكان الجواب الذي تضمن نقطة مثيرة للاستغراب.
وحسب المراسلة الموقعة من طرف المدير العام للمساكن والتجهيزات العسكرية، فإن دعواها القضائية تأتي في سياق إخلاء الوعاء العقاري ممن وصفتهم ب»المشغلين لمساكن غير قانونية»، معتبرة أنهم يعطلون إنجاز حي سكني من 380 مسكنا لفائدة أفراد القوات المسلحة.
وأوردت الوكالة في مراسلتها، أنها سبق أن استدعت 8 مشغلين لإشعارهم بالإفراغ، مقترحة إعادة إسكانهم بالموقع ذاته مقابل تخفيضات تصل ل50 في المائة، أي أداء 125 ألف درهم بدل 250 ألفا، أو الاستفادة من بقعة مساحتها 80 مترا مربعا مقابل 50 ألف درهم.
غير أن المثير في المراسلة، هو ادعاء الوكالة أن مستغلي تلك المنازل «لا يتوفرون على قرارات التعيين السكني المسلمة من طرف الحامية العسكرية»، والحال أن «المساء» اطلعت على عشرات النسخ من هذه القرارات، وتنشر إحداها ضمن هذا التحقيق!.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.