لم تعد مدينة سبتةالمحتلة مرادفا لتهريب السلع، بعد أن تحولت إلى مركز لتهريب البشر والمال. في باب هذا الثغر، تقف عشرات من رجال الأمن المتدربين الذين جيء بهم من مراكز التكوين إلى نقطة حدودية مشتعلة، ترى على سحناتهم علامات الخوف والقلق من اختبار تجريبي في مادة الإملاء. تملى عليهم تعليمات بمحاربة الأفارقة المتجولين في الوقت الذي يقوم فيه زملاؤهم في المناطق الداخلية بمكافحة الباعة المتجولين. تلفظ بوابة سبتة كل صباح عشرات النازحين إليها من دول إفريقية، وكأنهم كائنات غير مرغوب فيها، فيتعبأ القياد والشيوخ والمقدمون، نظرا إلى طول خبرتهم في ترحيل السكان عبر الحافلات لحضور حفلات تدشين الصنابير وتجمعات الأحزاب التي تباركها السلطة، تتوجه الحافلات وفي أحشائها أفارقة من جنسيات مختلفة صوب مدينة القنيطرة تارة، وتارة أخرى نحو العاصمة الإدارية، في إطار مقاربة أمنية تروم إعادة المهاجرين غير المرغوب فيهم إلى دولهم. يتعامل رجال السلطة ونساؤها مع الأفارقة المغادرين لباب سبتة كتعامل شركات التوزيع مع المرجوعات من الصحف والمجلات، حيث يتم لفها في طرود دون حاجة إلى إطلالة على عناوينها الرئيسية التي سقطت بالتقادم. السلطات المغربية ونظيرتها الإسبانية والإعلام الرسمي يصرون على استخدام كلمة «تدفق» كلما تعلق الأمر بنزوح المهاجرين الأفارقة نحو مدينة سبتة أو نحو شقيقتها في الرضاعة من ثدي الاستعمار، مليلية، رغم أن الكلمة ارتبطت بالمياه في غزارتها وليس بالبشر، قبل أن يقتحم هذا المصطلح قطاعات أخرى فأصبحنا نسمع حديثا عن تدفق رجال الأعمال وتدفق السياح وتدفق السلاح... حين تجوب شوارع سبتة، خاصة ساحة الملوك، تكتشف المعنى الحقيقي لمفهوم التدفق، وتفهم سبب خشية الإسبان من احتلال أفارقة دول جنوب الصحراء للمدينة، فمركز الإيواء الخاص بالمهاجرين السريين امتلأ منسوبه من شدة التدفق اليومي لمن تقطعت بهم السبل وفضلوا الموت على أعتاب أوربا على الموت على أعتاب حكام عواصم تنام وتستيقظ على الانقلابات والانقلابات المضادة. ولأن الضارة قد تكون نافعة أيضا، فقد اختار مهاجر مالي يسمى ممادو كايتا الاهتمام بأبناء الضحايا الذين سقطوا أمام بوابة المدينة البرية والبحرية، ومن بينهم أبناء سباحين ماتوا غرقا في البحر وهم يحاولون التسلل إلى هذه المدينة غير الفاضلة سباحة على الظهر والقهر. جرب أفارقة دول جنوب الصحراء مجموعة من الرياضات التي قد تسهل مأموريتهم في التسلل إلى المدينة الحصينة، من الركض السريع إلى السباحة مرورا بالقفز العلوي والقفز بالزانة وجميع فنون الحرب؛ لكن ممادو اختار الكرة واهتم بأطفال لا ذنب لهم في أولمبياد القهر المفروض غصبا على النازحين.. قدم مقترحه إلى منظمة هيومن رايتس ووتش، وشرع في تدريب أبناء يقيم آباؤهم وأمهاتهم في مركز الإيواء بسبتة، ومنهم من خرج إلى الوجود بسبب نزوة عابرة في الغابة المجاورة للمدينة. اقتنت مسؤولة في المنظمة أمتعة رياضية، ومكنت سلطاتُ سبتة مامادو من فضاء لتدريب أطفال المهاجرين الأفارقة، مما سيوفر للفرق الإسبانية مستقبلا خزانا من المواهب من شأنها أن تغني الريال والبارصا والأتلتيكو وحتى فريق سبتة عن اللجوء إلى وكلاء اللاعبين المحترفين. في كل صباح، يركض الأطفال خلف الكرة بينما يركض آباؤهم خلف حلم العبور إلى أوربا، هنا في «كامبو روساليس» المترب، يتصبب ممادو عرقا وهو يلقن تلاميذه قيم الكرة ويرسخ في أذهانهم تلك المقولة التي لطالما ركب الكسالى فوق صهوتها «إلا مجابها القلم يجيبها القدم». يقطن المدرب مركز إيواء المهاجرين السريين، يملك سريرا وحقيبة رياضية وثلاث كرات وصورا شاهدة على زمن تألقه في دوري عصبة الأحياء بباماكو، لكن طموحه لا يقاوم ورغبته لا تقف في وجهها الأسلاك الشائكة وخنادق الحرس الإسباني، فهو يؤمن بأن العبور إلى الضفة الأخرى سيكون أسهل بالأقدام الموهوبة لا بالسواعد القوية. كان ممادو يتلقى، بين الفينة والأخرى، دعما «عينيا» من مغاربة تعاطفوا مع رهان الإدماج، لكن الدعم توقف منذ أن توقف العمل بالترخيص الاستثنائي أو ما يسمى ب»ليسي باساي»، فتعذر على مئات المغاربة ولوج هذا الثغر، لكن ممادو يستغرب ويتساءل عن السر في اتخاذ السلطات المغربية هذا القرار بدل أن تتخذه سلطات سبتة. يصر هذا المدرب، الذي اختار التدريب طوعا وكرها، على أن المهاجرين الذين يرابطون على مشارف سبتة ومليلية يستحقون ميداليات ذهبية، لأنهم قطعوا آلاف الكيلومترات مشيا على الأقدام ومارسوا كل الرياضات في طريقهم إلى المغرب، من المصارعة إلى القفز على الحواجز، ومنهم من انضم إلى فرق تمارس في دوري الإرهاب بحثا عن كسرة خبز مبللة بالبارود، تارة، وعن خبز حافٍ، تارة أخرى.