منذ أن أسس سنة 1959، عندما كان تلميذا في مراكش، مجلة «مرآة»، وهو «ينط»، مثل والده لاعب السيرك، ببراعة من جريدة للشيوعيين إلى أخرى لليبراليين، واضعا أقلامه وأفكاره رهن إشارة مهنة المتاعب. فوق كرسي الاعتراف، سيحكي قيدوم الصحافيين المغاربة عن تجربته في الحزب الشيوعي، وعن مرحلة دراسته في موسكو، ثم عودته إلى المغرب، وكيف جمع، في نفس الفترة تقريبا، وبانسجام، بين التعاون مع مجلة «أنفاس»، التي أغلقت واعتقل ناشرها بتهم ثقيلة، وبين العمل في وكالة شبه رسمية هي «وكالة المغرب العربي للأنباء». مع عبد الله الستوكي سنتعرف على تاريخ الصحافة المغربية، ما بعد الاستقلال، عبر الوقوف عدد من المنابر التي اشتغل فيها أو تفاعل معها. ومن خلال ذلك سنتعرف على كواليس السياسة والسياسيين في هذه المرحلة الاستثنائية من تاريخ المغرب. على كرس الاعتراف سيحكي الستوكي عن تجربته في تأسيس صحافة «الأحزاب الإدارية»: «الميثاق» و«المغرب»، ثم لاحقا «رسالة الأمة»، مضيئا مجموعة من التفاصيل التي ظلت معتمة، بحكم طبيعة تأسيس هذه الأحزاب والجرائد، التي كانت تنطق باسمها. كما سيتحدث الستوكي عن تجاربه الإعلامية الدولية، ويكشف عن وجه المثقف الذي ظل متواريا خلف صفة الصحافي حامل الخبر. - تبرر خلق نظام الحسن الثاني لحزب التجمع الوطني للأحرار برغبته في كسر «ثنائية الحوار بين القصر وأحزاب الحركة الوطنية»؛ في نظرك، ألم يكن حزب الحركة الشعبية يلعب هذا الدور حينها؟ شخصيا أنا من الناس الذين لا يعتقدون أن حزب الحركة الشعبية خلق من رحم الإدارة، وقد نبع، في تقديري، من إرادة العديد من الشخصيات، أذكر من بينها امبارك البكاي واليوسي، بالإضافة طبعا إلى عبد الكريم الخطيب والمحجوبي أحرضان.. فهؤلاء وجدوا أنفسهم على هامش حزب الاستقلال، لذلك كان من الطبيعي أن يكون هاجسهم الأساسي هو مواجهة هذا الحزب، الذي اعتبروا أنه يطمح إلى الهيمنة على الساحة السياسية، وأن مصير المغرب، إذا ما نجح حزب الاستقلال، سوف يكون مثل مصير تونس التي كان يحكمها نظام الحزب الوحيد المهيمن على كل مناحي الحياة. - لكن رغبة مؤسسي الحركة الشعبية التقت برغبة الدولة التي كانت علاقتها بحزب الاستقلال حينئذ (1959) قد بدأت تسوء وتتعقد.. أنا متفق معك إلى حد ما. لكن، يجب أن نذكِّر، كذلك، بأن المحرك الأساسي لكل ما كان من شأنه أن يضعف حزب الاستقلال حينها كان هو أحمد رضا اكدير، فهذا الأخير هو الذي بذل جهدا لاستقطاب الحركة الشعبية إلى جبهة «الفديك» (جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية التي أسسها اكديرة، مدير ديوان الحسن الثاني، في 1962)، لكن سرعان ما انفض هذا الجمع. وانفراطُ عقد «الفديك» لم يكن فقط إثر خلافات شخصية بين مكوناته، بل تبين من خلال هذه التجربة أن التنسيق والتضامن بين البرجوازية الصغيرة وممثلي البوادي والأمازيغ لم يكن أمامه مستقبل، لهذا تفككت جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية. - إذا علمنا بأن المقصود بممثل البادية والأمازيغ هو حزب الحركة الشعبية، فمن هي الجهة السياسية التي كانت تمثل البرجوازية الصغيرة داخل «الفديك».. هل هي حزب محمد بلحسن الوزاني؟ البرجوازية الصغيرة كانت ممثلة في الحزب الذي كان يترأسه أحمد رضا اكديرة (حزب الأحرار المستقلين)، إضافة إلى بلحسن الوزاني (كان يمثل حزب الدستور الديمقراطي) الذي سرعان ما انسحب من «الفديك» بعد أن توصل إلى أن تركيبة هذه الجبهة كانت مصطنعة وهجينة؛ علاوة على التناقض الكبير الذي كان قائما بين الشخصيات التي تمثل الأحزاب السياسية داخل «الفديك»، فلا علاقة كانت تجمع المحجوبي أحرضان وعبد الكريم الخطيب بأحمد رضا اكديرة ويوسف بلعباس. - ما الفرق بينهم؟ أحمد رضا اكديرة ويوسف بلعباس، مثلا، كانا يمثلان البرجوازية المدينية داخل المدن الكبرى، ولم يكونا يعرفان غير الولاء للملكية المشخصة تحديدا في الحسن الثاني، بينما كان الآخران، على سبيل المثال أيضا، يعتبران نفسيهما يتحدران من المقاومة، وهما بالفعل لعبا دورا مشهودا في جيش التحرير كما كانت لهما جذور في البوادي والجبال المغربية. - لنعد إلى تأسيس جريدتي «الميثاق» و»المغرب»، اللتين أشرفت على إدارتهما قبل تأسيس التجمع الوطني للأحرار ببضعة أشهر. ألم تكن على علم بأن إطلاقهما قبل انتخابات 1977 كان تمهيد لخلق حزب سياسي جديد؟ طبعا، كانت هناك إرهاصات تؤشر على خلق حزب جديد ومتجدد.. - ما الذي تقصده بمتجدد؟ بمعنى أن أحمد عصمان وبعض الأشخاص القلائل من حوله كانوا مقتنعين بضرورة تجديد الممارسة السياسية، أي أن آليات الاشتغال، آنذاك، داخل حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أصبحت تثير الكثير من الملاحظات، سواء في ما يتعلق بالديمقراطية الداخلية أو بفئات بقيت عازفة عن السياسة وعن الانخراط في الأحزاب. - كيف كان يتم تمويل جريدتي «الميثاق» و«المغرب»؟ كان التمويل يأتي مباشرة من أحمد عصمان، الوزير الأول آنذاك، وقد كنت أنا مكلفا بكل ما يتعلق بالتسيير المالي للجريدتين، نظرا إلى المصداقية التي اكتسبتها خلال فترة عملي في ديوان أحمد عصمان الذي كان يثق في كثيرا؛ كما أن من الأشخاص الذين كنت أتعامل معهم، سواء في المطبعة أو في المؤسسات البنكية، كانوا يقدمون إلي تسهيلات عدة، حيث كنت أؤدي كل المستحقات المترتبة عن المؤسسة الإعلامية في أوقات لاحقة، ولطالما تراكمت الديون على الجريدتين، وكان السي أحمد عصمان يتدخل لينقذ الموقف ويسدد المبالغ التي تظل عالقة في ذمتهما. - هل كان يفعل ذلك من ماله الخاص؟ نحن لم نكن نطرح هذا السؤال. كان الوزراء الأولون وقتها، وإلى يومنا هذا، يتمتعون بإمكانية صرف الأموال دون رقيب، وهي الأموال التي لا تدخل في إطار الصناديق السوداء؛ فالوزير الأول لا يحاسب على ما ينفقه من أموال، فلا رقيب عليه إلا ضميره إن كان حيا، ولا داعي إلى أن أفصّل أكثر لأن الفكرة واضحة (يضحك). - ما هو الخط التحريري الذي اختاره عصمان للجريدتين؟ لم أعقد أي اجتماعات أو جلسات مع أحمد عصمان لتحديد الخط التحريري للجريدتين، ثم إن الشخص الذي كان مكلفا بالإعلام هو السيد عبد السلام زنيند (كاتب الدولة لدى الوزير الأول، احمد عصمان، المكلف بالتخطيط والتنمية الجهوية)، وهو الذي يقترح الأفكار ويؤكد على ضرورة خلق أسلوب جديد في الممارسة السياسية والإعلامية. لقد كان زنيند هو الرجل الثاني في الوزارة الأولى إلى جانب أحمد عصمان، وكان بالنسبة إلى هذا الأخير بمثابة هامان بالنسبة إلى فرعون.