في هذا الحوار، يكشف الجيلالي حازم، مدير الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، عن اختلالات برنامج المساعدة الطبية «راميد»، والعقبات المالية التي تواجه تمويل هذا النظام. ونبه حازم إلى إشكالية توسيع التغطية الصحية في غياب توسيع العرض الصحي، وأكد أن المغرب في حاجة لأي بادرة تجعله يستدرك النقص في العرض الصحي بمساهمة جميع المتدخلين، بما في ذلك غير الأطباء. - أثيرت في الآونة الأخيرة أسئلة كثيرة حول اختلالات نظام «راميد». كيف هي وضعية هذا النظام اليوم؟ «راميد» هو نظام لمساعدة ذوي الدخل المحدود، الذين لا يمكن لهم الانخراط في التأمين الإجباري، وليست لهم إمكانيات للولوج إلى العلاج في المستشفيات والمراكز الصحية التابعة للدولة. المشرع أسند التدبير المالي لهذا النظام إلى الوكالة الوطنية للتأمين الصحي، لكن إلى حدود الآن فالوكالة لم تتمكن من تدبير مختلف الموارد المالية المتعلقة بالنظام. فالمرسوم التطبيقي للقانون لم يمنحها إمكانية التدخل كمدبر للتمويل، بل أعطى لوزارة الصحة كمنتج للخدمات الصحية العمومية أن توجه مباشرة التمويل إلى مستشفياتها. - من يمول النظام؟ هناك الدولة ب75% وبعض المساهمين من المستفيدين الذين ليسوا في وضعية فقر بما نسبته 19%، وهناك الجماعات المحلية التي تساهم ب6%. لكن المرسوم الذي صدر غير مطابق للقانون، إذ نص على أن تذهب حصة الدولة والجماعات المحلية مباشرة إلى وزارة الصحة، وأن تمر حصة المساهمين فقط عبر الوكالة. الوضعية الآن هي أن وزارة الصحة تتوصل بمساهمات الجماعات المحلية، ولحد الآن توصلت فقط ب70 مليون درهم من أصل 300 مليون درهم. فبعض الجماعات تمكنت من تحويل مساهماتها، فيما لم تتمكن الأغلبية من ذلك لأن المحاسبين الماليين لهذه الجماعات يقولون بأن المرسوم لا يمكن أن يعوض القانون. وبالتالي فالتمويل يجب أن يمر عبر الوكالة، وليس أن يذهب مباشرة إلى الوزارة. أيضا الوكالة تتوفر الآن على 6 مليارات درهم، تم تجميعها من المساهمين، لكن حين أردنا تحويلها لوزارة الصحة اصطدمنا بهذا الإشكال القانوني، لأن الأموال يجب أن توجه للمستشفيات مباشرة. وبالتالي فيجب تغيير المرسوم المتعلق بالتدبير المالي للنظام لملاءمته مع القانون، حتى تتمكن الوكالة من تدبير جميع الموارد المالية المتعلقة بالنظام، طبقا لقواعد الحكامة، وفي إطار تعاقدات مع المستشفيات الجامعية أو المستشفيات الأخرى، على أساس أن تمكن أموال المساعدة الطبية المساهمين من العلاج في ظروف حسنة، ولما لا أن نوقع عقودا مع القطاع العام. - إلى أي حد تعثر نظام «راميد» مقارنة مع التوقعات التي تم وضعها في البداية؟ بطبيعة الحال مشروع مثل «راميد» الذي يشمل الفئات الهشة والفقيرة، والذي يتم تدبيره بتدخل قطاعات كثيرة من قبيل الداخلية والمالية والصحة والتعاون الوطني والفلاحة والجماعات المحلية وغيرها، وفي غياب مؤسسة للضبط والتأطير، فلا بد أن تعترضه اختلالات وعوائق يجب التغلب عليها تدريجيا. ولهذا بدأنا بتجربة نموذجية بجهة تادلة أزيلال، مكنتنا من الوقوف على كثير من الاختلالات التي قمنا بتجاوزها. الاختلالات التي مازالت تواجه النظام ترتبط بتحديد الفئة المستهدفة طبقا للشروط والقواعد المحددة. فالاستفادة تنبني على التصريح بالشرف، فطالب الاستفادة هو الذي يصرح بوضعيته الاجتماعية الاقتصادية والاجتماعية، واللجنة المحلية تستند في قرارها النهائي على تصريحه، الذي يتم تحليله عن طريق برنامج معلوماتي. وبالتالي فمن يحدد إمكانية الاستفادة من المساعدة الطبية هو الشخص نفسه. لكن نحن على يقين بأن التصريحات الموجودة اليوم، ليس فيها غش كبير، مقارنة مع ما كان معمول به في إطار شهادة الاحتياج. - لكن عندما تكتشفون أن أكثر من 200 ألف مستفيد من «راميد» لا تتوفر فيهم الشروط، أليس هذا رقما كبيرا؟ سأتحدث عن هذه النقطة بعد قليل. لكن نقول بأنه ليس هناك غش كبير، لأن من يتخذ القرار هو لجنة محلية على مستوى مقاطعة أو باشوية، وهناك معرفة جيدة بجميع السكان، والذي يتوفر على الإمكانيات المادية لن يتجرأ على التقدم بالملف، لأنه معروف لدى السلطات. ورغم ذلك هناك بعض الأشخاص الذين غشوا، وقد وصل الرقم إلى 202 ألف شخص تلاعبوا في التصريح بالدخل، والتصريح بأنهم لا يتوفرون على التأمين الإجباري. وبالتالي كان يجب القيام بمراقبة قبل تسليم هؤلاء الأشخاص البطائق، لأنهم أضروا بالنظام، إذ كلف إعداد هذه البطائق أموالا للدولة، وكلف المستشفيات إمكانيات كثيرة، لكن القانون يفرض على الدولة استرجاع المصاريف، إذا كانوا قد استفادوا من العلاجات. - هل ستتخذون أي إجراءات في حقهم؟ نعم هناك ثلاث عقوبات تتمثل في سحب البطائق، إذ أن وزارة الداخلية قامت بالإجراءات اللازمة، واسترجاع المصاريف إذا استفادوا من العلاجات، ووزارة الصحة تقوم من جانبها بالإجراءات اللازمة، إضافة إلى إمكانية المتابعة القضائية في حقهم. وبالتالي فكل هذا وقع في ظل غياب المراقبة القبلية أو البعدية للتصاريح، ولحد الآن وقفنا على الاختلال المتعلق بالانخراط في التأمين الإجباري. أما إذا ذهبنا إلى التدقيق في التصاريح إن كانت صحيحة أم لا فحدث ولا حرج، ونحن سنقوم بذلك. وفي هذا السياق، يمكن أيضا اللجوء إلى إدارة الضرائب، إذ أن من يتوفر على ممتلكات في اسمه ويصرح بالفقر، ستتم متابعته من طرف الإدارة والصحة والداخلية. وبالتالي فمن بين القرارات التي تم اتخاذها على صعيد الوكالة تعزيز المراقبة القبلية والبعدية، في إطار المهام الجديدة التي يخولها القانون للوكالة، بالموازاة مع التدبير المالي. - ماذا عن سؤال الحكامة وتتبع مآل الأموال المهمة التي يتم صرفها؟ طبعا الأموال المقدمة للمستشفيات يجب تتبع كيفية صرفها. لكن أؤكد بداية أنه لم يتم لحد الآن صرف أموال كثيرة. المساعدة الطبية تم تقدير تمويلها في 3 ملايير درهم منها مليار درهم على مستوى وزارة الصحة، وملياري درهم من مساهمة الدولة والجماعات المحلية والمساهمين. لكن وزارة الصحة تشتغل بمليار درهم فقط، ولا تتوفر على الباقي. - هل هذا مرتبط بإشكالية التصور المالي لهذا النظام؟ هناك إشكال في طرق وأشكال تدبير تمويل المساعدة الطبية، وهو الإشكال الذي تم حله أخيرا في المجلس الإداري، إذ ستقوم الوكالة بدورها في تدبير هذه الأموال، في إطار تعاقدي مع المستشفيات، على أن تكون هناك متابعة والتزام المستشفيات بإدخال جميع الأدوات المتعلقة بالشفافية والجودة وتمكين المستفيدين من الولوج في ظروف حسنة إلى العلاج، لكن الوكالة ستقوم بذلك مؤقتا، لأننا نطالب بوضع هيأة مستقلة. - بمعنى أن يتراجع دور وزارة الداخلية وباقي المتدخلين؟ نعم، بمعنى أن تصبح الوكالة مكلفة بجميع الأمور، من تحديد الفئة المستفيدة إلى إصدار البطائق، إذ تقوم بتدبير الجوانب الإدارية والتقنية والمالية للنظام. بطبيعة الحال لا بد أن تتعاون مع المرافق العمومية الموجودة على المستوى الترابي، وأن تشتغل مع العمالات، وزارة الصحة يمكن لها أن تحافظ على اللجن القائمة حاليا، أو أن تطورها أو تضع نظاما آخر. وهناك نقاش الآن على أن «راميد» كآلية من آليات استهداف الطبقات المعوزة أصبح يعزز ويركز آلية للاستهداف، يمكن أن تطبق بالنسبة لصندوق المقاصة، وفي اعتقادي الشخصي، ما وقفنا عليه من اختلالات لا يشكل خطرا كبيرا. فقد كان سيكون إشكالا كبيرا لو تجاوزنا العدد الذي قدرناه في 2006، والذي قدر في 8.5 مليون شخص، لكن لحد الآن فهناك 6 ملايين و300 مستفيد. - ألا يطرح تعدد وتجزيء أنظمة التغطية الصحية مشكلا؟ نعم، يطرح إشكالا، لكن الآن ليس هناك تعدد في الصناديق. فالقانون خلق نظامين، فهناك نظام التأمين الإجباري عن المرض بالنسبة للنشطاء، وخلق نظام المساعدة الطبية. بالنسبة للأول هناك صندوقان هما الصندوق الوطني لمنظمات الاحتياط الاجتماعي بالنسبة للقطاع العمومي، والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بالنسبة للقطاع الخاص. ما تبقى هو بعض التعاضديات وبعض الصناديق الداخلية وبعض شركات التأمين الخصوصية التي أمنت هؤلاء قبل أن يدخل القانون حيز التنفيذ في 2005، وقد منحهم القانون فترة انتقالية مدتها خمس سنوات للالتحاق بأحد النظامين. وهناك بعض العقود التي تم تنظيمها على هامش القانون، بالنسبة للأئمة وأعوان السلطة وبعض الطلبة. وهؤلاء أيضا محكوم عليهم بالاندماج. وما يناقش حاليا هو التأمين الإجباري عن المرض بالنسبة للمستقلين وأصحاب المهن الحرة والطلبة. - هل من جديد في هذا المستوى؟ يجب الدمج التدريجي لجميع الفئات غير المنخرطة في أحد الصندوقين. فالمغرب يجب أن يكون فيه صندوق للتأمين الإجباري للقطاع الخاص وآخر للقطاع العام، لأن المبدأ الذي بنينا عليه الإصلاح برمته هو مبدأ التضامن والتدرج والإنصاف، ولا يمكن أن نكرر تجربة صناديق التقاعد، بخلق صناديق لمختلف الفئات بشكل يغيب التضامن بينها. فكلما شاخ السكان إلا وترتفع متطلبات العلاج، وعندما يغيب تضامن الأجيال يمكن الوقوع في الإفلاس بشكل سريع. - بكم تقدر نسبة المغاربة المؤمنين عن المرض؟ المغاربة المؤمنون في إطار التأمين الإجباري عن طريق الصندوقين، أو في إطار المساعدة الطبية، أو الصناديق الداخلية أو عقود مع شركات خاصة أو النظام الخاص للقوات المسلحة فعددهم هو 17 مليون ونصف، أي ما يمثل 53% من السكان، وفي 2005 لم تكن النسبة تتجاوز 25%. ما تبقى هو 12 مليون ونصف بالنسبة للطلبة والمستقلين وأصحاب المهن الحرة، والأبوان أي الأصول. - هل ترى بأن حديث وزير الصحة عن تمكين جميع المغاربة من التغطية الصحية ممكن؟ هذا ليس بتصريح وزير، بل اختيار بلد، وهذا قانون صوت عليه المغاربة لتغطية جميع الفئات. ونحن تأخرنا، إذ منذ 2002 لم يتم تفعيل القانون إلا في نونبر 2005، ولم نفعل «راميد» إلا في 2012، لكن الآن ليس لدينا الحق لنتأخر أكثر. الآن هناك بوادر اتخاذ القرار السياسي لإدماج الفئات الأخرى، وفي أفق 2016 جميع المغاربة يجب أن يكونوا مؤمنين. - ماذا عن إشكالية الاشتراكات غير العادلة، وعدم حصول عدد من المنخرطين على حقوقهم رغم أدائهم للواجبات؟ البداية تكون دائما صعبة، فقد بدأنا بالقطاع العمومي الذي كان يغطى في إطار التأمين الاختياري، وكان جل الموظفين تقريبا يتوفرون على التغطية الصحية، لكن بالنسبة للقطاع الخاص بدأنا من لا شيء، وبالتالي لم يكن بالإمكان أن نبدأ من نفس المستوى الخاص بالموظفين، مادام أن القانون كذلك جاء بمبدأ التدرج. في البداية يساهم كل شخص حسب قدرته، مع العلم أن المشغل يساهم بدوره. ففي القطاع العام هناك الدولة، والقطاع الخاص توجد المقاولة، التي يجب الأخذ بعين الاعتبار قدرتها على المساهمة حتى لا نضر بالاقتصاد الوطني. بعد ثماني سنوات، بدأنا نلمس بأن الصندوقين في صحة جيدة، إذ أن المداخيل تصل إلى 8.1 مليار درهم، والمصاريف 5.6 مليار درهم، وبالتالي ليس لدينا إشكال، إذ يتوفر الصندوقان على احتياطي مهم، ويمكن أن نذهب في اتجاه جعل متغيرات التأمين الإجباري متماثلة. فنسب التغطية ستكون هذه السنة محط نقاش لتكون في المستوى نفسه، إذ سنبدأ في تجديد اتفاقيات التعريفة مع منتجي الخدمات والصناديق، حتى لا تكون حيف في نسب الاشتراكات. فالمتقاعد في القطاع العام يؤدي 2.5% من معاشه، وفي القطاع الخاص يساهم ب4%، وبالتالي يجب أن ندرس حلا ليكون هناك إنصاف بين المشتركين. - لكن بعض التعاضديات تمارس وظائف لا تدخل في مهامها، من قبيل إشكالية المصحات؟ القانون 65-00 في الفصل 44 يقول بأنه لا يجب الجمع بين تدبير نظام التأمين الإجباري عن المرض، وتدبير المستشفيات أو إنتاج الخدمات، لكننا عاجزون على تطبيقه. لا يمكن تطبيق القانون فقط على التعاضديات، فمصحات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مازالت تابعة لها. فالتعاضديات تتوفر على بعض مراكز علاج الأسنان وغيرها، ولا يمكن أن نوقفها الآن. نحن أيضا عاجزون لسببين، أولهما أن المغرب لا يتوفر على عرض صحي كافي، والمشرع عندما وضع هذا الفصل فهو على حق، لكن الوقت لم يصل لتطبيقه، فمنظومتنا الصحية مازالت تعاني من نقص كبير، ونحن في حاجة لجميع الفاعلين للمساهمة في تنمية العرض الصحي. السبب الثاني هناك نقاش الآن حول ما إذا كانت التعاضديات معنية بهذا الفصل أم لا، فالتعاضديات لا تدبر التأمين، بل من يدبر التأمين في القانون هما الصندوقان، أما التعاضديات فقد فوضت لها بعض اختصاصات الصندوق. وبالتالي ففقهاء القانون عليهم أن يوضحوا لنا إن كانت التعاضديات تدبر التأمين أم لا. لكن الإشكال هو أننا في حاجة لأي متدخل أو مستثمر في القطاع الصحي لاستدراك التأخير والنقص الحاصل في المصحات والمستشفيات والأطباء والممرضين والمراكز الصحية وغيرها. - هل تدعم تحرير القطاع الصحي بدخول رؤوس الأموال؟ موقفي واضح، وهو أن المغرب يشكو من نقص حاد في الموارد البشرية والتجهيزات والمنشئات الصحية، والمعضلة هو أن ما نتوفر عليه من عرض صحي غير موزع بشكل منصف بين الجهات والأقاليم والوسطين الحضري والقروي. وبالتالي فالمغرب في حاجة لأي بادرة تجعله يستدرك هذا النقص بمساهمة جميع المتدخلين، بما في ذلك غير الأطباء، لكن يجب وضع الضوابط اللازمة حتى لا تقع انزلاقات. وأعتقد أن الدرس يمكن استيعابه من تحرير رأسمال الصناعة الصيدلية، فعندما أردنا تحريرها طرح النقاش نفسه، وتم تحرير القطاع ودخل من يسمونهم ب»صحاب الشكارة»، واستثمروا فيه، لكن في إطار ضوابط التي وضعها القانون. وبالتالي فوجود عرض صحي، خاصة في القرى، يشكو من نواقص لا تشجعنا على توسيع التأمين الصحي. ف56% من المستقلين فلاحون، فهل سنطلب منهم أداء الواجبات والانتقال في المقابل إلى الرباط للعلاج في مؤسسة صحية ما؟ أو الانتقال من الداخلة أو العيون إلى مراكش؟ وبالتالي أنا لا أتحدث عن التحرير بل فقط تشجيع الاستثمار، مع احترام بعض الضوابط، ووضع خريطة صحية. التغطية الصحية الشاملة ليست فقط تأمينا، بل إن الصندوق إذا لم يجد الخدمة الصحية متوفرة فعليه أن يشتريها من الدول الأجنبية، وإذا لم نقم بموازاة مع توسيع التأمين، توسيع العرض الصحي، فإننا سنلجأ إلى الدول المجاورة. - هل لديكم سلطة على الفاعلين في القطاع؟ لدينا سلطة قانونية في الضبط والسهر على التحكم في الكلفة، والسهر على التوازنات المالية، وسلطة التحكيم. فالوكالة هي التي تقود المفاوضات المتعلقة بالتعريفة. - هل صحيح أن الوكالة لها دور ثانوي؟ الوكالة هي التي تقود المفاوضات، وتوقع بمعية الصناديق الاتفاقيات مع منتجي الخدمات، سواء العموميين أو الخواص. الوكالة كذلك لها سلطة وضع وفرض جميع الآليات الاحترازية ضد الغش والتبدير وعدم احترام الاتفاقيات. ففي مسألة فرض البروتوكولات العلاجية، فإنه لا يمكن لأي أحد أن يعالج المريض بالشكل الذي يريد وبالكلفة التي يريد. الوكالة تضع أيضا لائحة الأدوية المقبول استرجاع مصاريفها، ولديها لجنتين أعدنا فيهما النظر. فهناك لجنة علمية مستقلة لا نتدخل في عملها، وعندما جئت وجدت أن الصناديق يحضرون أشغال اللجنة كملاحظين والوكالة كعضو، فأنهيت مع هذا الأمر بإخراج الصناديق والوكالة من اللجنة، والإبقاء على الأساتذة فقط. كما خلقت لجنة للتقييم الاقتصادي والمالي، حتى تشتغل اللجنة العلمية باستقلالية في اقتراح الأدوية، ونقوم نحن في اللجنة الثانية بالدراسة الاقتصادية والمالية للدواء. إضافة إلى مهمة التحكيم في النزاعات بين المؤمن ومنتجي الخدمات، والصناديق. وهناك أيضا المراقبة التقنية، إذ سيتم وضع هذه الآلية للتأكد مما إذا كانت الاتفاقيات والأسعار تحترم، وغير ذلك. الآن خلال المجلس الإداري الأخير قررنا وضع نظام وطني موحد للتدبير والمعلوميات، إذ ستصبح للمؤمنين بطاقة إلكترونية، تمكنهم من الخدمات الصحية دونما حمل الأوراق والوثائق المتعلقة بالانخراط في الصندوق، إذ خصصنا لهذا الورش ميزانية مهمة، وهذه ثورة في هذا المجال. الآن ما يضر بالمواطنين هو الأداء المسبق وانتظار تعويض الصندوق، أو وضع شيك، وهذه الأمور لن تستمر. لكن بطبيعة الحال فثورات مثل هذه تكون دائما لها مقاومة، مثل ما يقع بالنسبة لتحرير رأسمال المصحات. - نريد أن نختم هذا الحوار بمقاومة خفض أسعار الأدوية. كيف تابعتم في الوكالة هذا النقاش، وهل سيكون لهذه الخطوة أثر إيجابي على قطاع التأمين الصحي؟ خفض أسعار الأدوية مطلب الجميع، فالدراسات بينت أن الدواء في المغرب مرتفع، مقارنة بفرنسا أو تونس أو البرتغال أو إسبانيا وغيرها من الدول. فالمواطنون الذين لا يتوفرون على تغطية صحية، 40% من مصاريفهم المباشرة على المرض، تنفق على الأدوية. أيضا ف33% من مصاريف التأمين الإجباري تذهب للدواء، ولا توجد دولة لديها تأمين متطور وتتجاوز فيها مصاريف الأدوية 25%. والمسألة الثانية هي أن الدواء الجنيس في المغرب يمثل حوالي 30%، مع العلم أنه لا فرق في مفعوله مع الأصيل، ومن يقول غير ذلك فهو يكذب أو له خلفية أخرى. إذن في غياب نسبة كبيرة من الدواء الجنيس في لائحتنا، وفي ظل ارتفاع سعر الأدوية، فيجب أن تكون هناك وقفة وقد قام بها السيد وزير الصحة الحالي، الذي أحييه على شجاعته وفتحه لهذه الملفات. فهذه هي الملفات الحقيقية التي يجب أن تفتح، وهذه هي الإصلاحات، ومن المنتظر أن ينخفض الدواء بين %30 و70%. بالنسبة لنا، فخفض ثمن الأدوية سيساعدنا على التحكم في الكلفة، وخفضها بالنسبة لبعض الأمراض خاصة تلك التي لا يوجد لها دواء جنيس، مثل أمراض السرطان، سيمكننا من توسيع التغطية الصحية. وأعتقد بأن خفض ثمن الأدوية سيمكن المصنعين من تنمية الإنتاج كميا، لأن الاستهلاك سيرتفع. ما يقع الآن هو أنه عندما يحصل المريض على وصفة الأدوية من الطبيب فأول شيء يسأل عنه هو سعر هذه الوصفة، فيقوم باختيار الأدوية منخفضة التكلفة. فمع ارتفاع سعر الأدوية أصبح المواطنون يسكنون المرض، ولا يعالجونه. الآن لدينا 3212 دواء في لائحة الأدوية المقبول استرجاع مصاريفها، ومع انخفاض السعر سنعجل بتوسيع هذه اللائحة، لأننا سنتحكم في الكلفة.