يقدم الناقد والروائي المغربي بوشعيب الساوري للقارئ المغربي والعربي بإصداره ترجمة لكتاب «رحلة إلى المغرب» للدبلوماسي الفرنسي إمانويل شلومبيرجر؛ نصا ذا قيمة كبيرة للمؤرخ والأديب والناقد، وللباحث في مجالات العلوم الإنسانية الأخرى. ويضيف بهذه الترجمة إلى قائمة نصوص «الرحلة نحو المغرب» نصا ثريا وحابلا بالجديد ثقافيا ومعرفيا ظل مجهولا على الرغم من أهميته البالغة. وتتمثل أهمية هذه الرحلة في كونها ترسم صورة لمغرب نهاية القرن التاسع عشر ،سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا، مع ما تتميز به هذه المرحلة التاريخية - في تاريخ المغرب- من صعوبات وتوترات ناتجة عن أحداث متتالية أبرزها تمرد بعض القبائل المغربية، وفرض السلطان لسياسة التقشف، وقد سبقت هذه الأحداث؛ أحداث أخرى أصعب على المغرب والمغاربة، بدأت بالغزو الفرنسي للمغرب، مرورا بمعركة إسلي واتفاقية للامغنية، وصولا إلى حرب تطوان. كما تمثل هذه الرحلة بسردها الفني المشبع بالذاتي الوجداني والتذكري والتخيلي وبصيغها وأساليبها، وبلاغاتها النصية، وصورها الفنية المطرزة بالاستعارة والوصف، والتي تصور ذات الرحالة في حالاتها، ورحلاتها المكانية والتخيلية عبر مساحات السرود الرسائلية؛ نصا أدبيا جعل من الذات محور الحكي الذي ينسج حوله الرحالة/الكاتب مشاهداته وانطباعاته وأحكامه ومواقفه وتخيلاته. يذكر المترجم في المقدمة التي وضعها للكتاب أن رحلة شلومبيرجر إلى المغرب جاءت في سياق مهمة دبلوماسية رسمية في بعثة إلى السلطان الحسن الأول، بين مارس وأبريل لسنة 1882، بهدف إرغام السلطان على إيقاف الهجمات المقتحمة لمناطق نفوذ فرنسا بالجزائر، والتي كانت تنطلق من التراب المغربي. يضم نص الرحلة ست عشرة رسالة لشلومبيرجر موجهة إلى أمه من أماكن مختلفة؛ الأربع الأولى منها بعثها قبل وصوله إلى طنجة حاملة للمشاعر الحميمية؛ من حب وشوق وحنين للأم، وللرغبات والنوايا والآمال في الرحلة، وفيها يسرد المتع والمتاعب وصعاب طريق المرتحل، وهي ممزوجة بسرود واصفة للمشاهد الطبيعية والمآثر التاريخية والتحف الفنية، كأنما يرسم أمام قارئ النص لوحة فنية بألوان ساحرة، معتمدا على تداخلات نصية لا تعترف بالفواصل والمحددات الأجناسية، منتقلا من أساليب اليوميات إلى التقريري وسرد العابر مما وقع أو سيقع، وسرد التاريخي والسياسي، مستثمرا آليات خطابية تتعدد من توظيف الضمائر، والصيغ اللغوية المسايرة لتعدد أزمنة السرد وفضاءات الارتحال وتقنيات الاسترجاع والاستباق والتذكر ومواقف النفي والإثبات. أما الرسائل المبعوثة من المغرب، والتي تكاد تشكل كل واحدة منها رُحيلة قصيرة؛ فتنقلك بأساليبها ولغاتها، التي أتقن المترجم نقلها إلى العربية، بجملها القصيرة، بين مشاهد وصفية وانطباعات ونقود موشومة بالدهشة والإعجاب حد الانبهار بلباس المغاربة ومآثرهم ومساكنهم وكرمهم، وذكائهم تارة (محمد بركاش بلباسه وحنكته وذكائه: ص49/لباس نساء الرحامنة: ص 76/ أكواخ دكالة، وسهول الرحامنة،/ واحات مراكش الخضراء، ومعسكر البعثة، واستقبال السلطان لها: ص80، وما بعدها/ جمال موكادور باعتدال طقسها الرسالة: ص 16/...) والاستغراب والتعجب تارة أخرى؛ من ابتزاز أتباع السلطان لسكان القبائل (الرسالة: 14)، ومن الهجوم على الرقاص الحامل للرسائل ونهبه وإلحاق الأذى به (الرسالة:15)، ورشق البعثة بالحجارة في طريق عودتها من مراكش نحو موكادور (الرسالة الأخيرة). إن النص ينحت بلغة أديب ودبلوماسي عارف بصيغ وتقنيات كتابة نصوص الرحلة والمذكرات والرسائل واليوميات والتقارير وأساليب السرد وأشكاله؛ وهو واع بأهمية كتابة الرحلة باعتبارها وثيقة تاريخية واجتماعية وسياسية وثقافية؛ صورة المغرب الجغرافية والطبيعية والمناخية؛ وصورة المغربي بثقافاته المختلفة والمتنوعة وكرمه واحتفالاته وعاداته؛ من طنجة إلى الجديدة، مرورا بسهول الرحامنة والسميرة، وصولا إلى مراكش. ومنها عبر الصويرة نحو طنجة في طريق العودة، معبرا «عن ابتهاجه بالرحلة التي قام بها»(ص111). لقد قدم الساوري بترجمته لهذا الكتاب إضافة مهمة، ومصدرا غنيا معرفيا وثقافيا، جامعا بين الإفادة والإمتاع للباحث في مغرب نهاية القرن التاسع عشر. إبراهيم أزوغ باحث في الأدب والثقافة بالمغرب