اضطرت سلطات مدينة القنيطرة، عشية أول أمس، إلى استدعاء عناصر القوات العمومية، لإجلاء المواطنين من داخل قاعة الاجتماعات، التي كانت تحتضن أولى جلسات دورة الحساب الإداري لمجلس المدينة، بعدما تحولت القاعة إلى معارك ضارية بين المعارضة وأعضاء من الأغلبية، ذرف خلالها المكي الزيزي، رئيس مجلس الجهة، الدموع. ولجأت الجهة الوصية إلى فرض سرية الجلسة، لامتصاص حالة الاحتقان الشديد الذي ساد هذه الدورة منذ بدايتها، بعد نشوب ملاسنات حادة بين هشام عبيل، نائب كاتب المجلس، الناشط في شبيبة العدالة والتنمية، وعبد الله زهدل، المستشار المعارض المنتمي لحزب الأصالة المعاصرة، بعدما اتهم هذا الأخير المكتب المسير بالإقدام على سلسلة من التفويتات لعقارات الجماعة بطريقة غير مقبولة تهدد الوعاء العقاري الذي يمتلكه المجلس بالاندثار، ليرد عليه العضو السالف الذكر باتهامه بالتورط في التفويت المشبوه لأراضي السلاليين بثمن بخس لا يتناسب مع مواقعها الاستراتيجية. واتخذت الأمور منحا خطيرا، بعد دخول أنصار الطرفين على خط الصراع الدائر، أدت في كثير من الأوقات إلى توقف الدورة لفترة من الزمن. وكادت هذه الملاسنات، أن تتطور إلى عراك بالأيدي، حينما سادت القاعة حروب كلامية، تراشقت خلالها العناصر المتناحرة سياسيا بعبارات لا تليق بهذه المؤسسة الدستورية، وصلت إلى حد التهديد بالقتل والانتقام والقيام بسلوكات غير أخلاقية، إذ زاغت الانتقادات عن نطاق المعقول والجدية، لتنهل قاموسا كله شتائم وألفاظ جارحة مقتبسة من لغة الشارع، وهي المشاهد التي وصفها أحد المتتبعين بالمزايدات التي تخفي وراءها انحطاطا يسيء إلى الشأن العام أكثر مما يخدمه، على حد تعبيره. وشن سعيد حروزة، الأمين العام الجهوي لحزب «البام»، هجوما لاذعا على سلام العربوني، باشا المدينة، واتهمه بمحاباة حزب العدالة والتنمية، بالسماح لأحد مستشاريه بإهانة نواب المعارضة وشتمهم دون ردعه، وخاطبه بالقول «باقي ليك آسي الباشا غير تلبس الجيلي فيه الرمز ديال المصباح»، وهو ما أثار حفيظة الباشا، الذي طلب الكلمة، ليرد عليه قائلا «أنا أرتدي العلم الوطني فقط، ولا أنحاز لأي أحد سوى القانون». وأعادت هذه الجلسة الصاخبة قضية ما يعرف ب»تجزئة الحدادة» إلى واجهة الأحداث مجددا، بعدما اتهم المستشار هشام عبيل من كانوا يشرفون على تدبير شؤون الجماعة في المرحلة السابقة بالتورط في مجموعة من الممارسات الفاسدة، التي حصرت ميزانية الجماعة في 16 مليار، قبل أن تقفز إلى 26 مليار في الفترة الحالية، وتفويت بقع «الحدادة» للمقربين والمتنفذين من أصحاب القرار، مطالبا بإحالة الملف على القضاء، طالما أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات، في نظره، كشف جملة من التجاوزات التي اعترت عملية توزيع بقع هذه التجزئة. وعلى عكس ما ساد هذه الجلسة في ساعاتها الأولى، فإن خاتمتها انتهت على إيقاع تهدئة الأجواء المكهربة ورأب الصدع، وتبادل العناق بين من كانوا إلى وقت قريب يتوعدون بعضهم البعض، لتجمعهم وجبة العشاء في طاولة واحدة، بأحد المطاعم الفاخرة غير البعيدة عن مبنى قصر بلدية القنيطرة.