في إطار أنشطتها الفكرية والثقافية، نظمت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث» يوم السبت الماضي محاضرة للباحث الدكتور يحيى اليحياوي، الخبير في الإعلام وحكامة الأنترنت، تحت عنوان» الخطاب الديني في الفضائيات العربية». وأوضح اليحياوي أنه من الصعب رصد الخطاب الديني بجل الفضائيات العربية، والتي يتعدى عددها الألف، بين عامة وخاصة متخصصة وجامعة، مشيرا إلى أن عدد القنوات الدينية المتخصصة يتجاوز مائة قناة، وفق آخر إحصاءات «اتحاد إذاعات الدول العربية»، مبرزا في نفس الوقت الهيمنة المطلقة للفضائيات الدينية الخاصة، قياسا إلى القنوات الدينية العمومية أو الحكومية: حيث سجل وجود 96 قناة دينية خاصة مقابل ثماني قنوات حكومية أو عمومية، أي أن ما نسبته 92 بالمائة من مجموع القنوات الدينية يعود إلى الخواص، معظمها يبث باللغة العربية أو ببعض اللهجات المحلية أو بهما معا. وعرف الدكتور اليحياوي القناة الدينية بأنها» تلك التي تتشكل معظم مفاصل شبكتها البرامجية من المادة الدينية الصرفة، وإلى حد ما القنوات الجامعة، التي تفرد للدين حيزا من الشبكة البرامجية لكن ضمن باقي المواد المتنوعة لشبكتها». وقال إن هذه القنوات تقوم ب»موسطة» الفعل الديني، معرفا الموسطة بكونها»طريقة تمثل التلفزة للفعل الديني بما هو نصوص أساس، وبما هو اجتهادات منطلقة من هذه النصوص أو على هامشها، وكذا من خلال التوظيفات السياسية التي يخضع لها الدين، ناهيك عن الممارسات الدينية اليومية التي يثوي خلفها الناس بصورة عامة». وقد رصد الباحث في محاضرته، التي أدارها الباحث منتصر حمادة، مجموعة من الملامح الكبرى للخطاب الديني في هذه الفضائيات، من بينها أن هناك تساويا بين القنوات الدينية الجامعة والقنوات الدينية المتخصصة: 59 للأولى و45 للثانية. ففي حين نجد في الفضائيات الجامعة تنوعا في المادة الدينية المقدمة للجمهور، نجد في المقابل أن القنوات المتخصصة تركز على مادة دون أخرى: القرآن الكريم أو الأحاديث النبوية أو الابتهالات أو المديح أو ما سوى ذلك. أما الملمح الثاني فيتمثل في كون إعلام هذه الفضائيات لا يختلف عن باقي أنواع الإعلام في الشكل أو المظهر أو المضمون، الفارق الوحيد بينهما هو كون الفضائيات الدينية تشتغل على الدين مباشرة وتشكل شبكتها البرامجية على أساسه، أما الخطاب الديني المترتب عنها فهو ذاك الكلام المسموع والمرئي الذي يتخذ من «التراث الإسلامي» عموما مادته وجوهره. بينما يتمثل الملمح الرابع في أن المادة الدينية بالفضائيات المتخصصة هي القاعدة والأصل، في حين أن ذلك لا يمثل إلا الاستثناء بالنسبة للقنوات الجامعة، اللهم إلا في المناسبات الكبرى (الحج ورمضان مثلا) حيث تتكثف المادة الدينية مجاراة للجو العام الروحي السائد، والقائم في هذه الحالة يضيف الباحث أن الفضائيات غالبا ما ترتكن إلى الجانب النقلي في الدين، ولا تستحضر كثيرا الجانب العقلي، أي جانب الاجتهاد. وفيما يتعلق بمضامين الخطاب الديني الذي تروجه الفضائيات الدينية المتخصصة، على الأقل قياسا إلى ما حددته في مرجعياتها ودفاتر تحملاتها، لاحظ الباحث أن أول عنصر في غايات وأهداف الخطاب الديني هو «الحفاظ على الذاتية الثقافية»، مضيفا أن جانب اللغة يعتبر إحدى نقاط الضوء لهذا التوجه، لاسيما في ظل العولمة اللغوية الكاسحة»على الرغم من أننا بحاجة إلى دراسات معمقة لإثبات مدى خدمة هذا الجانب من لدن هذه الفضائيات»، يضيف اليحياوي. أما العنصر الثاني فيما يتعلق بالمضامين فهو يتمثل في رهان هذا الخطاب على توفير الحد الأدنى من السكينة الروحية. أما العنصر الثالث فيتمثل في محاولة التمرير لقيم الاعتدال ونبذ العنف والتشدد والابتعاد عن الانغلاق والتعصب، ملاحظا أن هذا الأمر نجده بالعديد من الفضائيات المتخصصة، وعلى الأخص بالفضائيات العمومية الجامعة. وقال اليحياوي إن العديد من هذه الفضائيات تحول إلى منابر في الفتوى الارتجالية والمتحجرة، والنابعة من «شيوخ» ليس لهم المعرفة ولا الكفاءة ولا الدراية ولا الروية الضرورية لذلك، معتبرا هذه الفتاوى مصدر العنف والتشدد والتكفير والتبديع والتفسيق المنتشرة في المجتمع.