استضافت مؤسسة «مؤمنون بلا حدود» الأستاذ يحيى اليحياوي ليحاضر في موضوع «الخطاب الديني في الفضائيات العربية، وذلك مساء السبت الماضي بفضاء المؤسسة «جد الثقافي»بالرباط. وقد أكد المحاضر في البداية أنه من الصعب رصد الخطاب الديني بجل الفضائيات العربية، والتي يتعدى عددها الألف، بين العام والخاص، بين الجامع والمتخصص، المقتنية لهذا القمر الصناعي أو ذاك، والمغطية لهذا المجال الجغرافي أو ذاك. والذي وقف عنده في محاضرته هو ما يسمى بالفضائيات الدينية، أي تلك التي تتشكل معظم مفاصل شبكتها البرامجية من المادة الدينية الصرفة، وإلى حد ما القنوات الجامعة، التي تفرد للدين حيزا من الشبكة البرامجية لكن ضمن باقي المواد المتنوعة لشبكتها. وأضاف قائلا إن التساؤل في الخطاب الديني بالفضائيات العربية هو من التساؤل في طبيعة وخلفيات ومرجعية المادة المقدمة، وكذا الطريقة التي يتلقاها بها الجمهور مباشرة بالأستوديو أو من خلال الشاشة. ليس المهم هو استحضار عناصر باث الرسالة ومتلقيها من خلال وسيط. التساؤل المهم هنا هو غاية وكيفية موسطة الدين تلفزيونيا. وقصد اليحياوي بهذه الموسطة هو طريقة تمثل التلفزة للفعل الديني بما هو نصوص، وبما هو اجتهادات منطلقة من هذه النصوص أو على هامشها، وكذا من خلال التوظيفات السياسية التي يخضع لها الدين، ناهيك عن الممارسات الدينية اليومية التي يثوي خلفها الناس بصورة عامة. وأكد أنه قبل الحديث عن الخطاب الديني بالفضائيات لابد من التوقف بعجالة عند الملامح الكبرى للإعلام الديني كما تتطلع هذه الفضائيات للتعبير عنه: فأول ملمح ل 104 فضائية دينية، وفق آخر إحصاءات اتحاد إذاعات الدول العربية، هو الهيمنة المطلقة للفضائيات الدينية الخاصة، قياسا إلى القنوات الدينية العمومية أو الحكومية: 96 للأولى و 8 فقط للثانية، أي ما نسبته 92 بالمائة من المجموع، معظمها يبث باللغة العربية أو ببعض اللهجات المحلية أو بهما معا. والملمح الثاني هو أن هناك تساويا بين القنوات الدينية الجامعة والقنوات الدينية المتخصصة: 59 للأولى و 45 للثانية. حيث نجد بالفضائيات الجامعة تنوعا في المادة الدينية، في حين أن القنوات المتخصصة تركز على مادة دون أخرى: قرآن كريم أو أحاديث نبوية أو ابتهالات أو مديح أو ما سوى ذلك. ويتجلى الملمح الثالث في كون إعلام هذه الفضائيات لا يختلف عن باقي أنواع الإعلام في الشكل أو المظهر أو المضمون، الفارق الوحيد بينهما هو كون الفضائيات الدينية تشتغل على الدين مباشرة وتشكل شبكتها البرامجية على أساسه. والخطاب الديني المترتب عنها هو ذاك الكلام المسموع والمرئي الذي يتخذ من «التراث الإسلامي» عموما مادته وجوهره. وأضاف المحاضر ملمحا رابعا يتجلى في المادة الدينية بالفضائيات المتخصصة بالقاعدة والأصل، في حين أن ذلك لا يمثل إلا الاستثناء بالنسبة للقنوات الجامعة، اللهم إلا في المناسبات الكبرى (الحج ورمضان مثلا) حيث تتكثف المادة الدينية مجاراة للجو العام الروحي السائد. والقائم في هذه الحالة أن الفضائيات غالبا ما ترتكن إلى الجانب النقلي في الدين، ولا تستحضر كثيرا الجانب العقلي، أي جانب الاجتهاد، وقياس الأمر بما لم يرد فيه نص قاطع مع مراعاة السياق. أما في جانب مضمون هذه الفضائيات فقد ساءل اليحياوي هذا الجانب من خطاب هذه الفضائيات الدينية (على الأقل قياسا إلى ما حددته في مرجعياتها ودفاتر تحملاتها) ولاحظ أنها تركز على العناصر التالية: أما العنصر الأول في غايات وأهداف الخطاب الديني في هذه الفضائيات هو «الحفاظ على الذاتية الثقافية». بهذه النقطة، يبدو أن جانب اللغة يعتبر من إحدى نقط الضوء لهذا التوجه، لا سيما في ظل العولمة اللغوية الكاسحة، على الرغم من أن الأمر بحاجة إلى دراسات معمقة لإثبات مدى خدمة هذا الجانب من لدن هذه الفضائيات. ويتمثل العنصر الثاني في رهان هذا الخطاب على توفير الحد الأدنى من السكينة الروحية. بهذه النقطة أيضا، يبدو أن ثمة تجاوبا نسبيا للجمهور مع هذا الخطاب، لا سيما عندما يجد المرء فيه ما لا يجده بالمسجد أو بمراكز الدعوة أو بالمدارس الدينية. أما العنصر الثالث الذي يراهن عليه الخطاب الديني بالفضائيات العربية فهو التمرير لقيم الاعتدال ونبذ العنف والتشدد والابتعاد عن الانغلاق والتعصب. وهو أمر يوجد بالعديد من الفضائيات المتخصصة، لكنه يوجد أكثر بالفضائيات العمومية الجامعة. وقد خلص المتدخل من خلال استقرائه لخطاب هذه الفضائيات ولاحظ التالي: هناك تحول في العديد من هذه الفضائيات إلى منابر في الفتوى الارتجالية والمتحجرة، والنابعة من «شيوخ» ليس لهم المعرفة ولا الكفاءة ولا الدراية ولا الروية الضرورية لذلك. وهذا نلاحظه في «الفضائيات السلفية» تحديدا. هذه الفتاوى هي مصدر العنف والتشدد والتكفير والتبديع والتفسيق التي نراها هنا أو هناك. وكذلك إعمال العديد من هذه الفضائيات للتعصب المذهبي في معالجة هذه القضية أو تلك، لا سيما بإزاء المختلفين أو الرافضين لخطاب ذات الفضائيات. وتكريسها طقوس الشعوذة والسحر التي لا تقدم الأمور كثيرا. إذ التداوي بالقرآن مثلا، هو أمر قائم من الناحية النفسية، لكنه لا يجب أن يعفي المريض من زيارة الطبيب. وخلض اليحياوي إلى أن هذه الأمور قد لا نجدها بقوة في خطاب الدعاة الجدد بهذه الفضائيات. فرهانهم على الإسلام المعتدل وعلى التدين الفردي والتمتع بمباهج الحياة، يجعلهم يركزون على الجانب الروحي والاجتماعي، عوض التركيز على الجانب السياسي. والسر في ذلك، حسب اليحياوي، هو أن ظهورهم أتى في سياق كسر التقاطب الكبير بين الإسلام التقليدي الرسمي والإسلام الحركي أو إسلام «التطرف الجديد» بلغة أوليفيي روا.