الاستعداد التلقائي للشجار لدى المغاربة مثير للدهشة: الجميع يبدو على أعصابه، جاهزا للأسوإ، لا تنقصه إلا «السبة» كي يفرغ شحنات خرافية من العدوانية على الآخرين. ما إن ينشب نزاع صغير بين شخصين حتى يكيلا لبعضهما البعض أقذع الشتائم، يغسلان الأب والأم والدين و»سنسفيل» الجدود وشجرة العائلة وصحون المطبخ... وفي أحيان كثيرة يتطور العراك اللفظي إلى «تفرشيخ» ودم وبوليس! العنف يؤشر على مرحلة بدائية من التواصل البشري، يقربنا من الحيوانات ومن قانون الغاب الشهير، ولا يملك الواحد إلا أن يشفق على بعض الشباب الذين يضيعون وقتهم في تربية العضلات، بدل أن يصنعوا شيئا ينفعهم في المستقبل، إلى درجة أنك حين تراهم يمشون تعتقد أنهم يحملون سطلا ثيقلا في كل يد. شباب مغفل لا يعرف أن هناك عضلة في الفم شبهها القدامى بالسيف ويشبهها المعاصرون ب»الزيزوار»، وينسون أن البغل ضخم الجثة ومع ذلك «استحمره» الإنسان منذ فجر التاريخ، والفيل يزن أكثر من طن ويجره هنود نحيلون بعد أن يثقلوه بالبضائع، والأسد ملك الغابة ومع ذلك وضعه البشر في قفص بحديقة حيوانات كي يتسلى بمنظره الأطفال ويرمونه ب»الكاوكاو» كأي قرد... ينسون أن في الرأس عضلة خطيرة اسمها «الدماغ» لو حركتها قليلا لما أكملت نهارك في «الكوميسارية» أو «السبيطار»، فقط لأن شخصا تافها قلل حياءه عليك! «ما أكثر الأصحاب» عشر سنوات مرت على اختراع النسخة المعاصرة من «ركن التعارف». عشر سنوات على ميلاد هذا العالم الافتراضي المثير الذي يسمى «الفيسبوك»، وهناك اليوم أشخاص لا يستطيعون العيش بدونه. فيسبوكيون مصابون بالإدمان، لا يتصورون العالم بدون «ستاتيات» و»لايكات» وتعليقات... ولعل أكثر ما يضحك على «الفيسبوك» هو «جامعو اللايكات»: أشخاص ينقصهم الحب والاعتراف، ويلجؤون إلى كل الطرق ليحصلوا على إعجاب الآخرين، يمضون نهارهم أمام الشاشة يتسولون الاعتراف. «الفيسبوك» أكبر تنظيم جماهيري في الوطن العربي، نقابة تضم ملايين المنخرطين، متغلغلة في كل القطاعات وتملك فروعا في المدن والأرياف ومئات الآلاف من المداومين، وتقود احتجاجات ومظاهرات وإضرابات، دون حاجة إلى خطب أو مؤتمرات أو لافتات مكتوبة بخط رديء. «أورديناتور» واشتراك في الأنترنيت وها أنت عضو كامل العضوية في هذا «التنظيم العالمي» الخطير، تقرر وتسير وتنظّر، وتسقط الأنظمة. بقدرما أصبحت أثق في قدرة «الفيسبوك» على رفع خطورة الحركات الاحتجاجية وتحقيق المعجزات، بقدرما يضحكني المفهوم الذي يقترحه الموقع الاجتماعي ل»الصداقة». يمكن أن يكون لديك آلاف «الأصدقاء»، ومع ذلك تشعر بوحدة قاتلة. أحيانا، يحدث أن يقع الواحد في ورطة ولا يجد من يساعده، ولا يسعه إلا أن يتأمل قائمة أصدقائه على «الفيسبوك» وهو يردد بحسرة: «ما أكثر الأصحاب حين تعدهم/ ولكنهم في النائبات قليل»... لكن قمة السخرية حين تتلقى رسالة من صديق تعرفه من سنوات طويلة، مصحوبة بتلك العبارة الجاهزة: «فلان يريد أن يصبح صديقك»، وتكون قد افترقت معه قبل لحظات... «الله ينعل بوها صحبة!» «مزاج معكر» عندما تأتي إلى الصحافة من الكتابة تفقد أشياء ثمينة في الطريق. تسقط من طابق أعلى، تنتحر بشكل ما، لأنك تكتب على عجل وتقدم تنازلات في جملتك كأنك تبيع نصوصك بالتسقيط «غير المريح». الصحافي يعثر بسهولة على الكلمات، والكاتب يفتش عنها ولا يجدها، وفي طريق بحثه يعثر على كلمات أجمل. الصحافي شاهد مهمته أن يؤرخ للمآسي والكوارث، أن يفضح ويعري ويمنح صوته لمن لا يملكون صوتا. أحيانا، يتحول إلى «زورو» بسبب الظلم، رغم أنها ليست وظيفته، ومن علامات إفلاس القضاء في المغرب أن تتحول الجرائد إلى ديوان مظالم وأن يقصد المشتكون كتاب الأعمدة بدل كتاب الضبط! الكتابة عمل فردي، وعبثي أحيانا مثل الحياة، لكن تلويحة من بعيد تمنحه معنى، تحية صغيرة تعزي الكاتب في الوقت الذي يضيعه أمام الورقة كي يفتش عن كلمات يعرف مسبقا أنها آيلة للزوال، في هذه اللعبة الخاسرة التي تستدرجك إليها كما تستدرج الأوراق لاعب القمار. أحيانا، دون أن تشعر، تجد نفسك تشتم وتنتهي في المحاكم والغرامات، فقط لأن مزاجك كان معكرا!