5) خلاصات واستنتاجات: بهدف التذكير، وللمساهمة في وضع قواعد حياة وعمل لأجل المستقبل، واستخلاصا من تجربة قاسية في عِظَم تضحياتها وضآلة مردودها... نؤكد: 1 - أن المسلمين عموما، والعرب خصوصا، مستهدفون كجغرافيا (بشرية وطبيعية واقتصادية..) وكتراث ثقافي عريق، متنوع وغني، وذلك من قبل الرأسمالية الغربية منذ بدايات تأسيسها في شمال المتوسط (ق ال16) ثم توسعها وانتشارها الأمريكي، لا يُستثنى منها طرف أو قسم دون آخر، إلا مؤقتا وكمرحلة انتقالية، وهي في ذلك لا تقبل علاقة ندية ولا تحالفا.. بل فقط استعمارا واستتباعا ونهبا واستغلالا... عنصريا وتهميشيا.. بل وإباديا (نمط الهنود الحمر، البوسنة، الصومال، فلسطين)؛ 2 - أن الفقر والتهميش... لا يصنع ثورة، وطنية كانت أو ديمقراطية. إن الوعي والتأطير المدني (الحزبي والنقابي والإعلامي...) والتدرج والتراكم والتحالفات... هو ما يسهم في تحقيقها، أما الرهان على الانتظارية والعفوية والفوضوية... فهو خطأ قاتل؛ 3 - أن الشعوب العربية جميعا تراكم الخبرة وتبلور برنامج الثورة من أجل التحرير والاستقلال والديمقراطية، غير أن القابلة "الأجنبية"، في أغلبيتها، أجهضتها حينما استعجلت الولادة، وأساءت الوسيلة، وأخطأت العدو... ف"أخرج الشبل من عرينه قبل أن يستأسد" وعيا وخبرة وبرنامجا وتحالفات... 4 - كل انتفاضة (وأحرى فوضى) لا بد لها من قيادة، وإذا هي لم تكن معلنة ومعروفة فذلك لا يعني أنها غير موجودة (؟!) والغضب والإعلام وحدهما غير كافيين لإحداثها.. ثمة قيادة سرية وأجنبية، مع امتداد مدني داخلي لها، هي ما يفسر الأخطاء والانحراف والتيه... الذي سيقت إليه الجماهير العربية في "ثوراتها" الموؤودة؛ 5 - أن الفوضى في الميدان سبقتها ومهدت لها فوضى في الأذهان، وذلك خاصة بواسطة إعلام مغرض مدبر وموظف لذات الهدف، وذلك منذ عقد من الزمن وبواسطة صحفيين وفقهاء وأساتذة مأجورين، بأضخم الأجور والتعويضات (حوالي أربعمائة جامعي)، واستثمر لذلك تاريخهم أو قدراتهم الخطابية والبلاغية... 6 - أن من لا استراتيجية له، ينتهي حتما إلى الوقوع في خدمة استراتيجية غيره، وقد يكون هذا الغير خصما أو حتى عدوا، وهو ما حصل بالضبط. الحركات الإسلامية المعاصرة وُفِّقت تكتيكيا، غير أنها أخفقت استراتيجيا، الأمر الذي ورطها في انتهازية سياسية وتناقضات وارتباكات في الممارسة، وبالذات في تحديد العدو الرئيس من الخصم، والخصم من الحليف، والحليف ممن يمكن تحييده... إلخ، وهذه هي "السياسة"، والممارسات خارجها تعني الفوضى، وهذا هو ما يحصل اليوم؛ 7 - لا حركة سديدة دون نظر سديد ووضوح في الأهداف والرؤية والمقاصد وتحديد دقيق للمبادئ. العفوية التجريبية والفوضى... في العمل السياسي النضالي هي بمثابة انتحار. إن الجماهير لا تحتاج إلى من ينوب عنها في البذل والتضحية، هي في حاجة إلى من يقود تحركها بصواب وسداد، وذلك بأقل الخسائر وأكثر الأرباح، وهذه جدارة النخبة أو الحزب القائد؛ 8 - الديمقراطية تشترط وجود الوطنية و/أو القومية، مما يعني توفر الاستقلال والسيادة الوطنيين، هي إطارها الشارط والوعاء الذي بدون وجوده لا يتصور وجودها، هي في العصر الحديث مرحلة انتقالية إلزامية: أ- التطور غير المتكافئ للشعوب؛ ب- التوسع الرأسمالي الاستعماري، وذلك إلى حين انتفاء موجباتها. ينتج عن ذلك، منطقيا وواقعيا، تصور إمكان أن تكون وطنيا ولا تكون ديمقراطيا، في حين أن العكس مستحيل موضوعيا. إن العدمي لا يمكن أن يكون ديمقراطيا ولو توهم وهرب نحو أممية اشتراكية أو إسلامية... وهو ما يسمح اليوم، مثلا، بفهم هذا الالتقاء الموضوعي والواقعي بين اليسار الفوضوي أو التروتسكي مثلا وإسلام الخلافة... وسقوطهما معا في أحضان العولمة الرأسمالية (؟!) وذلك بمناطق (ج منطق) فاسدة ومقلوبة: عدو عدوي صديقي؟ / يستعملوننا ونستعملهم؟ / الاستبداد يعرقل الصراع ضدا على الاستعمار؟... إلخ؛ 9 - أن عدم حسم البعد الاجتماعي في الصراع الطبقي أو الوطني والعالمي... يعتبر عطبا في المنطلق. إن المستضعفين، ومن بينهم النساء خاصة، هم المؤهلون موضوعيا للنضال على تلك الواجهات جميعا، لا كمناضلين فقط، بل أساسا كبرنامج سياسي وكقيادة. والحال أن الوضع الحالي لتلك الحركات يختلف، بل ويتناقض مع هذا المسعى؛ 10 - أن الوعي، ومنه الوعي السياسي، هو سلاح يفترض ألا يكون مفلولا أو معطوبا في المعارك، هو كالإنارة في خوذة المنجمي، ليست هي ما يحفر، غير أن المنجمي بدونها قد يهوي بفأسه في فراغ أو حتى قد يجهز على زميله في العمل. والوعي لا حدود جغرافية له، إنه مرتبط بتقدم المعرفة والعلم، وسلفنا الصالح انتصر لأنه عرف كيف يستفيد من التراث العلمي والفلسفي... للشعوب المحيطة به والسابقة عليه في الحضارة، واشتغل بقمة فكر المرحلة "أرسطو". والحال أن الإسلامية المعاصرة، وحتى بالمقارنة مع الحديثة، تتخذ مواقف غاية في البؤس والرجعية والتخلف، وذلك من عموم ثمار الحداثة، وخاصة زبدتها المتمثلة في الاشتراكية ومنطقها الفلسفي وبرنامجها الاقتصادي-الاجتماعي والثقافي... 11 - من منتوجات ذلك القاتلة، انغلاقُ مفهوم الهوية لدى تلك الحركات إلى مستويات تتناقض مع منطلقاتها الإسلامية نفسها، لقد انتصر الإسلام لبعده الإنساني والكوني، وفي نفس الوقت احترامه للخصوصيات الجغرافية.. فكلنا لآدم وآدم من تراب، والتقوى مقياس المفاضلة... إلخ. إن "جذر الإنسان هو الإنسان" نفسه، والهوية الإسلامية كونية وإنسانية، أو لا تكون؛ والهوية المغلقة، الانعزالية والاستعلائية-العنصرية... هي الانتحار الحضاري بعينه؛ 12 - ويندرج في هذا الإطار ما يتعرض له الإسلام المعاصر من كثافة في العمل على تهويده وليس فقط صهينته السياسية، لقد حمل معه -تاريخيا- كثيرا من الإسرائيليات، هي ما يمهد لهم ويشجعهم أكثر على التهويد، أخطر مظاهر ذلك: أ- التطرف في تسييس (=تحزيب في الحقيقة) الدين واستثماره في جميع أسواق المال والتجارة والسياسة..؛ ب- اغتيال البعد الفطري-الأخلاقي... للدين، وخلطه بالتدين والإيديولوجيا الدينية والمؤسسات الدينية؛ ت- ترجيح وإبراز البعد الوثني والعنيف وحتى الدموي... (=يهوه)، على حساب صورة الغفور والرحمان الرحيم... رب العالمين، لا رب المسلمين وحدهم (؟!)؛ 13 - أنه إذا كانت "الحقيقة هي الكل" وكان لا يمكن فهم الجزء بدونه (=الكل)، خاصة ونحن في شرط وزمن العولمة الرأسمالية، فإنَّ فهمَ شرطِنا الخاص يتطلب فهمَ شروطنا العامة والعالمية. وعلى وجه الاختصار، فإن الأزمة أو الأزمات الراهنة هي، في أصلها وجذورها، توجد في مراكز تلك الرأسمالية في الغرب؛ ومن أجل التخلص منها وتصريفها... تعمد إلى تصديرها نحو هوامشها، شعوب ودول الجنوب وفي المقدمة منها: العرب، وذلك على جميع المستويات الاقتصادية - الاجتماعية والسياسية - الثقافية والأخلاقية... وهذا ما يسمى بالاستعمار الذي تغيرت وسائله وحيله بين قديمه وجديده، غير أن جوهره الاستغلالي هو نفسه، وأداته الرئيسة "فرق تسد" هي نفسها، وهذه اليوم هي ما يسميه ب"الحرب الناعمة".. أن يحارب الضحايا بعضهم بعضا، ويقتصر هو على الإعلام المغرض والتحريضي... وعلى التسليح... وبذلك يتخلص من أعداء بواسطة أعداء، لا اختلاف بينهم، سوى على تأويلات وأوهام إيديولوجية؛ 14 - إن المرحلة التي تشرط واقع وتحرك دولنا ومجتمعاتنا.. هي مرحلة استكمال التحرر والتحرير الوطنيين، ومرحلة الإصلاحات، وأهمها تحقيق الانتقال نحو الديمقراطية.. وهما ليستا ثورة ولا ديمقراطية، ولا نحتاج، لتحقيقهما، إلى وسائلها (=الثورة). إن الذين حرضوا على التصعيد، وأحرى على العنف... حولوا الانتفاضات الشعبية (الإصلاحية والانتقالية بالضرورة) إلى فوضى عارمة، وبذلك منعوا الحوار والتوافق على الإصلاح وعلى الانتقال... ونفذوا بذلك مخططا رصد لهم ولا علاقة له بشروط المرحلة، وأحرى بحاجيات شعوبنا. لقد خلطوا بين الدولة وإدارتها (سماها لهم الغرب: النظام) وبين الديمقراطية و"الانتقال الديمقراطي" وبين الإصلاح والثورة... إلخ. 15 - إن رأسمالية الدولة، في صيغة "القطاع العام"، هي، على أعطابها ومفاسدها (المدبرة من قبل الخارج أحيانا)، أفضل بما لا يقاس من الخوصصة، وأحرى إذا كانت للأجنبي الغاشم والمبتز والأكثر فسادا والأخطر إفسادا. إن جدارة القيادة لا تكمن في القدرة على تمييز الأفضل من الأسوإ، ولا الأفضل من المفضول فهذا يستطيعه الجميع، بل المفاضلة عند الضرورة بين السيئ والأسوإ، وهذا اليوم هو شرطنا، وهذه حالتنا المرحلية؛ 16 - إن ما قد نلاحظه اليوم من خلافات، وحتى صراعات أحيانا، بين الدول العربية والإسلامية، من جهة، أو بين الحركات الإسلامية، من جهة ثانية، هو في الغالب منه محض انعكاس لأزمات وتناقضات وصراعات الرأسمالية في مراكزها الأصلية، والتي تعالجها عن طريق تصديرها وتفجيرها خارج أوطانها، وذلك حتى لا تنفجر داخلها كما وقع لهم في حروبهم الأهلية أو حروب الحدود والتوسع الاستعمارية (الحربان العالميتان): أهم من ذلك اليوم الصراع الأمريكي-الأوربي / وصراع التجمعين الصناعيين: المدني والعسكري في أمريكا... أما صراع السعودية وقطر/ وتركيا ومصر... أو الجماعات الإسلامية المسلحة... فإنهم جميعا ضحايا ومستخدمون بلا أجر في خدمة أطراف الصراع في الغرب الرأسمالي...