نظمت وزارة الثقافة مؤخرا الدورة الرابعة للملتقى الوطني للفنانين التشكيليين الشباب برواق محمد الفاسي بالرباط، شارك فيه، كما جاء في كاتالوغ المعرض، ستة عشر فائزة وفائزا على صعيد الجهات، يمثلون طليعة هذا الموسم المتوجة بالمراتب الأولى. وقد نال الجائزة الوطنية للتفوق أحمد بيباون من مدينة طنطان، الذي جعل من الوجوه موضوعا لاشتغاله، بعناية ودقة تحكي تفاصيل الوجه في بعده النفسي، بتقنية اعتمدت انسيابا محكما للون بتدرجات خفيفة وشفافة جعلت منه سندا غرافيكيا لتدخلات الفنان، بحركية انفعالية لخطوط رقيقة لتأطير الشكل وفصله عن خلفية سند محايد، غالبا ما يهيمن عليه اللون الأحادي، سواء كان ورديا أو أسود بخضاب ملموسة ونتوءات طفيفة في حضور جسد مبتور لا يظهر منه إلا الوجه، ضمن نسق سيمفونية جمالية متناغمة تحيل على مدارس ومحطات كبرى في تاريخ التشكيل العالمي، اقتفاء لأثر رواد الحركة التعبيرية الجديدة على شاكلة أعمال فرانسيس باكون وأوطو ديكس... وكذا رسومات ألبرتو جياكوميتي، استنادا على إحالة تغرف من عمق تاريخ الفن مع تجربة الوجوه الطويلة المتمددة في أعمال الفنان اليوناني إيل كريكو، أحد مؤسسي المدرسة الفنية الإسبانية، مما جعل من عمل أحمد بيباون أيقونة جرفت عددا من المرجعيات الثقافية والمشهدية في محاولة لرسم معالم خطوطها الوجودية، كتجربة يمكن أن تتطور عبر نسق انسجامها على مستوى الشكل والموضوع ويمكن أن تبدع لها تصورا بمعالم شخصية متميزة وخلفيات ثقافية محلية انطلاقا من المحلي للكوني. أما الجائزة الوطنية الثانية للتميز فكانت من نصيب اسماعيل أحندوز من مدينة تزنيت، حيث اشتغل على أحجام كبيرة خول له السند من خلالها إمكانية التنقل عبر مساحاته، بحركية وعفوية تم التهييئ لها مسبقا عن طريق التلصيق collage لنماذج ورقية تحمل صورا وكتابة غرافيكية قبل الشروع في إسدال ستار طبقات اللون بغشاوة شفافة لخليط من الخضاب، ليجعل منها بؤرة احتفالية تلتقي فيها التفاعلات الكروماتيكية بالمواد لتنتج أشكالا مبالغ في تكويناتها تتجاوز حدود مستويات المنظور perspective وأبعاده، بأسلوب تجريدي وهمي يتقاطع في العمق مع ما هو تشخيصي من فصيلة التجارب الغربية المعاصرة التي اتخذت من الثورة على التقليد الكلاسيكي للفن شعارا لها. بينما الجائزة الوطنية التشجيعية الأخيرة فقد حصل عليها يوسف المكاوي، الذي اختار الحياد في اللون والشكل معا، فكان الأبيض هو المهيمن الرئيسي باعتباره محايدا وأصلا لكل الألوان بجميع تدرجاتها، وكان المربع هو ما اعتمد عليه في تأثيث فسيفسائه بطريقة بارزة وحسابية تنطلق من الأسفل إلى الأعلى والعكس صحيح، مع إدراج مواد استوحاها من المعيش اليومي في بعده الوجودي كالملح والسكر والشمع، وعلاقة هذه المواد بطبقة معينة مكونة للنسيج الاجتماعي المغربي، حيث اقترنت هذه المواد الاستهلاكية بنمط عيشها وتفكيرها... وكذا استمراريتها، ليصبح عمله أيقونة تتخذ وظيفة ازدواجية تتأرجح بين الصباغة والنحت. وإذا كانت هذه الأعمال قد أحرزت على هذه الجوائز، فهذا لا ينفي عن الأعمال اللأخرى المشاركة أهميتها وقيمتها الإبداعية والفنية التي تستحقها من حيث البحث والاختلاف والتنوع...، كدليل على صدق ورغبة المبدعين الشباب في التأكيد على الاستمرارية والحضور.