يعرض الفنان التشكيلي عبد الحي الديوري أعماله برواق باب الرواح وبهو المكتبة الوطنية، من 26 أبريل إلى 18 ماي الجاري بالرباط، تحت عنوان «آر كلاش Art Clash»، بعد أول معرض شخصي له منذ ثماني سنوات، حيث عاد محملا بعدد من الأفكار والاقتراحات التي تحمل أسئلة آنية عن علاقة الإنسان بالتكنولوجيا من خلال تجهيزات كبيرة الحجم، تم توزيعها على مكان داخلي وآخر خارجي، كمحاولة لخلق حوار ثقافي اقتصادي واجتماعي، في علاقته بتأثير تطورات هذه التكنولوجيا على الحياة العامة، و يبرز كذلك أضرارها على حياة الإنسان في علاقته باليومي. تتكون أعمال الفنان الديوري من قطع وأيقونات تختلف في أحجامها وموادها، بطريقة تركيبية من الجزء للكل، فكان البعض منها عبارة عن أشلاء ورقاقات حواسيب، تمت إعادة تركيبها وفق نسق فني، ليغير الوظيفة التي فقدتها إلى تحفة فنية لها دلالات جمالية ومفاهيمية بحس خيالي، لا يخلو من إتقان على المستوى الحرفي في تعامله مع المواد المستعملة (الخشب، الرزينة، الحديد..)، فكان العمل في مجمله وحدة متجانسة مرئيا، يوحي بأفكار متداخلة تجعل المشاهد طرفا في تركيباتها ذهنيا، ليصل حسب مرجعيته للأسئلة المطروحة، من خلال وضعه وزاوية مشاهدته. الفنان الديوري لم يقتصر في عمله على البعد الحداثي في معالجته للفكرة المحورية، بل حاول اقتفاء البعد الرمزي في علاقته بالتراث، معتمدا على رسومات هندسية استمدها من التركيب الرياضي لفسيفساء العمارة التقليدية المغربية، وإدماجها ضمن نسق مغاير سنده الصحون المقعرة وانعكاس التقاطها للأشكال الهندسية على خلفيات من الخشب، لتصبح مرآة لظلال هذه الرسومات بطريقة مونوكرومية بالأسود والأبيض. فحضور الجزء الأعلى من جسد الإنسان في التركيبة الإجمالية لهذا التجهيز Installation، لا يعتبر تكميليا، بقدر ما هو نقطة تقاطع أساسية تلتقي فيها كل الأفكار التي يتضمنها، لذلك كان التركيز على الرأس، إحالة على التفكير والتأمل والحوار في مواجهة أضرار العولمة وما تعكسه من أشكال الاستلاب الثقافي والحضاري والتكنولوجي، حيث جعل الفنان من الإنسان أيقونة كونية محايدة وشاهدة على العصر بكل تحولاته، فكان حضورها باختلاف مواضعها وصلابة موادها وشفافيتها، نقطة التواصل والامتداد بين عدد من الأعمال التركيبية، مشيرا من خلال عرض صور فوتوغرافية إلى قوة الطبيعة وجمالية فضائها وإلى ضرورة العودة إليها والانعتاق من هيمنة وضغط التكنولوجيا، ليسجل عبد الحي الديوري من خلال هذا المعرض المتميز، حضوره كتشكيلي متعدد الاهتمامات والتقنيات، وليكسر حدود الأشكال التعبيرية الفنية.