امتهن الفنان مصطفى روملي(romli) التصوير الفوتوغرافي في سن مبكرة، محددا بذلك اتجاهه الفني: «الصورة لا يجب أن تكون استنساخية بقدر ما يجب أن تكون إعادة بناء لشيء ما». وهذا ما يفسر تلك اللمسة الساحرة كتمهيد أولي ليكسب العمل إحساسه الفني من خلال إخراج مشهدي مع اختيار دقيق للتقنية في علاقتها بالنتيجة النهائية المرغوبة. فأول معرض له كان سنة 1989 بوجدة تحت عنوان: «ظلال وأضواء» مما سوف يخول له أن يتميز من بين المشاركين في المهرجان العالمي الأول لفن التصوير الفوتوغرافي بالمغرب، ليلتحق بعد ذلك بمدينة الدارالبيضاء حيث سوف تبدأ رحلته الامتهانية سنة 1993 مع عدد من المجلات المغربية الاحترافية، ولهذه الأسباب قاده حدسه الفني لاكتشاف أغوار هذا الجنس التعبيري تبعا لاهتماماته وممارساته واحتكاكه بمشاهد من محيط اشتغاله اليومي كالإشهار بتعدد مشاربه بدءا بالأشياء وسحرها ثم الهندسة ومنظورها، مرورا بالموضة وقوامها، وصولا إلى مفاهمية اقتناص اللحظة المعبرة في علاقتها بالإنسان باختلاف وضعياته وأمكنته وأزمنته المختلفة والمتحولة تحت تأثير الضوء والظل. إن الفنان مصطفى روملي يعتبر قناصا بعين لاقطة للحظات عفوية وأخرى تركيبية يحيلنا فيها على أزمنة ماضية انطلاقا من مشاهد بالأبيض والأسود، بروح حداثية تؤكد أهمية التقنية وسلطتها على الزمن الحاضر، حيث يريد من خلالها إضفاء الشرعية التاريخية في علاقتها بالحاضر، بمعنى آخر يحاول أن يجرد الصورة من المفردات التزيينية التي يمكنها أن تحجب عيوبها، فهو يفصح بشكل واضح وشفاف عن السند، ليجعل من حيثيات الصورة بتفاصيل نتوءاتها وتركيباتها الضوئية المتجلية في الأبيض والأسود بتدرجاتهما أكثر موضوعية وأقرب إلى الواقعية، فآلة التصوير غالبا ما تكون في خدمة الموضوع في أعمال الفنان روملي ولا يمكن إلا أن تخضع لمتطلباته وسلطته في اقتناص وإيقاف اللحظات الزمنية المناسبة، وضمان استمرارية حياة الصورة إلى أجل غير محدد من خلال تركيباته الأخيرة التي جعلت منه في الأخير فنانا تشكيليا استعمل هذه الصورة وسيلة في حد ذاتها وليست هدفا محددا، وذلك باستخدامها كمادة محركة للعمل في بعده الاجمالي في علاقته بالفضاء، فكان تجهيزه الأخير( installation) الذي عرضه في السنة الماضية بالساحة المجاورة لمتحف (الملكة صوفيا) بمدريد والذي يعرض حاليا بأحد الأورقة (kir royal) المختصة في عرض الاعمال الفوتوغرافية بڤالينسيا بإسبانيا مع عدد من الفنانين المصورين المحترفين وسيلة للتواصل مع الآخر عبر صور شخصية للوجوه التي التقاها وأرخها خلال مساره لرجال الأعمال والصحافة ولعارضات الأزياء والفنانين والأدباء من شتى الأجناس التعبيرية بدلالاتها الرمزية وحضورها الفعلي في الثقافة المغربية، فإذا كانت هذه التجربة التي تحمل بصمة أصلية لصاحبها، فهي تتقاطع وتتزامن على مستوى اللاشعور الجمعي من حيث الشكل وليس الفكرة، مع تجربة الفنان المغربي آندري الباز الذي ملأ مجموعة من القارورات الزجاجية بقطع من الأوراق وجعلها خزانا لذاكرته من خلال مساحات مرسومة وملونة وأخرى مكتوبة... فالاختلاف بين التجربتين نستخلصه بدقة في عمل الفنان روملي من اشتغاله هو الآخر على قارورات زجاجية، لكن لأجل تعقيم عدد من الصور الفوتوغرافية السالفة الذكر لضمان سيرورتها وصلاحيتها والاحتفاظ بها وتصبيرها قدر الإمكان في غنى عن المواد الحافظة ليؤرخ للحظات أزلية جمع فيها شخصيات وطاقات بمشاربها ومعارفها على مستوى العرض لم يسبق لها أن اجتمعت فيما بينها في الحقيقة والواقع، وقد جعل من هذا العمل أيقونة تركيبية من الجزء للكل بطريقة حسابية اشتغل فيها على وحدات منفصلة ليكون بها قطعة موحدة تراتبية مشرقة تحت تأثير خلفية مضيئة جعلت من مجموع القارورات المعروضة مصابيح ساطعة لوجوه معبرة وفاعلة. شفيق الزكاري ڤالينسيا- اسبانيا في تاريخ 2012/01/25