بنيونس عميروش فوضى الحركية أو حركية الفوضى، هي السِّمة الشاملة المنبعثة من مجمل لوحات عبد العزيز أُصَالح التي يحتضنها رواق مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية بالرباط (ابتداء من ثاني نونبر 2012). على وقع شطحات اللمسات واللطخات يذوب اللون الخالص مثلما ينمحي الشكل الخالص. وحدها الضربات المنزلقة وما تُحدثه من تَبْقيع مادي، هي ما يشكل هذه المناظر الطبيعية المُتصحِّرة المبثوثة في جغرافية اللامرئي واللامتوقع، لتُقحمنا في مشهدية ذاتية مُقتطَفة من متخيل طري ومدعوم بنَفَس انفعالي مُحكم. عبر هذه التجريدية الغنائية lyrique القائمة على تلقائية مفرطة ومُوجَّهَة في آن، تتخذ التقنية نسقها التوليفي لاستخلاص التكوينات الزئبقية وحصرها من خلال التراكُب اللوني، الموصول بالإضافة والإعادة والتشطيب والمسح والخدش والحك والسَّيْل...عبر ذلك، تتواشج التقنيات المختلطة في تفاعل مع التراكُب المادي الخاضع للتغطية والإبقاء والتكامل. في فوضى الحركية، إذن، يَكْمُن ذلك النظام الباطن الذي يُهنْدِس خريطة وانخراط العناصر من جهة، ويُعدِّل أثَر مَجْرى حركية اليد والجسد معا. في هذه الخَلْطة الموسومة بعفوية ملحوظة، وبفعل استثمار الفراغات المُسْترسَلة عبر الألوان الرمادية les gris colorés، تتشكل تداعيات البياض بانعكاسات لمَّاعة تستعير فُرشة الغدير. في عتمة التضادات تبزغ تلك المادية الباعثة على لون الصدإ المعدني (البُنِّي الميال إلى الأسود بتدرجاتهما) الذي يوغِلنا في جوف البسيطة. كأن الأمر يتعلق بمُحاورَة رمزية بين التراب والماء، لاستشعار ما يترتب عن زواجهما السرمدي من عنفوان وإخصاب...الإخصاب الذي يعيدنا لتأمل فضاء اللوحة المُزْهِر بالمَجاري والأخاديد والسوائل المتدفقة والرشاشة... على عكس العناصر المنفلتة على الدوام (الشكل، اللون، المادة)، يبقى الخط ثابتا وقابلا للتحديد والاسْتِدْلال البَصَرِيَيْن ضمن مكونات اللوحة. فعبر حفرِه على سطوح المادة بدرجة محسوبة تقِلُّ فيها نسبة التلقائية، تتم عملية توازن العناصر بناءً على تركيب خفي ومحسوس. فيما يُضفي بُعدا غرافيكيا يفيد الوصال والترابط ويُخفِّف من سطوة الدينامية والتداعيات الهاربة والمارقة. في تنويع الأسناد (ورق، كرتون، قماش)، المقرون بتنويع التقنيات، يُمسي التصور الأسلوبي قابلا للإنجاز والتجريب الذي يُسْعِفُه التحكم الحِرفي ويُنَمِّيه. إنه التمكن القائم على مرجعية التكوين بالأساس (الباكالوريا التقنية: فنون تشكيلية وخريج مدرسة البيضاء العليا للفنون الجميلة والمركز التربوي الجهوي بمراكش). من ثمة، يمكننا تلَمُّس خلفية إنتاجية هذه التجريدية المُؤطرة بمعارفها (للتجريدية قواعدها، أكانت هندسية أو غنائية. وحين تكون مُفرغَة من معارفها التقنية خاصة، هي الأخرى كما التشخيصية لاتُبرِز إلا سذاجتها وفجاجتها). في هذه السلسلة الواعدة والمنسجمة، يؤكد عبد العزيز أُصالح، مرة أخرى، مقدرته الإبداعية في تثبيت هذه التعبيرية الذاتية المكثَّفة عبر مقاطع أرضية مُتخيلَة تُحاكي نُزوعه التُّرابي الذي يُضحي معه الرقص الحركي آلية لَعْبِية تدفع بالفيض إلى مداه، لكن بمعيارية تقويمية تنتصر لجمالية إقلالية مُفعمَة بأضواء الانزياح. تشكيلي وناقد فني