تعرض التشكيلية السلوفانية (ناتاشا نوفاك) آخر أعمالها، بقاعة (أماديوس) بالدار البيضاء تحت عنوان «الفتاة التي تسقط من السماء»، ابتداء من 7 فبراير إلى غاية 17 مارس 2013، ويعتبر هذا المعرض تتويجا لرحلتها ومغامرتها المستمرة على المستوى الإبداعي في الزمان والمكان، بحكم إقامتها بالمغرب منذ فترة، واحتكاكها بعدد من المبدعات والمبدعين المغاربة الذين شاركوها فرحة العرض في أكثر من مكان (أصيلة، الصويرة، الرباط...). والمعرض يتوج مسيرتها الفنية، في محاولة لخلق إمكانية حوار متبادل بين ثقافة مغايرة للمتلقي والمبدع على حد سواء. فعندما ترتبط الذاكرة بالإبداع، غالبا ما تمتح من لحظات جميلة بقيت راسخة في اللاشعور، لتصبح مكونا أساسيا فاعلا في تكوين شخصية المبدع، ومؤثرا باطنيا في توجيهه واهتماماته الشخصية، فتنعكس على بعض اختياراته الموضوعية لاحقا، لتتحول إلى عمل بمواصفات تخضع للشروط الإبداعية والفنية، وانطلاقا من هذه الفكرة استنبطت الفنانة التشكيلية السلوفانية (ناتاشا نوفاك) المقيمة بالمغرب حاليا، عوالمها المخيالية والفانطاستيكية استنادا لتربيتها وتكوينها، كان مصدرها الثقافة الشعبية التي تنتمي إليها بروح ورؤِية غربية تمتزج فيها الأسطورة بالحلم. تكتسي تجربة (نتاشا نوفاك) على المستوى الموضوعي، طابعا أنثويا بامتياز، جعلت من مرجعيتها الثقافية الشعبية المقروءة والمرئية سندا لأحلامها الطفولية ببراءتها وصدقها وحريتها وصفاء روحها، تعبيرا عن الجانب المشرق في كيانها، ووسيلة تعبيرية عن انتصار قوى الخير على الشر، بطريقة سردية تحيل المتلقي على الحكايات التي نسجتها الذاكرة الجماعية، والتي تحولت من ثقافة شفوية لأخرى مشهدية، من خلال كتب الأطفال (بيضاء الثلج والأقزام السبعة)، (أليس في بلاد العجائب)، (الجميلة الناعسة بالغابة)، (الحسناء والوحش)، وغيرها من القصص العجائبية، وبهذا تكون الفنانة (نتاشا) قد رسمت المعالم الجوهرية لمنظور اهتماماتها واشتغالها. ولكي تكتمل الرؤية لكل هذه التمثلات، جعلت الفنانة (نتاشا) من تقنيتها الغرافيكية معبرا جماليا، يلتقي في خطوطه وملونه بالفعل الصباغي، وذلك بتحديد الأشكال والوقوف عند تفاصيل تكويناتها، التي تعكس ازدواجية في القراءة التشكيلية لهذه التجربة، وما تثيرها من تساؤلات حول زوايا مشاهدتها لضبطها وتصنيفها. فنظرا لتكوينها الأكاديمي وعملها اليومي كمصممة غرافيكية، فإنها تستحضر هذه التقنية بأبعادها، لارتباطها بنوعية القضايا المطروحة التي تحيلنا على عوالم مستوحاة من المواضيع (الكارتونية)، لفتيات صغيرات نصفها آدمي وآخر حيواني برؤوس ووجوه كبيرة، وعيون واسعة وأجساد صغيرة، في لحظات متوهجة وأخرى حزينة، يحضر ويغيب فيها بين الفينة والأخرى المكان والزمان (زمان ومكان المشرق والمغرب). هؤلاء الفتيات اللائي اتخذن أوضاعا متباينة في العمل ضمن نسق حددته طريقة العرض، فتارة يتحولن إلى صور تذكارية، وتارة أخرى يصبحن سجينات قنينات شفافة... مما يضفي على العمل طابعا تركيبيا يجمع بين اللوحة بمفهومها التقليدي والأيقونة بمفهومها الحداثي. ولم تتوقف الفنانة (ناتاشا) عند حد الاشتغال على بعدين، بل تجاوزتهما لبعد ثالث، كامتداد لتجربتها الغرافيكية والصباغية معا، وذلك بإنجازها لعدد من (الدمى poupées) بطريقة يدوية يمتزج فيها الفني بالحرفي، معبرة بذلك عن مرحلة طفولية مبكرة تختزن عددا من الذكريات الجميلة المرتبطة بالحلم، مع استحضار غير مباشر لدور الأمومة ومدى ارتباطها وتأثيرها في التكوين الإجمالي لشخصية الفتاة.