قالت غيثة تريكي إن المعرض الجماعي المفتوح، الذي ينظم برواق إحدى المؤسسات المالية، يجمع 23 فنانا تشكيليا من المغرب وإفريقيا يشتغلون على تعبيرات مختلفة، وعلى اتجاهات فنية متنوعة. لوحة من أعمال الفنانة التشكيلية مارينا لواتشي من الغابون أوضحت غيثة تريكي أن هؤلاء المبدعين ينتمون إلى دول إفريقية مختلفة،منها المغرب، وتونس، والسينغال، والكونغو، والغابون، والكاميرون، وبوركينافاسو، والكوت ديفوار. وأبرزت الناقدة الجمالية، غيثة تريكي، أن بعض أعمال هؤلاء الفنانين في ملكية مؤسسة التجاري وفابنك، وتسعى المؤسسة من خلال هذا المعرض، الذي يحتفي بالفنان الإفريقي، والذي يحمل عنوان " نظرات إفريقية متقاطعة"، إلى مد الجسور بين عالم الاقتصاد وعالم الثقافة. وكتبت تريكي في كاتالوغ المعرض أن الهدف من وراء هذا الحدث الفني، هو إظهار الإبداع المعاصر ليس فقط لبلد إفريقي واحد، وإنما للقارة كلها. ما يميز هذا المعرض، حسب تريكي، أن نظراته تتقاطع وتجمع أعمالا بأشكال متعددة، منها الصباغة، والنحت، والتصوير الفوتوغرافي، والفيديو، والتنصيبات، كلها اشتغلت على خمس تيمات. وقالت إن الأمر لا يتعلق فقط، بالكتابة تشكيليا حول إفريقيا، أو بما قدمه هؤلاء الفنانون المبدعون، وإنما الهدف من هذا المعرض، تؤكد تريكي، هو رفع مختلف الإشكاليات المشتركة بين الهنا والهناك. وترى تريكي أن رهان المعرض يكمن في استنطاق الأعمال ومحاورتها، من أجل فن جمالي معاصر ، يبحث عن رموز تتجاوز قانون الحدود، وإشكالية اللغة، والاختلاف. إنها حساسيات بصرية، واتجاهات فنية وأساليب تشكيلية اجتمعت في هذا المعرض. من زاوية التشكيليين المغاربة، الذين أصبحت بعض أعمالهم في ملكية المؤسسة المالية، نذكر تمثيلا لا حصرا، لالة السعدي، ومهدي قطبي، وعبد الكبير ربيع، وحسن بورقية، وتيباري كنتور، ومنى شراط، وآخرين، إلى جانب فنانين تشكيليين أفارقة من ضمنهم مارينا لواتشي، وفيي ديبا، وعبدولاي كوناتي، وسعيدو ديكو... الزائر لمعرض " نظرات إفريقية متقاطعة"، يجد ذاته في عمق مشهد تشكيلي متنوع ومتعدد التيارات الجمالية، أي أن اللوحات المعروضة، تحيل وعلى نحو زاخم وثري، على التعددية، حيث الواحد في المتعدد والمتعدد في الواحد، تعددية ملحوظة في الانتسابات المدرسية والخصوصيات الأسلوبية، الشيء الذي يكشف عن تعدد أقانيم الإبداع التشكيلي المغربي والإفريقي، الذي رغم حداثة زمنه الإبداعي، فإنه يظل غير قابل للقياس بمعيار الزمن الكرونولوجي. هو منفتح على أزمنة متعددة، إذ ما إن تتوقف عند تجربة تشكيلية، إلا وتجد نفسك مترحلا في خرائط كونية وإنسانية لا يقاس فيها عمر الإبداع، أو تاريخه، بخطوة أو خطوتين، أو ثلاث، بل بارتيادات وهواجس ورؤى وتخيلات بعيدة المدى، لا ساحلية ولا ضفافية، فيها من رهان المغامرة ما يتجاوز إلى مسافات غورية، الحدود الضيقة لرهانات ذاتية أو ظرفية سياقية. من أصل المجموع العام للوحات المعروضة، بدا جليا أن أعمال حسن بورقية تحقق فعلا جماليا تحكمه نوازع الاجتهاد والدقة في التصور والحمولة الفنية، إذ حرص هذا الفنان المثقف على تأثيث فضاءات تصويرية متجددة الخصوبة البصرية، مفصحة عن بوح اختزالي وشذري عبر إيحاءات المادة وتداعيات الزمن. فهذا المبدع الذي يجرب أدواته باستمرار يقترح على أنظارنا كتابة تشكيلية جديدة تحتفي بأبجديات الصدأ ومقاومة الإثبات، في ضوء تعبير إيجازي يرتضي الاقتصاد في توظيف المواد غير الصباغية (فحم، قطع خشبية، أسلاك، حجر الشب، رماد، جير، مسامير، الزنك، ساعة، بيض، دقيق الأحجار، التراب...) على خلفيات عذرية تؤرخ لأزمنة الدمار والمحو والحريق. توحي اللوحات المعروضة بالرغبات في الحياة والولادات المتجددة، وهي تقتحم الأراضي المحروقة والمنفجرة. إن بورقية يدرك جيدا مدى فلسفة الحريق وجغرافيات النيران المنطفئة، فهو ينشد على طريقة القصائد الملحمية بلاغة الكيانات المتفحمة والصدئة، ويعيد صياغتها على امتداد فضاءات حالمة وفق لعبة الأشكال الاختزالية وقساوة مشاهد تخييلية تجعل بلغة بول كلي اللامرئي مرئيا. تمارس لوحات بورقية بإحساس مفرط سلطة بصرية على متلقيها الفعليين، فهي تنهض كمتاهات بصرية وكعوالم ممتدة بلا ضفاف. كل لوحة بمثابة شذرة تصويرية تنم عن قريحة هذا الفنان المعرفية والشعرية في آن معا. توحي كل لمسة غرافيكية بميلاد شيء أو بموته على شكل جدلي، فهي كناية عن حضور أو عن غياب. إنها، أيضا، جذر الظواهر الطبيعية والبشرية التي تشي بالبعد الخفي للوجود الإنساني في أبهى تجلياته. أعمال بورقية ضاربة في الزمن السحيق ومتجذرة في أماكن لا تعرف الهوية العمياء. ألا يجدر بنا، في هذا السياق المجازي، أن نتحدث مع الكاتب إدمون عمران المالح عن "التجاعيد"، التي يخلفها عبور الريشة، وهي تنساب مع صفاء القماش وسطحه الخام. في سياق الكتابات النقدية حول معرض "نظرات إفريقية متقاطعة"، كتب الناقد الجمالي والفني، فريد الزاهي، نصا في كاتالوغ المعرض نفسه، بعنوان" إفريقيا المبدعة.. من أجل جمالية عبر الصحراء"، نقتطف من فضائه ما يلي: "عشرة بلدان إفريقية، إلى جانب المغرب، انخرطت في حوار إبداعي، عمقه فنانون تشكيليون شباب، أو بتعبير آخر، عمقه هؤلاء المبدعون بجوارحهم وبكيانهم وبأحلامهم وأمانيهم. مستقبل يخضع للمد والجزر، الذي يجمع البلدان القريبة، تماما كما البعيدة"، مضيفا أن قوة إفريقيا وعظمتها تتمثل في غنى تجاربها التخييلية والفنية.