ثمة أكثر من مائة مرض مناعي ذاتي معروف، أغلبها أمراض جادة ومزمنة، تصيب أمراض المناعة الذاتية ما بين 7 إلى 10٪ من سكان العالم، وتعتبر السبب الثالث للمرض بعد أمراض القلب والشرايين والسرطانات. بل تستحوذ على المركز الثاني أو الثالث من تكلفة الإنفاق على الرعاية الصحية في معظم البلدان، نورد منها على سبيل الذكر: الروماتيزم الرثياني، والتهاب الفقار اللاصق، والداء الزلاقي٬ والذئبة الحمراء..الأخيرة التي تتعدد تسمياتها من القناع الأحمر إلى الذئبة الحمامية..الذئبة الحمراء انتشرت في الولاياتالمتحدةالأمريكية وجنوب شرق آسيا أكثر من بقية مناطق العالم، فنجد مثلا في أمريكا 3 ملايين مصاب بهذا المرض معظمهم من الأمريكيين السود، وكان للتقدم الكبير الذي حدث أخيرا، في الكيمياء البيولوجية الفضل في اكتشاف المرض ضمن مراحله الأولى، وحتى الآن لا يوجد سبب واضح لهذا المرض، ولكن تلعب العناصر الوراثية دورا هاما، إذ نجد أن نسبة الإصابة به بين التوائم الحقيقية مرتفعة عن المعدلات الطبيعية، كما نجد أن للظروف البيئية دورا رئيسيا، وأن الإصابة ببعض الفيروسات تساعد على ظهور مرض الذئبة الحمراء. يعود اسم الذئبة الحمراء إلى أوائل القرن العشرين وهو مشتق من اللغة اللاتينية ليصف الطفح الجلدي ولونه على وجه المريض،Lupus Erythmatosis والذي يذكر الطبيب بالعلامات البيضاء الموجودة على وجه الذئب. وللتعرف أكثر على المرض يقول الدكتور حاتم حمدي العيشي أستاذ الروماتيزم بكلية الطب جامعة القاهرة، إن مرض الذئبة الحمراء هو مرض مناعي، نسبة إصابة النساء به بالنسبة للرجال هي عشرة إلى واحد، وإمكانية الإصابة به واردة في أي سن، لكنها تحدث بشكل أكبر في صفوف النساء بين سن الخامسة عشرة والخامسة والأربعين، كما يتفاوت مرض الذئبة في شدته من فرد لآخر، ليكون هادئا عند البعض ويكون شديدا عند البعض الآخر، كذلك تتفاوت حالة المرض بعينه في الشخص نفسه من فترة لأخرى، من حالة نشاط بالمرض حيث تزداد الأعراض، إلى هدوء أو سكون شبه تام أحياناً، وتبعا لوضعية نشاط المرض يقوم الطبيب بتعديل جرعات العلاجات التي يتعاطاها المريض. مرض الذئبة الحمراء هو مرض منتشر بين أوساط مجتمعنا العربي وحتى المغربي، ويظل نتاج خلل بجهاز المناعة، بحيث يبدأ في معاملة بعض أنسجة الجسم كما لو أنها كانت ميكروب دخيل على الجسم، فيهاجمها بأجسام مضادة مما يحدث بها التهابا، وعن النصائح الموجهة للمرضى يؤكد الدكتور العيشي في هذا المضمار على ما يلي: - الغذاء: ليس هناك غذاء محدد لمرضى الذئبة الحمراء، ولكن يفضل أن يكون غذاء صحيا (قليل الدهون وكثير الفواكه والخضروات ومصحوب بكميات محدودة من اللحوم والأسماك)، وقد نحتاج إلى وضع بعض القيود على الطعام في بعض الحالات: عند وجود نشاط للمرض يجب أن يكون الغذاء عالي القيمة الغذائية، وفي حالة تعاطي جرعات عالية من الكورتيزون يفضل مراقبة الوزن باستمرار، وتراعى زيادة اللبن في الطعام والأدوية التي تحتوى على الكالسيوم (1000-1500مج يومياً)، و فيتامين د (400-800 وحدة يومياً)، وفي حالة وجود تورم في القدمين نتيجة التهاب بالكلى يجب تقليل الأملاح في الطعام، ولا تفضل الأعشاب والمكملات الغذائية. - الرياضة: التمارين المستمرة مطلوبة وفي حالات تهيج المرض واشتداد أعراضه، يوصى أيضاً بالحركة وعدم البقاء فترات طويلة في السرير. التطعيمات: ثمة توصية ببعض التطعيمات مثل مصل الأنفلونزا، ومصل الالتهاب الرئوي، وعلى العكس تمنع التطعيمات التي تحتوى على أجسام مضادة مثل الحصبة، الغدة النكفية، شلل الأطفال، خاصة أثناء تعاطي الكورتيزون. تمنع الأدوية التي تحتوى على السلفا والبنيسلين، أما بالنسبة لأقراص منع الحمل التي تحتوى على جرعات ضئيلة من الإستروجين فهى آمنة لمرضى الذئبة، ولكن يجب تجنبها لدى مرضى الرينود ومرضى الكلي والمرضى الذين لديهم زيادة في تجلط الدم. - الحمل: يلزم تجنب الحمل أثناء نشاط المرض، حيث تزداد معدلات حدوث الإجهاض، في حين أن نتائج الحمل تكون جيدة وبدون مضاعفات على صحة الأم والجنين، حينما يكون المرض تحت السيطرة على الأقل لمدة 6 شهور قبل حدوث حمل. على الرغم من أنه ليس هناك علاج نهائي لمرض الذئبة الحمراء، إلا أنه أصبحت هناك العديد من العقاقير التي يمكن أن تخمد نشاط المرض، وتحد من أعراضه ومن تأثيره على أجهزة الجسم المختلفة، وتقلل من نوبات حدوث نشاط بالمرض، وثمة أيضا علاج حسب العضو المصاب، إذ توجد الآن العديد من العقاقير التي تستخدم في علاج الذئبة الحمراء، وهي مضادات الالتهاب غير الاستيرودية، ومضادات الملاريا، والكورتيزون، والأدوية المثبطة للمناعة. مرض خارج أسوار الجغرافيا خلف كل جسد خامد حكاية، وخلف كل سطر جامد ثمة سطور نابضة لرواية من هنا ومن هناك، من وطننا الكبير وحتى من وطننا المغرب، سطور لا تقبل نقطة النهاية. فضلت أن تتواصل معنا باسم مستعار، كما مع المنتديات التي تلجها على الشبكة العنكبوتية، في محاولة لمعرفة جديد المرضى والمرض، الذي بسببه تحملت ثقل الديون وسافرت إلى مصر، ليعلمها الطبيب هناك بعدم فهم طبيعة مرضها، ما استدعاها العودة أدراجها إلى بلدها، ليخبرها الطبيب أيضا في اليمن الخبر نفسه، ما اضطر أخاها إلى مراسلة إحدى المستشفيات الأمريكية التي طلبت منها الإجابة عن عدد من الأسئلة، فثمة احتمال إصابتها بالذئبة الحمراء رغم سلامة الفحوصات، وهو ما تأكد بالفعل، لتختم كلامها لنا باتهام الأطباء العرب، الذين لا يعي معظمهم كيفية التعامل لا مع المريض ولا مع مرض اسمه الذئبة الحمراء. لم تختلف سلمى من السودان عن صديقتها، إلا في إعلانها لنا عن اسمها بكل شجاعة، وفي طريقة تعاملها مع المرض الذي أصابها منذ 2006، إذ بدت شعلة من الأمل تتحدى الألم، وهي تترأس مجموعات لتواصل المرضى أسستها على شبكات التواصل الاجتماعي، بغية فتح فضاء للحوار أرحب ومواكبة آخر مستجدات العلاج. في المغرب لم نجد الفارق الكبير بين المصابات اللائي تحدثنا معهن، ففي مستشفى عمومي بجناح الأمراض الباطنية الذي يختلط فيه مرضى العيون بمرضى الذئبة الحمراء بغيرهم في جو غير ملائم صحيا، حملنا أسئلتنا لتقابل أنظارنا في رحم المرض النادر، شابة عشرينية مثبتة على السرير بأنابيب مختلفة، بعدما هزمها المرض وفضحها أمام من حولها، بالاحمرار الشديد البالغ درجة التوهج على وجهها وحتى على مستوى العنق..مريضة تلازم السرير والى جانبها أمها التي اختصرت في كلماتها لنا، قصة ابنتها الحزينة مع المرض، سيما في غمرة قلة ذات اليد لمواجهة تكاليف المرض الباهظة. بخلاف زينب من المحمدية التي تبلغ 25 سنة، الفتاة تحملت الصعوبات المادية وتابعت العلاج لدى طبيبة في القطاع الخاص، لمواجهة الشبح الأحمر الذي قضى عليها منذ الطفولة، المرحلة التي أمضتها متنقلة من طبيب إلى آخر، تتوجع في صمت يكسره صخب انتشار المرض في جسدها الفتي، لتفقد بذلك حركتها نسبيا وشعرها، وتدخل في حالة عصبية شديدة، وتبدأ بالموازاة رحلة علاج مع دواء لا يباع في المغرب -حسب شهادتها- وتكلفته غالية جدا، زينب تطلب من المجتمع أن «يفهمها» لأنها رغم كل العقبات الصحية والمادية وعدم ظفرها بعمل تحدت وأكملت دراستها، وإن عدلت عن سبيل الزواج خوفا من تبعات المرض على أسرة المستقبل. أما صفية 26 سنة من الدارالبيضاء، فقد ألقت بمعاناتها المريرة مع الذئبة الحمراء جانبا، بعدما دمرت جسمها بالكامل لتتزوج دون تردد، مع الحرص في الآن ذاته على العلاج الذي ألهبتها تكاليفه، الشابة لم تخف امتعاضها من غلاء الأدوية التي منها ما ثمنه 450 درهما، وما ثمنه حتى 1632درهما..وصرختها المدوية في وجه المسؤوليين من أجل تزويد المرضى بالدواء المتوفر في المستشفيات والجمعيات، والذي وفق إفادتها يظل محتفظا به إلى أن يعطى بالزبونية أو إلى أن يفقد صلاحيته. تردف:»أشتغل في شركة خاصة مساعدة تجارية، ومضطرة أن أعمل لتغطية ثمن الأدوية والتحاليل، وأن لا أستفيد بالمقابل من خدمات التأمين الصحي، فلا أحد يعلم بإصابتي في العمل وإلا سيكون مآلي الطرد». بين الألم والأمل في مجال العقاقير والأدوية أشرعت هيئة الغذاء والدواء الأمريكية أبوابا أخرى للأمل، أمام مرضى الذئبة الحمراء الذين ظلوا يعتمدون في مقاومتهم للمرض على الأسبرين والكرورتيزونات والبلاكينيل لأكثر من 50 عامًا، إذ وافقت الهيئة أخيرًا على اعتماد دواء (بينليستا) الجديد في علاج هذا الداء الذي غالبًا ما يصيب ذوي البشرة السمراء أكثر من ذوي البشرة البيضاء، ويتسبب في تدمير جهاز المناعة لدى الإنسان، ويرى العلماء أن تعاطي الدواء يمكن أن يقلل من جرعة الكورتيزون، الذي يسبب زيادة الوزن وضعف العظام وغير ذلك من المضاعفات، وقدرت تكلفة العلاج بهذا العقار ب 35 ألف دولار سنويًا. وفي الجانب النفسي أطلق استشاري أمراض المفاصل في دبي الدكتور وليد الشحي، حملة توعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي «تويتر» وتطبيق الهواتف الذكية «واتس أب» لتغيير مصطلح مرض «الذئبة الحمراء» إلى «الفراشة الحمراء»، على أن يتم الأخذ به واعتماده من قبل كل أطباء المفاصل في العالم العربي. إذن تبعا لهذه التحركات والمعطيات والشهادات، يظل الذئبة الحمراء مرضا يستدعي أكثر من ذي قبل جهودا جهيدة للأطباء والدولة في المغرب والعالم، لمساعدة هؤلاء المرضى الذين يئنون في صمت، المرضى الذين ينتظرون فتح ذراع لاحتضانهم أو حتى يد.