تعتبر تربية أبناء هذا الجيل، المعادلة الأكثر صعوبة وتحدي أمام الوالدين في ضوء تعقيدات الحياة المعاصرة ومشكلاتها المختلفة التي أخذت تتصاعد وتلقي بظلالها الكئيبة على الإنسان، فبفضل كثرة المنابع الثقافية الجديدة من وسائل الإعلام والاتصال، أصبحنا نستقبل أفكار الأمم وثقافتهم، فالمؤثرات الإعلامية والتواصلية أصبحت لها الكلمة الأولى في تحديد أخلاق الأجيال وثقافتهم . والخطير في هذه القضية، هو حجم التأثير الكبير وسرعة التغيير الذي أحدثته هذه الوسائل الحديثة في مستوى الثقافة والأخلاق والسلوك والذوق العام، إلى درجة يفقد معها الوالدان القدرة على التفاهم مع أبنائهم، بل وربما لا يجدان الوقت لممارسة التوجيه والتربية ليس لانشغالهما، بل لأن أولادهم لا وقت لديهم لانشغالهم بالفضائيات أو الإنترنت. فكلنا يرى الركض اللاهث للآباء وراء تحصيل المعيشة على حساب تربية الناشئة وتحصينهم من موجات الإعلام غير الهادف، وفرض الرقابة على ما ينبغي أن يشاهد أو لا يشاهد . وفي الواقع فإن وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، فرضت نفسها على المجتمع المغربي ولا عجب في ذلك، ويبقى دورها إيجابي في مجال المعلومات والترفيه، إلا أن هذه الإيجابية ليست خالصة، بل يشوبها كثير من المضار، ويتجلى ذلك في قدرتها على إفساد سلوك الأبناء ودس الشر في نفوسهم من خلال الأفلام العنيفة والإباحية...ولهذا فهي مثل: السكين إما أن يستعمل في الأكل أو يستخدم في القتل، لذلك ليس مستغربا أن ينتاب بعض الآباء الشعور بالضعف والفشل أحيانا، لعدم إيجاد الأساليب المثالية لتربية جيل « آخر الزمان « كما يقال عنهم، فلم تعد محاولات الأسر لتأصيل القيم في الأبناء، هي الحلقة الأقوى من حيث التأثير، وهنا يحصل التصادم ما بين المحاربين القدامى من جيل الآباء والأمهات لما قبل الانفتاح الاجتماعي العالمي، وما بين الجيل الحالي الذي أصبح متقلب المزاج ومتمردا إلى حد كبير ومناهضا للأفكار والتربية القائمة على القمع والتخويف ويحضرني قول علي كرم الله وجهه «لا تكرهوا أولادكم على عادتكم فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم « فبمجرد أن تكلم أحد الوالدين وتسأله عن أبنائه حتى يبدأ بالشكوى والتذمر معترفا بأن تربية اليوم صعبة ومعقدة ، وهنا يبرز التساؤل؟ هل الخوف على الأبناء من الوقوع في المحظورات؟ وهل إكراه الأبناء على دراسات لا يرغبونها وإجبارهم على اعتناق أفكار لا يؤمنون بها أساليب مجدية؟ التربية السليمة اليوم تقتضي التشجيع على طرح الأفكار ومناقشتها والإقناع، فهذا الجيل على استعداد للتفاهم والتحاور، فقد يربي الوالد ويعطي المثال الطيب ويزرع الفضيلة، غير أن كل ذلك يذهب أدراج الرياح أمام ما نعيشه في زمن انتشر فيه الفساد الأخلاقي وساد فيه الانحراف والضياع بشتى أنواعه. ويبقى الحل أمام الآباء هو تقديم أحسن الاختيارات لأبنائهم ومنحهم الثقة بالجلوس معهم ومشاركتهم متعهم وهواياتهم، فكلما شاركنا بالمتع المباحة زاحمنا بها المتع غير المباحة، وهكذا نهبط معهم إلى معترك الحياة، لنقف معهم جنبا إلى جنب أمام اللغز الكبير الذي تطرحه معطيات العصر الحالي.. المصطفى يطو (مختص في علم النفس)