لمصلحة من يستمر كل هذا الاحتقان الذي تعرفه شوارع العاصمة الرباط، ويصنعه نساء ورجال تعليم، وجدوا أنفسهم في مواجهة عاصفة السيد رشيد بلمختار؟ أصل الحكاية، هي أن عددا من الأساتذة الحاملين لشواهد الإجازة والماستر وجدوا أنفسهم خارج الترقية عن طريق الشهادة، كما حدث مع عدد من زملائهم. وحينما اكتشفوا أن النقابات، التي يفترض أن تسوق ملفهم وتدافع عنه، اختارت أن تقف خلف وزارة القطاع وتدافع عن اختيارها رفض مطلب مشروع بالنظر إلى أن الترقية عن طريق الشهادة استفاد منها الكثيرون، لم يجدوا غير أن يؤسسوا تنسيقية تحمل ملفهم، ووجدوا أن أولى المعارك، هي خوض سلسلة من الاضرابات للتنبيه. أما الحكاية، فهي أن وزارة السيد بلمختار لم تجد صيغة للرد غير أن تبادر إلى الاقتطاع من أجور المضربين، تماما كما صنع محمد الوفا خلال مقامه في وزارة التربية الوطنية. وبذلك يكون الوزير الجديد، مثل سلفه، قد خرق ما يقول به دستور البلاد الذي يتحدث عن هذا الحق. ولأن حكومة السيد بنكيران بوزيريها في التربية والتعليم، في النسخة الأولى والثانية، لم تقو على إخراج قانون الإضراب إلى حيز الوجود، فإنها اختارت أقصر، الطرق وقررت أن تقتطع من أجور المضربين رغم هزالتها. أما حينما اكتشفت الحكومة أن معركة المضربين أكبر من مجرد اقتطاع، فقد دخلت فصلا آخر وهو الضرب والتنكيل، الذي كان ختامه علقما، وهو اعتقال عدد من هؤلاء الذين صدقوا أنهم أمام حكومة أفرزتها صناديق الاقتراع، وجاءت على اكتاف الربيع العربي، وبعد دستور جديد بني على أسس احترام القانون. وانتهت الحكاية، أو لنقل إنها لم تصل بعد فصلها الأخير، بقرار تفعيل الانقطاع عن العمل في حق المضربين، ما يعني أن وزراة التربية الوطنية وجدت أن أسهل الطرق، هي قطع أرزاق كل الذين يدافعون عن حق مشروع. وكأني بها تطبق شعار «كم حاجة قضيناها بتركها». لمصلحة من كل هذا الاحتقان؟ وهل وجد السيد رشيد بلمختار أن أسلم الطرق هي فتح النار على المضربين؟ ومتى كان رهان القوة، الذي اختارته الوزارة، ومن خلفها حكومة بنكيران، للتعاطي مع هذا الملف، حلا؟ حينما نتحدث اليوم عن إصلاح منظومة التربية والتعليم، لا يجب أن نسقط من حساباتنا شقا أساسيا اسمه «مهنة التدريس». ومنهة التدريس، المرتبطة بالأطر التي تقع على كاهلها مسؤولية تعليم النشئ، تحتاج بالإضافة إلى التكوين والتأطير، للاهتمام والعناية على مستوى الأجور والتحفيزات، وعلى مستوى شروط استقبال التلاميذ في حجرات صالحة، وبأدوات ديداكتيكية حديثة. اليوم، لا أحد يمكن أن ينكر أن الكثير من شروط العمل مازالت غير مريحة على مستوى الحجرات، وعلى مستوى المرافق الصحية، التي تكاد تغيب في الكثير من المؤسسات، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالعالم القروي. ولذلك كان تقرير للوزير الأسبق أحمد أخشيشن قد قال إن نسبة كبيرة من الهدر المدرسي الذي تتعرض له الفتاة على الخصوص، يكون بسبب غياب مرافق صحية داخل فضاء المدرسة. وما يعانيه التليمذ، هو بالضرورة ما يعانيه المدرس. زد على ذلك أن غياب وسائل نقل قارة وكافية ومحترمة تنقل هيئة التدريس إلى مقرات عملها، هو الأصل. وأمام كل هذه الإكراهات، تنضاف اليوم إكراهات التحفيز والإجهاض على الحقوق المكتسبة. هل تساءل الوزير اليوم عن نفسية هؤلاء المضربين الذين تعرضوا للتنكيل والاعتقال، ثم التهديد بطرهم من عملهم ليصبحوا في عداد العاطلين، كيف يمكن أن ننتظر منهم غدا مردودا أفضل، ونحلم معهم بتحقيق الجودة التي تطاردها المدرسة المغربية منذ سنوات. إصلاح منظومة التربية والتعليم لا بد أن ينطلق من مثل هذه القضايا التي يرى المسؤولون أنها بسيطة، في الوقت الذي يصنفها أهل الدار في خانة القضايا الجوهرية والمصيرية. إنها قضية حق لا بد أن ينتزع مهما كلف صاحبه من ثمن. بقي فقط أن نذكر أن المعركة متواصلة، وأن الحكاية قد تنتهي، لا قدر الله، إلى ما لا تحمد عقباه. والحكمة، تفرض في وزير القطاع أن يدخل على الخط لنزع فتيل هذا الاحتقان، ولكي يعود هؤلاء المضربون إلى حجرات درسهم. فالآلاف من تلامذتهم هم في الانتظار.