بين هدوء رشيد بلمختار، الذي يتحول أحيانا إلى ما يشبه البرود، وشغب محمد الوفا، قد تضيع كل ملامح إصلاح المدرسة المغربية. بالأمس، جاء الوفا ليلغي الكثير مما جاء به المخطط الاستعجالي من مشاريع كلفت خزينة الدولة أكثر من أربعين مليار درهم. ومنها ما يتعلق بالتجهيزات وبطرق التدريس. واختار، من بين ما يجب أن يلغى، أن يمنع وسائل الإعلام من حضور أشغال مجالس الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين بدون مبرر مقنع، فقط لأن الوزير قال إن أشغال هذه المؤسسات التي تعنى بقضايا التربية والتعليم على المستوى الجهوي، وتنعم بموارد مالية محترمة، يجب أن تظل في السر. والحصيلة هي أن الاحتجاجات ظلت ترافق الوزير في كل مجلس أكاديمية يحضره. وبدلا من أن يتابع الرأي العام ما الذي أنجزته الأكاديمية الجهوية، أية أكاديمية، ظللنا نتابع الوقفات الاحتجاجية التي دخلها رجال الإعلام ضدا على قرار جائر لا يتماشى ودور المدرسة في إشعاع التواصل. واليوم حينما حل بين ظهرانينا رشيد بلمختار وزيرا لقطاع التربية والتعليم، لا أحد اعتقد أنه سيختار نفس السبيل، وهو يقرر منع وسائل الإعلام من متابعة أشغال بعض المجالس الجهوية التي انعقدت على عهده. هل نحن في حاجة للتذكير بقيمة وأهمية الإعلام الذي يقوم بمهامه في إيصال المعلومة إلى الرأي العام، خصوصا وأن الأمر يعني قضايا المدرسة المغربية التي تهم كل الأسر المغربية. وهل يجب أن نذكر أن الدستور الجديد حث على قيمة المعلومة، وقال إنها يجب أن تصبح حقا لجميع المغاربة. هذا الحق الذي يساهم بعض وزراء الحكومة في اعتباره منة أو ترفا، يجب أن يكون آخر ما يفكر فيه. وهل غاب عن رشيد بلمختار أن الاتصال والتواصل يشكل اليوم أهم حلقة في منظومة المؤسسات العامة والخاصة على السواء. إنه حلقة الوصل بين ما تنجزه هذه المؤسسات، وبين الرأي العام، الذي يشكل الفئة المستهدفة. وفي قطاع اجتماعي وحساس ويعني كل الأسر كقطاع التربية والتعليم، يصبح التواصل ضروريا للتعريف أولا بما يتم إنجازه في القطاع مركزيا وجهويا ومحليا، وللوقوف ثانيا عند الاختلالات التي يمكن أن تعترض المسار لتصحيحها، في أفق تحقيق الهدف الأكبر اليوم وهو تقديم منتوج تعليمي تربوي ذي جودة، كما هو رهان المدرسة اليوم. بماذا يمكن أن يؤثر وجود رجل إعلام بداخل قاعة مجلس جهوي للتربية والتكوين يناقش ما الذي أنجزه، وما الذي أخفق فيه. ويعرض بالكثير من الشفافية والوضوح لميزانيته السنوية لكي يعرف الرأي العام المستقبل الذي ينتظر فلذات الأكباد. كان يعاب على محمد الوفا أنه ظل وزيرا مشاغبا في قطاع يحتاج للكثير من الهدوء. ومع رشيد بلمختار، وجدنا أن الرجل هادئ حد المبالغة، في الوقت الذي تتراكم فيه ملفات التربية والتعليم التي تفرض السرعة في الإصلاح. لذلك انتظرنا أن تمتد يده الإصلاحية لتشمل بعض البؤر التي تركها الوفا سوداء، ومنها حكاية هذا المنع الذي طال الإعلام الوطني لكي لا يتابع أشغال مؤسسات، قال القانون المحدث لها، إنها يجب أن تعنى بواقع ومستقبل المدرسة المغربية في الجهات، بدلا من أن يختار نفس الطريق التي سلكها سلفه. بقي فقط أن نذكر أن السيد رشيد بلمختار غرق منذ جاء لوزارة التربية والتعليم في الكثير من النوستالجيا، لدرجة سماه بعض الظرفاء ب»دونكيشوط» حكومة بنكيران، لأنه قال إن المدرسة المغربية تغيرت كثيرا، وتمنى لو يعود الزمن إلى الوراء لكي نعيش نفس ما عشناه في الماضي. هل نسي السيد بلمختار أنه بين زمن استوزاره الأول واستوزاره الحالي، تكون قد تعاقبت أجيال وأجيال، وتغيرت عقليات، وهجمت وسائل إعلام حديثة أخذت بلب وعقل أهل التربية والتعليم؟ المطلوب اليوم هو إصلاح الاختلالات بمنطق الحاضر وليس بعقيلة النوستالجيا.