حينما نقرأ «فنجان» الموسم الدّراسي، الذي نودعه بعد أيام، لا بد أن نتوقف مليّا عند محطات جعلت منه موسما حارقا على أكثرَ من مستوى.. موسم تحرك فيه الوزير في كل اتجاه، وارتكب في سيره الكثير من «حوادث السير»، التي كاد بعضها أن يكون مميتا.. وفي الوقت الذي يشهد الكثير من المتتبعين أنّ السيد الوفا ظلّ يتحرّك بالكثير من حسن النية وهو يفتح الملفات ويضع التصورات، لم يكن محيطه ولا بطانته يحملن الهمّ نفسَه، ولذلك كثيرا ما سقط في المحظور. اليوم، حينما يعود الوزير إلى نفسه، وتعود أسرة التربية والتعليم إلى ذاتها لترى ما الذي أنجِز، وما الذي سقط في الطريق، لا بدّ أن يقفز ملف منهجية التعليم المعمول به في مدارسنا إلى السطح. فمنذ تقرر القطع مع الادماج، ظلت مدرسنا «تائهة»، لا تعرف ما تُقدِّم ولا ما تُؤخر.. والحصيلة هي أنّ كل مدرّس يشتغل بما يراه مُناسبا لتلامذته. ومنذ قال الوزير إنه ضدّ مذكرة التدبير الزّمني التي كان معمولا بها، راحت كل مدرسة تشتغل كما يحول لها، سواء أكان تدبير زمنها يتوافق مع محيطها أو لم يكن.. والحصيلة هي أنّ الارتجال أصبح هو العنوان الأكبر لهذا الملف، الذي شكّل واحدا من مشاريع المخطط الاستعجالي لإصلاح التعليم. وحينما نسترجع ما عاشته المدرسة المغربية خلال موسم دراسي، لا بدّ أن نتوقف عند حكاية تلك اللوائح التي نشرها الوزير هنا وهناك. وهي لوائح شكلت مادة إعلامية دسمة أكثر مما أصلحتْ حال المدرسة المغربية.. ومن السكنيات الوظيفية، التي سكت عنها الوزير بعد أن وجد نفسه في عش الدبابير، إلى لوائح من سماهم «أشباحا» دون أن يتخذ في حقهم ما تفرضه القوانين من عقوبات، إلى المُتفرّغين مع جمعيات المجتمع المدني، ومنها جمعيات لم يعد لها وجود إلا في مخيلة البعض.. عشنا مسلسلا لم يُصحّح اختلالات المدرسة المغربية بقدْر ما أحدث ضجيجا أشبهَ بتلك الجعجعة التي لا تعطي طحينا.. وزاد الوضعَ قتامة أنّ وزارة السيد الوفا نجحت، لأول مرة، في فرض سياسة الاقتطاع من أجور المُضربين، الذين وجدوا أنفسهم أمام وضع سورياليّ: كيف تفعّل الحكومة قرار الاقتطاع دون أن تُخرِج إلى الوجود قانون الإضراب؟.. ورغم كل البلاغات والوقفات والاحتجاجات، لم تتراجع حكومة السيد بنكيران عن موقفها، ووجد نساء ورجال التعليم أنه يجب عليهم أن يؤدّوا من جيوبهم واجبَ كل يوم من الإضراب.. أما النقابات، بما فيها تلك التي تقدّم نفسَها على أنها هي الأكثر تمثيلية، فقد فضّلت الهروب إلى الأمام، بعد أن اشتدّ عليها الخناق، أو نجح الوزير في جرّها إلى ملعبه، تارة بالترهيب، وأخرى بالترغيب. والحصيلة هي أنّ المدرسة المغربية لم تتجاوز أخطاءها، وظلت تعيش على إيقاع الغضب الصّامت.. أما ما زاد طين القطاع بلة فهو حكاية الحركة الانتقالية، التي اختار الوزير أن تكون بصيغة جديدة، قوامها الشفافية، حيث يفترَض في المترشح أن يملأ استمارة المشاركة على شبكة الأنترنت.. كانت الخلفية سليمة، لكنّ أدوات تفعيلها لم تتحقق. وضاعت بالتالي الكثيرُ من حقوق أولئك الذين وجدوا أنفسَهم في قمّة جبل لا يصله صبيب الأنترتت، أو داخل مدرسة لا تزال «تحلم» بالرّبط بهذه الشبكة العنكبوتية.. أما الأخطاء المادية فقد شكلت «حدَثَ» هذه الحركة. لذلك يخشى الكثيرون أن تضيع حقوقهم في هذه المحطة، بعد أن تنشر اللوائح، رغم أنّ الوزير يتحدّث -هنا وهناك- عن أنه لن يرضخ لرغبات أحد. أما ختام هذا الموسم الدراسي فلم يكن مِسكاً.. لقد عشنا لحظات عصيبة مع المعركة التي خاضتها وزارة التربية الوطنية ضدّ ظاهرة الغش، التي تكاد تصبح القاعدة في كل الامتحانات الإشهادية، وتحديدا امتحانات الباكالوريا، في الوقت الذي أصبح الاعتماد على الذات «استثناء»!.. ورغم أنّ وزارة التربية الوطنية، ومعها الحكومة، تعرف جيّدا أنّ محاربة الظاهرة، التي أصبحت توظف أدوات حديثة، لا تتحقق بالأدوات التقليدية، فإنها لا تريد الحسم في الأمر. بقيّ فقط أن نتساءل: هل سيظلّ محمد الوفا شبيها ببطل رواية «دون كيشوت ذي لا مانشطا»، الذي يطارد الطواحين؟!