في كل محطة يفاجئنا وزير التربية الوطنية بخرجة من خرجاته الغريبة.. وفي كل محطة، هناك لائحة من لوائحه، التي أصبح نساء ورجال التعليم يصفونها بفقاعات الصابون، أو هي أشبهُ بتلك الجعجعة التي لا تترك خلفها طحينا. لقد عشنا مع لائحة من سماهم الوزير «الأشباح»، قبل أن يكتشف أن مصالحه لم تضبط العملية ويعترف بالخطأ.. وعشنا مع لائحة الملحقين بالجمعيات والهيئات دون أن يقوى الوزير على الاقتراب منهم رغم كل الكلام الكبير الذي يطلقه بين الفينة والأخرى. وعشنا، قبل ذلك، مع حكاية السكنيات الوظيفية، لنجد أن بعض اللذين طلعوا في لائحة الوفا قد تمت ترقيتهم مدراء أكاديميات، في الوقت الذي كان يجب أن يقول فيهم القضاء كلمته.. واليوم، تأتينا المفاجأة الكبرى: إنّ الوزير يريد أن ينشر لائحة نساء ورجال التعليم الذين يشتغلون في الإعلام المكتوب والمسموع والإلكتروني!.. وكان لا بد أن يطرح السؤال كبيرا عن «التهمة» التي فكّر فيها الوزير لهذه الفئة.. لن نستبق الأحداث ونقول إنّ الرجل يريد أن يلعب بالنار إذا فكر في صيغة لتكميم أفواه هذه الفئة. ولكن نستطيع أن ننبّه السيد محمد الوفا إلى أنه كان يجب أن يفخر ويعتزّ أمام زملائه في حكومة عبد الإله بنكيران، بوجود نساء ورجال تعليم يفكرون ويكتبون وينشرون، ويصنعون بالتالي رأيا عامّاً.. كما عليه أن يدرك أنّ الإعلام المغربي، بكل تلاوينه، ظل يعتمد بنسبة كبيرة على هذه الفئة، التي تحكم عليها مهامها في التربية والتعليمية أن تكون متتبعة ومواكبة للشأن الإعلامي. وللتنبيه فقط، فإنّ دروس اللغتين العربية والفرنسية والفلسفة والاجتماعيات تعتمد اليوم على ما يعرف بالسؤال المقالي.. والسؤال المقالي يتطلب معرفة دقيقة بالأجناس الصحافية، من تقرير واستطلاع وتحقيق، وبالكتابة الصّحافية وشروطها. لذلك كان على الوزير أن يفخر بصحافيي قطاع التربية والتعليم، إلا إذا كان ما يُنشَر حول القطاع وحول اختلالاته هو ما حرّكه.. وما دام الشيء بالشيء يذكر، فلا بد أن نتساءل لماذا يخشى الوزير أن يُنشَر غسيل القطاع وهو يعترف أنه مختلّ وفي حاجة لإلى الإصلاح، إذا كانت مقالات نساء ورجال التعليم، العارفين بالبيت الداخلي، تساهم في أولى خطوات الإصلاح؟ ثم ألا يعرف السيد الوفا أنّ نساء ورجال التعليم الذين يشتغلون في الإعلام متواجدون في الصحافة الرياضية والسياسية والثقافية والفكرية وفي المجتمع والاقتصاد أيضا.. إلا إذا كانت مراسلة الوزير، والتي وصلت بشكل سرّي إلى النواب ومديري الأكاديميات الجهوية، ستستثني هؤلاء وتسلط الضوء فقط على أولئك الذين ينشرون غسيل التربية والتعليم على بياض الصّحف.. لا نملك، أمام هذا الوضع الكاريكاتوري، والذي يحق لنا أن نصفه ب«الوضع المضحك»، وإنْ كان ضحكا كالبكاء، كما يقول شيخنا المتنبي، إلا أن نقترح على السيد الوزير أن يبحث عن صيغة في القانون المنظم لوظيفة التربية والتعليم، يمنع بموجبها المنتمين إليها من ممارسة الصّحافة والكتابة والفكر والفنّ.. وبذلك يستطيع أن «يصلح» القطاع ويُخرس الألسُن، ويصنع منا جميعا قطيعا يُشبه بعضنا البعض. أما الصيغة المثلى للقطع مع كل هؤلاء الذين «يشوشون» على الوزير فهي أن يصدر في حقهم قرارات التوبيخ والتنبيه، بعد أن يجيبوا عن استفسار غريب مفاده، وعلى صيغة الاستفسارت التي تصل نساء ورجال التعليم: «بلغني أنك نشرتَ مقالا حول قطاع تنتمي إليه، والمطلوب منك الجواب عن سر ذلك، وعن الحسابات التي تريد أن تصفّيها مع وزير القطاع؟.. وإذا لم يكن الجواب معللا، فإنّ الاقتطاع سيطال أجرتك في نهاية الشهر.. أو أنك ستتعرض لانتقال تأديبيّ. هي لائحة جديدة من لوائح السيد الوزير، لكنها حتما لا تشبه بقية اللوائح. بقي فقط أن نقول إنّ قفشات الوفا لم تعد تغري بالمتابعة، لذلك لن تشغلنا اللائحة الجديدة عن النبش في قضايا التربية والتعليم، بحسن نية وبدون خلفيات ولا تصفية حساب.