قدم محمد الوفا، حينما وضع حقيبة التربية والتعليم بين يديه في حكومة بنكيران، جملة من الوعود الوردية التي اعتبرها المتتبعون مجرد أحلام تحتاج إلى صبر أيوب لتصبح أمرا واقعا. ومن أكبر الأماني، التي صفق لها نساء ورجال التعليم، ما يتعلق بالوضع الجديد الذي يجب أن يكون عليه حال هذه الفئة من الموظفين وفق نظام أساسي بديل يحترم كل تخصص من تخصصات القطاع، من مفتشين، ومديرين، ومدرسين، وأطر التخطيط والتوجيه، وغيرهم ممن يكونون قبيلة قطاع حساس اسمة التربية والتعليم. اليوم، يتداول المتتبعون ما الذي توافقت بشأنه وزارة الوفا مع المديرين، الذين ظلوا لسنوات يخوضون معاركهم من أجل قضية واحدة اسمها الإطار. لقد ظل هؤلاء منذ سنوات يقومون بمهام إدارة المؤسسات التعليمية دون أن يكون لهم إطار يحدد ما لهم وما عليهم. إنهم مجرد أساتذة يقومون بمهام إدارية، ما يعني أنهم يشتغلون تحت رحمة نواب الوزارة أو مدراء الأكاديميات. وكثيرا ما تم إعفاء مدير من مهامه فقط لأنه دخل في خلاف مع نائب أو مدير. اليوم تقول الأخبار أن الإطار الجديد الذي ارتضاه الوفا لهذه الفئة، هو أن مدير المؤسسة أصبح «مفتشا إداريا»، بكل الامتيازات الإدارية والمالية التي توفرها هذه الصفة. واليوم، يمكن أن نعلق، بالكثير من الكاريكاتورية، على أن تلك الجمعية الوطنية التي كانت تجمع هذه الفئة يجب أن تحل هياكلها لأنها حققت الهدف من وجودها. لكن بداخل المؤسسات التعليمية لا يوجد المديرون فقط؟ وتحديدا في الإعداديات والثانويات، توجد فئة أخرى تشتغل في صمت وتقوم بالكثير من المهام بعضها خارج الاختصاص، هي فئة الحراس العامين والنظار ومسيرو الأشغال. أي صفة ستحملها هذه الفئة في تصور الوزارة؟ لقد جمعت هذه الفئة شملها في إطار جمعية وطنية، على نفس النهج الذي سبق للمديرين أن ساروا عليه، وخاضت سلسلة من الحركات الاحتجاجية، بعضها قادم. وأمام صمت الوزارة، التي لا تزال رغم كل هذه التغيرات التي حدثت، تعتمد منطق «دعه يضرب»، أو تبادر لأقصر الطرق وهي الاقتطاع من أجور المضربين، يهدد الحراس العامون والنظار بمقاطعة الامتحانات الإشهادية التي تنطلق في شهر يونيو مع الباكالوريا، والامتحانات الجهوية، وامتحانات نهاية السلك الإعدادي. إنها خطوة خطيرة، وليست بالأمر الهين الذي يجب على السيد الوفا أن يتعامل معه بسياسة النعامة، التي تخفي رأسها في الرمل في انتظار أن تمر العاصفة. العاصفة هنا لن تمر دون أن تقتلع في طريقها الجذور والغصون والأشجار. لأن مقاطعة الامتحانات الإشهادية، تعني الدخول في سنة دراسية بيضاء. بالأمس القريب عارك الوزير أحمد اخشيشن في نهاية الموسم الدراسي لإنقاذ السنة من البياض، بعد أن امتدت أيام الإضرابات لتقتطع من حصص الدروس، وتدفع بالتلاميذ إلى الباب المسدود. واليوم يمكن لهذه الحركة، التي ينظر إليها على أنها معزولة، أن تعيدنا إلى البياض، الذي لن يكون بردا وسلاما على التلاميذ وأولياء أمورهم، وعلى وزير القطاع أيضا. في كل المعارك التي خاضها محمد الوفا منذ «الكفايات»، ومدارس التفوق، وتدبير الزمن المدرسي، والسكنيات، وصولا إلى «الأشباح»، وما رافق ذلك من قفشات مراكشية، كان الوزير يتحرك بالكثير من الهمة والنشاط. لكنه لم يكن يحترم السرعة المحددة في هذا الطريق السيار المليء بالمنعرجات. لذلك ارتكب حوادث سير بالجملة. اليوم، مع هذه الأجواء التي قد تؤدي إلى سنة بيضاء، سواء مع حركة الحراس العامين والنظار، أو مع هذه التسخينات التي دخلتها النقابات التعليمية الغاضبة من اقتطاعات الإضراب، الخوف كل الخوف هو أن تصبح حوادث سير الوفا، مميتة.