أسدل الستار عن واحدة من اللحظات الصعبة التي عاشها نساء ورجال التعليم في نهاية هذا الموسم الدراسي، وهي لحظة المشاركة في سباق الحركة الانتقالية. ويعرف المشتغلون في القطاع ما الذي تمثله هذه المرحلة في حياتهم، لأنها تعني بالنسبة إلى الكثيرين تحسين ظروف عيشهم والهروب من تلك المناطق شبه المهجورة وتلك التي يصطلح عليها بالنائية.. وكلما كانت ظروف الاشتغال أفضل نجح المدرّس في القيام بما يفرضه عليه واجبه المهنيّ في التربية والتعليم. غير أنّ الظروف التي مرت فيها هذه الحركة تركت الكثير من الندوب والخدوش في جسم هيئة التدريس، هنا وهناك. ولا غرابة أن تطْلع علينا اليوم الأخبار عن أولئك الذين ملؤوا الاستمارات وهم عزاب، ليجدوا أنفسهم متزوجين أو أرامل!.. أو ملؤوا الاستمارات ذكورا لتطلع عليهم النتائج وقد أصبحوا «إناثا».. بل الأغرب والمثير للسخرية هو أنّ أستاذة أحصت نقطها بعد أن ملأت استمارة المشاركة في الحركة الانتقالية لتنزل من أعلى الجبل إلى السّفح، الذي حلمت به منذ التحقت بوزارة التربية والتعليم وهي في عز شبابها، لتجد نفسها تتوفر على قرابة التسعة آلاف نقطة.. ولم يجد الكثيرون من صيغة للتعليق على مثل هذا «الخطأ القاتل»، وهو مجرّد نموذج ليس إلا، غير أن يقولوا إنّ هذه المُدرّسة تستحق بكل هذا التنقيط الذي تتوفر عليه أن تكون وزيرة للتربية والتعليم، بدلا من السّيد محمد الوفا.. لقد أرادت وزارة التربية الوطنية بهذا الإجراء، الذي اختارته بشأن الحركة الانتقالية لهذه السنة، أن تفعّل ما يكفي من الشفافية والنزاهة في ملف ظلّ يترك خلفه الكثير من الضحايا.. لذلك أرادت أن يكون الحَكم في نهاية الأمر هو الحاسوب، بعد أن تضخّ فيه كل المعطيات المتعلقة بالمترشّح وفق نموذج خاص. لكنّ وزارة السيد الوفا لم تدرك أنّ هذه الخطوة كانت في حاجة إلى خطوات سابقة لتعطي النتائج المرجوة. وأولى الخطوات التي احتاجها هذا الملف هي تعميم شبكات الأنترنت على كل المؤسسات التعليمية في السّهل وفي الجبل.. وإخضاع كل مدراء المؤسسات التعليمية لدورات تدريبية في عالم الاأنترنت للتعامل مع وضع اسثتنائيّ كهذا، بدلا من ترك نساء ورجال التعليم «تائهين» يبحثون عن مقاهي الأنترنت من أجل تعبئة استمارة تعني مستقبلهم الأسَريًَّ والمهنيّ أيضا. كانت خلفية القرار جيدة لأنها راهنت على تفعيل ما يكفي من الشفافية في ملف حسّاس. لكنها كانت في حاجة إلى أدوات عمل ضرورية لتعطي مفعولها الإيجابيّ، بدلا من هذا الوضع الذي لا بُدّ أن يترك خلفه الكثير من الضحايا، رغم ما قيل هنا وهناك عن إصلاح الأخطاء وإعطاء مزيد من الوقت لتفادي الاختلالات. لقد كشفت هذه العملية كيف أنّ قاعدة المعطيات التي تعني الموارد البشرية في قطاع التربية والتعليم، الذي يضمّ ثلثي موظفي الدولة، في حاجة إلى إصلاحات جوهرية حاسمة لأنّ ذلك هو ما يترك المجال لبعض الذين «يلعبون بذيولهم» في قضايا الحركات الانتقالية وقضايا الترقية، بكل أصنافها. ففي الأمس القريب تفجّرت فضيحة تلك اللوائح، التي سماها الوزير «لوائح الأشباح»، بالاعتماد على قاعدة معطيات مغلوطة أو غير مُحيَّنة، والحصيلة هي أن عددا من نساء ورجال التعليم الذين يتفانون في عملهم وجدوا أنفسَهم «أشباحا»، طلب منهم أن يُصحّحوا وضعياتهم لدى مصالح النيابات والأكاديميات الجهوية. والطريف هو أنّ لائحة الوفا نشرت وقتها أسماء مدرّسي ومدرّسات مَدرسة بكاملها اعتبرت «شبحا» في غفلة من المعنيين بالأمر.. ما يتمناه الكثيرون اليوم هو أن تأخذ مصالح وزارة التربية الوطنية كل الاختلالات التي حدثت مأخذ الجد لكي لا تضيع مصالح الكثيرين ممن خذلهم الحاسوب. ولن نفاجَأ غدا بأن تتأسس جمعيات وتنسيقيات للدفاع عن المُتضرّرين من الحركة الانتقالية، التي لا بد أن تترك خلفها الكثير من الضحايا. بقيّ فقط أن نذكر أن جلّ النقابات التعليمية، التي كان يُفترَض فيها أن تقف في وجه قرار لم تتوفر كل كل شروط النجاح، اختارت الهروب إلى الأمام، بعد أن عرَف الوزير كيف «يشتري صمتها»..