سرق جمهور الرجاء الفرجة من جامع الفنا في ليلة رقص فيها المغاربة إلى الساعات الأولى من الصباح دون كلل. مساء الأربعاء، حيث واجه الرجاء فريق أتلتيكو مينيرو البرازيلي كان كل شئ يوحي بأنه ستكون ليلة استثنائية. فمنذ ساعات الصباح الاولى من يوم الأربعاء بدأت السيارات المزينة بالألوان البيضاء والخضراء وأخرى باللونين الأبيض والأسود تتخذ طريقا واحدا، وبالضبط إلى مدينة مراكش. استقل جمهور غفير حافلات النقل العمومي والقطار، بينما فضل آخرون التوجه إلى مراكش بواسطة سياراتهم الخاصة، أما من لم تتأت له الفرصة فقد ركب سيارة نقل البضائع، حيث ينشط هذا النوع «النقل السري» مقابل 30 درهما للفرد الواحد. الساعة الثامنة والنصف صباحا من يوم أمس الأول الأربعاء، في هذا الوقت المبكر من اليوم تتوجه قافلة من السيارات نحو الطريق السيار الرابط بين مدينتي الدار البيضاء ومراكش. عزيز، وهو شاب في منتصف العقد الثالث من عمره آثر أن يتابع المباراة من الملعب. «بالكاد» تدبرت أمر الحصول على تذكرة المباراة 24 ساعة قبل المباراة» يقول ل»المساء قبل أن يضيف» أنه تعود على حضور مباريات فريقه المفضل (الرجاء) من الملعب رفقة بعض أصدقائه. اضطررت يقول نفس المصدر إلى طلب إجازة لمدة أربعة أيام حتى يمكنني متابعة مباراة الرجاء ضد اتلتيكو مينيرو، وأيضا مباراة النهاية «أعرف –يتابع نفس المصدر- أن المباراة ستكون صعبة على الرجاء، لكن أريد أيضا متابعة مباراة بايرن ميونيخ، إنها فرصة لا تعوض لمتابعة هذا الفريق العريق بشكل مباشر». في الطريق إلى مراكش لا يتوقف زعيق أبواق السيارات. من سيارة لأخرى يتبادل الركاب التحايا وإشارات النصر، وأحيانا أخرى يطبعون قبلات ساخنة على شعارات نادي الرجاء التي يحملونها بفخر. فجأة ينتبه الركاب الذين يرافقون عزيز إلى أن السيارة الرباعية الدفع التي تلتهم الطريق أمامهم يوجد على متنها مناصرون لفريق أتلتيكو مينيرو, يلوح أصدقاء عزيز بعلامات النصر فترد شقراء تركب السيارة الثانية بإشارة أن فريقها سيفوز بأربعة أهداف مقابل لاشئ. يلتهب حماس ركاب السيارتين. في نفس الوقت تطل شقراء أخرى ثم سيدة ورجل فشاب. بعد بضع دقائق التقى ركاب السيارتين في محطة الاستراحة على الطريق السيار. التقطوا صورا للذكرى، ثم افترقوا على أمل اللقاء في ملعب مراكش.
إجراءات تنظيمية صارمة في مدخل المدينة، وبالضبط على بعد أمتار من ملعب مراكش وجد تجار السوق السوداء مكانا لهم غير بعيد عن رجال الدرك الملكي. هناك كل و«شطارته» ، بعض من الجمهور اقتنى تذكرة مباراة نصف النهاية بضعف ثمنها، وآخرون كانت أكثر قدرة على مفاوضة الباعة. غير بعيد عن هؤلاء التجار حرص رجال الأمن على إقامة أكثر من حاجز للحيلولة دون وصول من لا يحمل تذكرته بيده إلى الملعب. ابتداء من الساعة الثالثة زوالا توالى حضور الجمهور إلى الملعب. فرادى أو على متن سيارات، بل هناك من بعض من أفراد جمهور مونتيري المكسيكي من وصل إلى الملعب على مثن «تريبورتور»...أما أغلب الجمهور البرازيلي فتجول في المدينة خلال الساعات التي سبقت المباراة في مجموعات صغيرة. علما أن أغلب الجمهور البرازيلي هو من الجنس اللطيف.وعلى العكس من ذلك فإن جمهور الأهلي المصري تشكل أساسا من الذكور، واختار الوصول إلى الملعب مشيا على الأقدام.
14 ألف برازيلي..في مراكش ساند مناصرو الرجاء فريق الأهلي المصري، بل إن بعضا من الأنصار ممن التحقوا متأخرين بالمباراة لم يصدقوا النتيجة التي كانت على مرسومة على شاشة الملعب. بالمقابل كان هناك أكثر من أربعة آلاف مناصر برازيلي بالملعب قبل ساعات من موعد المباراة. مع ذلك فقد مر الوقت سريعا، وبدأت الشاشة العملاقة تعد الوقت المتبقي قبل ظهور الفريقين على أرضية الملعب لإجراء حركات تسخينية. حين حل الموعد استقبل الرجاء بترحاب كبيرو وقف اللاعبون وسط الملعب لمبادلة التحية مع الجمهور. ثم في وقت لاحق صعد الفريق البرازيلي بينما تابعت أغلب الأعين فقط نجم الفريق رونالدينيو. اللاعب الذي سيتهافت بعض لاعبي الفريق على حذاءه. مع توالي الدقائق كان الملعب يمتلئ لم يخف الرجاويون دهشتهم وهو يتابعون كيف أمكن لجمهور الفريق البرازيلي أن يزيد عدده في المباراة عن 14 ألف مناصر. هؤلاء لم يتوقفوا عن تشجيع فريقهم وعن حثه على اكتساح، كما رفعوا راية المغرب تعبيرا عن روح المحبة لهذا البلد.
«التيفو» قبل أن يعلن حكم المباراة بدايتها رفع جمهور الرجاء «تيفو» حمل عنوان «الملحمة» في إشارة إلى الانجاز الذي حققه الفريق في كأس العالم للأندية. صفق الجمهور البرازيلي ل»التيفو» تعبيرا منه عن تحاياه لجمهور الرجاء لتنطلق مباراة حماسية على أرضية الملعب. بين فريق يعول على تلاحم صفوفه وآخر دخل البطولة كأقوى فرق أمريكا الجنوبية، ومدججا على الخصوص بنجمه المدلل رونالدينيو. لم يهدأ أبدا صخب المدرجات. تغنى أنصار الرجاء بأهازيج النادي وبطولاته وأنشد أنصار أتليتيكو مينيرو أغاني رائعة من «الريبرتوار» الحماسي للنادي، لكن هدف محسن ياجور في شباك الفريق البرازيلي صدم جمهور البرازيل. كثيرون لم يصدقوا أن يكون الرجاء فعلها، وأحرز هدف السبق، لكن ما لبث أن توارى فزعهم إثر إحراز رونالدينيو لهدف التعادل. آنذاك صمت مناصرو الرجاء وقفز بعض البرازيليين فرحا، فللحظات اعتقد كثيرون أن «الساحر» رونالدينيو يمكنه قيادة الفريق إلى مباراة النهاية، لكن محسن ياجور وزميله متولي والباقون هم من سيقودون في النهاية الفريق إلى مباراة النهاية.
« الرجاء مي أمور» بعد نهاية المباراة احتفل أنصار الرجاء طويلا بهذا الفوز الذي لم يتوقعه أغلبهم. أنشدوا من جديد «ّدالي دالي هو.. دالي دالي هو..مي بيدا....تو كييرو مي أوبسيسيون..الرجاء مي أمور (أنت حياتي..أحبك فأنت شغلي الكبير) حلوة ومرة ومعاك عايشين...دوزنا معاك أيام، شهور وسنين....فرحتينا، وعلينا دمعوا العينين...ونموت وتحيا رجاء الملايين..يا أولاد..الرجاء بين ايديكم...كونو رجال المونديال بين عينيكم...وين ما رحتو شعب الخضراء موراكوم....90 دقيقة الفيستفال على شانكم». قبل أن يغادروا الملعب جنبا إلى جنب مع الجمهور البرازيلي. لم يخف برازيليون تأثرهم بهذه النتيجة التي اعتبرها بعضهم صادمة:»تقول جوليانا، وهي شابة برازيلية تابعت المباراة:»ظننت أن المباراة قد تنتهي بالتعادل، لكنني لم أتوقع أبدا أن تتلقى هذه الخسارة القاسية. مع ذلك هنيئا لفريق الرجاء وهنيئا للشعل المغربي الذي يعشق كرة القدم». على عكس من ذلك قال صديقها مورا:»إنها هزيمة قاسية..على الفريق أن يضع رجليه على الأرض. أظن ان زملاء رونالدينيو لم يتعلموا الدرس الذي تلقاه قبلنا فريق مونتيري المكسيكي. هنيئا للرجاء». في الملعب كما خارجه، لا فرق. شباب يلوحون بعلامات الفوز وبرازيليون يتجاهلون «استفزازات» جمهور الكرة، بينما آخرون يواسونهم بخليط مركب من التعابير باللغة الانجليزية والفرنسية والاسبانية، والآخرون يردون بابتسامة شكر.
نهاية حزينة لنجم بعيدا عن المباراة وجد رجال الأمن صعوبة في خفر الفريق البرازيلي. في النهاية غادرت حافلة الفريق الملعب وسط شارع ممتلئ عن آخره بالسيارات. على غير عادته جلس رونالدينو في آخر الحافلة وعلامات الأسف بادية على محياه. لم يرد كثيرا على محبيه، بينما استمر الملعب في لفظ السيارات المركونة في محيطه وفي جوفه. عمت الفرحة شوارع المدينة التي امتلأت عن آخرها بالسيارات والدراجات النارية..احتفل المراكشيون وأنصار الرجاء وآخرون بهذا الفوز الغير مسبوق، بعد أن بات الرجاء أول فريق عربي يصل مباراة نهاية كأس العالم للأندية، غير أن شوارع المدينة لم تخل من حوادث هنا وهناك، إلى أن كل ذلك لم يسرق الفرح من المغاربة، لكن سرق فيها جمهور الرجاء الفرجة من جامع الفنا في ليلة رقص فيها المغاربة إلى الساعات الأولى من الصباح دون كلل. سهروا إلى الصباح دون أن يملوا من ترديد:» «ّدالي دالي هو.. دالي دالي هو..مي بيدا....تو كييرو مي أوبسيسيون..الرجاء مي أمور....حلوة ومرة ومعاك عايشين...دوزنا معاك أيام، شهور وسنين....فرحتينا، وعلينا دمعوا العينين...ونموت وتحيا رجاء الملايين..يا أولاد..الرجاء بين ايديكم...كونو رجال المونديال بين عينيكم...وين ما رحتو شعب الخضراء موراكوم....90 دقيقة الفيستفال على شانكم».