كال بوش للعرب الصفعات تلو الأخرى وما فعل الرؤساء الأمريكيون السابقون غير ذلك؟ ثرثر العرب طويلا حول أوباما مذ كان مجرد الموعود للزعامة في البيت الأبيض... تحدثوا حول خصاله ومقومات شخصه... اشتموا فيه «عبق» «الجارة» إفريقيا، وشعروا حياله لو أنه المتباهي بمسيحيته بمشاعر «الأخوة» في الإسلام، ثم وهم أصحاب الحس الرهيف والقلوب السابحة في عوالم العواطف الجياشة توسموا في عهده انهمار الخيرات، واستنتجوا قرب زوال العثرات والصعوبات... فهم المتفائلون دائما وأبدا... وما لهم في التحقق من الأمور من رغبة، ولا لهم في الرؤية الدقيقة إلى المعطيات المتاحة من طلب... ينضحون بالنوايا الحسنة، وحتى ينأون بأنفسهم عن تبني وجهات النظر المتشائمة... كال لهم بوش الصفعات تلو الأخرى، وما فعل الرؤساء الأمريكيون السابقون غير ذلك... لكنه الأمل أزلي وكامن في حناياهم، ويحدوهم إلى استشراف المستقبل الزاهر لهم ولقضاياهم. قضيتهم الكبرى فلسطين المغتصبة ما فتئت تُنكأ جراحُها وتعمق من طرف ذلك العدو وحليفته الوفية الولاياتالمتحدة، ومع ذلك فالرجاء في الخير طافحة به القلوب... والإحساس بقرب الفرج مليئة به النفوس... فالمتوج على عرش البيت الأبيض «لا بد وألا ينسى» أنه ابن «مسلم» قدم من العالم الثالث يشبههم، وسليل لفصيلة السود المنبوذين مثلهم، مقومات حتما تجعل منه حسب الظن منهم ذلك الميال ولو بنسبة ما إلى مناصرة مواقفهم، أو على الأقل عدم تغليب مواقف العدو ضدهم.. لكنهم نسوا أو تجاهلوا أن اللوبي الصهيوني الحارس الأمين للولايات المتحدةالأمريكية والمؤسس لتصوراتها حول القضايا العالمية، ما كان ليسمح له بالبروز أصلا ولا بالترشح ذلك الإفريقي الأسود، لو أنه ما كان المستوعب للأمور قبلا، والمظهر عن القدرة على الإدراك لمجريات الأحداث ولصيروراتها مسبقا. بنى ذلك اللوبي منذ زمن صرح شبكة متماسكة رُبطت خيوطها بكل أدوات إنتاج القرارات، وليست له النية في أن يتراجع أو يتوانى في كونه الآمر بالتشغيل، والقادر المؤثر في كل المسارات. وُضع أوباما في المكتب البيضاوي وعليه طبعا أن يرد الجميل... أو بالأحرى عليه فقط أن يصمت ويُطبق الأوامر وينجز المطلوب... ف«رام إيمانويل» هو الشخص الذي قُرِّر أن يكون المدير للبيت الأبيض... والمدير طبعا لتوجهات الرئيس الجديد... وهو أيضا يهودي العقيدة، إسرائيلي الأصول، والمعروفة مواقفه من قضية الشرق الأوسط لأنه كان المستشار السياسي للرئيس السابق بيل كلنتون: «... وينحدر إيمانويل من أسرة إسرائيلية، حيث إن والده إسرائيلي من مواليد مدينة القدس، وكان عضوا في مليشيا إرغون الصهيونية الناشطة إبان فترة الانتداب البريطاني في فلسطين. كما عمل رام إيمانويل متطوعا مدنيا في قاعدة للجيش الإسرائيلي أثناء حرب الخليج الأولى عام 1991, فضلا عن كونه العضو الديمقراطي الوحيد من ولاية إيلينوي في الكونغرس الذي صوت لصالح الحرب في العراق عام 3002». عناصر هوياتية «مشرفة» وماض أسري «حافل»، وهي المقومات التي أهلته لاستحقاق الثقة اللازمة للحصول على المنصب الحساس، فلقد تلقى التربية الدينية المبنية على أسس اليهودية الصهيونية على يد والديه المتدينين، وكان يقضي أيام الإجازات في مخيمات التكوين في إسرائيل عندما كان الطفل بهدف استكمال مقومات الشخصية، ومن أجل ترسيخ عناصر الانتماء. جهود لم تذهب سدى وأثمرت ثباتا على المرجعية العقدية، والتزاما بكل تفاصيل مبادئها، فهو يرسل أبناءه إلى مدرسة عبرانية، ولم يسمح لنفسه بالعمل في أحد أيام الأعياد اليهودية روش هاشانا إلى حين حيازة فتوى من قبل حاخام أباحت له فعل ذلك... ولما لم يكن الإخوة في العقيدة في إسرائيل لكي يجهلوا أو يتجاهلوا أهمية هذا الاصطفاء لأخيهم، فقد أعطوه القيمة الرفيعة الدالة على الاحتفاء به، ووهبوه الدرجة السامية المبينة للاحتفال بتعيينه: «... لهذا لم يكن غريبا أن تفرد وسائل إعلام إسرائيلية مساحات واسعة للحديث عن إيمانويل وتشدد على أصوله الإسرائيلية. في هذا الإطار، ذكرت صحيفة هآرتس في عددها الصادر الخميس (6/11/8002) أن بنيامين إيمانويل، والد رام، هاجر مع أسرته في الستينيات إلى الولاياتالمتحدة وأقام في شيكاغو. وفي عام 7991، أدى إيمانويل خدمة عسكرية لفترة قصيرة في إسرائيل، حسب ما ذكرته صحيفة هآرتس، وفي الفترة التي سبقت حرب الخليج في 1991 تطوع في مكتب للتجنيد تابع للجيش الإسرائيلي. كما قالت صحيفتا هآرتس ومعاريف إنه خدم لمدة شهرين في وحدة كلفت بإصلاح الآليات المصفحة قرب الحدود الشمالية مع لبنان..». إنه الاحتفاء يعكس الاعتزاز بالشخص، وأيضا يظهر عمق إدراك قدر المنصب: «... وبدورها وصفت صحيفة معاريف رام إيمانويل بكونه «رجلنا في البيت الأبيض»، كما ورد في عنوان مقال بهذا الخصوص...». وإنه الاحتفال الذي يوحي بمعرفة أهمية المكانة في النظام الرئاسي الأمريكي: «... يشار إلى أن كبير موظفي البيت الأبيض هو أكبر موظف معين في البيت الأبيض، ويعمل بوصفه واحدا من أقرب مستشاري الرئيس، ويمكنه اتخاذ القرار في ما يتعلق بمن يمكنه مقابلة الرئيس، بينما يقوم أيضا بتطوير سياسات الإدارة...». ولم يكن الإسرائيليون ليبدوا أكثر وعيا من والد «رام» بنيامين إيمانويل بكون الرفعة أصبحت من نصيب ابنه... إذ تحدث قائلا عنه: «... طبعا سوف يؤثر في الرئيس باتجاه مصلحة إسرائيل...!! ولم لن يفعل؟ من يكون هو؟ هل هو عربي؟ لا... لن يذهب إلى البيت الأبيض من أجل تنظيف الأرضيات ...».ثقة بالنفس بالغة، واعتداد بالذات متفاقم، واحتقار للخصم العرب متسامق... وطبعا وضوح في الرؤية باهر، ويبرز التخطيط المسبق والتنظيم الدقيق. هي إذن الشخصيات المناسبة في الأماكن المناسبة... فأوباما مجرد القطعة ستتوسل من أجل التوصل إلى الأهداف، ومن أجل استكمال تنفيذ الخطة... وهكذا يبدو أن الوضع حالك رغم الرغبة في استحضار النور... رئيس ما انتخب حتى حصل على مباركة اللوبي الصهيوني زيارته لحائط المبكى نموذجا وراسخون من ذلك اللوبي حاضرون ومحيطون بذلك الرئيس... أوما زال، بعد كل هذا، من شذرات من التفاؤل يمكن أن يأمل فيها أولئك العرب «المتفائلون»؟