مدن الشمال تستعد لإستقبال جلالة الملك    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    النصيري يسجل من جديد ويساهم في تأهل فنربخشه إلى ثمن نهائي الدوري الأوروبي    الحسيمة.. تفكيك شبكة إجرامية متورطة في تنظيم الهجرة السرية والاتجار بالبشر    استعدادات لزيارة ملكية مرتقبة إلى مدن الشمال    إطلاق تقرير"الرقمنة 2025″ في المنتدى السعودي للإعلام    الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته    التضخم في المغرب يسجل 2%.. والأسماك واللحوم والخضر تقود ارتفاع الأسعار    الذهب يتجه لتسجيل مكاسب للأسبوع الثامن وسط مخاوف من رسوم ترامب الجمركية    شي جين بينغ يؤكد على آفاق واعدة لتنمية القطاع الخاص خلال ندوة حول الشركات الخاصة    عامل إقليم الحسيمة ينصب عمر السليماني كاتبا عاما جديدا للعمالة    مضمار "دونور".. كلايبي يوضح:"المضمار الذي سيحيط بالملعب سيكون باللون الأزرق"    الجيش يطرح تذاكر مباراة "الكلاسيكو" أمام الرجاء    إطلاق المرصد المكسيكي للصحراء المغربية بمكسيكو    القضاء يرفض تأسيس "حزب التجديد والتقدم" لمخالفته قانون الأحزاب    كيوسك الجمعة | المؤتمر الوزاري العالمي الرابع للسلامة الطرقية يفي بجميع وعوده    باخرة البحث العلمي البحري بالحسيمة تعثر على جثة شاب من الدار البيضاء    المندوبية السامية للتخطيط تعلن عن ارتفاع في كلفة المعيشة مع مطلع هذا العام    روايات نجيب محفوظ.. تشريح شرائح اجتماعيّة من قاع المدينة    نتنياهو يأمر بشن عملية بالضفة الغربية    إطلاق أول رحلة جوية بين المغرب وأوروبا باستخدام وقود مستدام    المغرب يحافظ على مكانته العالمية ويكرس تفوقه على الدول المغاربية في مؤشر القوة الناعمة    انتخاب المغرب رئيسا لمنتدى رؤساء لجان الشؤون الخارجية بالبرلمانات الإفريقية    توقعات أحوال الطقس ليومه الجمعة    تراجع احتمالات اصطدام كويكب بالأرض في 2032 إلى النصف    الولايات المتحدة تبرم صفقات تسليح استراتيجية مع المغرب    إسرائيل تتهم حماس باستبدال جثة شيري بيباس وبقتل طفليها ونتانياهو يتعهد "التحرك بحزم"    فضاء: المسبار الصيني "تيانون-2" سيتم اطلاقه في النصف الأول من 2025 (هيئة)    عامل إقليم الجديدة و مستشار الملك أندري أزولاي في زيارة رسمية للحي البرتغالي    كيف ستغير تقنية 5G تكنولوجيا المستقبل في عام 2025: آفاق رئيسية    محامون: "ثقافة" الاعتقال الاحتياطي تجهض مكتسبات "المسطرة الجنائية"    حوار مع "شات جيبيتي" .. هل تكون قرطبة الأرجنتينية هي الأصل؟    "بيت الشعر" يقدّم 18 منشورا جديدا    أوشلا: الزعيم مطالب بالمكر الكروي لعبور عقبة بيراميدز -فيديو-    "حماس" تنتقد ازدواجية الصليب الأحمر في التعامل مع جثامين الأسرى الإسرائيليين    "مطالب 2011" تحيي الذكرى الرابعة عشرة ل"حركة 20 فبراير" المغربية    حادثة سير مميتة على الطريق الوطنية بين طنجة وتطوان    سفيان بوفال وقع على لقاء رائع ضد اياكس امستردام    طه المنصوري رئيس العصبة الوطنية للكرة المتنوعة والإسباني غوميز يطلقان من مالقا أول نسخة لكأس أبطال المغرب وإسبانيا في الكرة الشاطئية    السلطات تحبط محاولة نواب أوربيين موالين للبوليساريو دخول العيون    الجيش الملكي يواجه بيراميدز المصري    أهمية الحفاظ على التراث وتثمينه في صلب الاحتفال بالذكرى ال20 لإدراج "مازاغان" ضمن قائمة التراث العالمي لليونسكو    مجموعة أكديطال تعزز شبكتها الصحية بالاستحواذ على مصحة العيون ومركز الحكمة الطبي    محكمة إسبانية تغرّم لويس روبياليس في "قبلة المونديال"    6 وفيات وأكثر من 3000 إصابة بسبب بوحمرون خلال أسبوع بالمغرب    ثغرات المهرجانات والمعارض والأسابيع الثقافية بتاوريرت تدعو إلى التفكير في تجاوزها مستقبلا    غشت المقبل آخر موعد لاستلام الأعمال المشاركة في المسابقة الدولية ل "فن الخط العربي"    إطلاق النسخة التاسعة للجائزة الوطنية الكبرى للصحافة في المجال الفلاحي والقروي    سينما المغرب في مهرجان برلين    الذكاء الاصطناعي يتفوق على البشر في تحليل بيانات أجهزة مراقبة القلب    اللجنة الملكية للحج تتخذ هذا القرار بخصوص الموسم الجديد    حصيلة عدوى الحصبة في المغرب    أزيد من 6 ملاين سنتيم.. وزارة الأوقاف تكشف التكلفة الرسمية للحج    دراسة تكشف عن ثلاثية صحية لإبطاء الشيخوخة وتقليل خطر السرطان    صعود الدرج أم المشي؟ أيهما الأنسب لتحقيق أهداف إنقاص الوزن؟"    الأمير رحيم الحسيني يتولى الإمامة الإسماعيلية الخمسين بعد وفاة والده: ماذا تعرف عن "طائفة الحشاشين" وجذورها؟    التصوف المغربي.. دلالة الرمز والفعل    الشيخ محمد فوزي الكركري يشارك في مؤتمر أكاديمي بجامعة إنديانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تأمين البناء الديمقراطي في سياق انتقالي.. مهام منتظرة من قيادة تجربة إصلاحية (1/2)
نشر في المساء يوم 04 - 12 - 2013

طرحت التطورات السياسية الجارية حاليا -على الصعيدين الإقليمي والدولي- الكبيرة بمآلاتها، الكئيبة بظلالها، والمنطلقة في سماء بلاد العرب، والمتفجرة في محيطنا الإقليمي المغاربي الأقرب، وكذا التحولات الدراماتيكية الكثيفة التي رافقتها في بعض دول الربيع الديمقراطي والتي ألقت بكلكلها علينا، طرحت جملة من الأسئلة العميقة والمطارحات النوعية والمراجعات الفكرية والسياسية على قادة الرأي من النخب والقوى السياسية المسؤولة.
وقد شملت تلك الإشكاليات موضوعة السياسة كخدمة عمومية، وطرح سؤال مستقبل ممارستها من داخل المجال العمومي للمراجعة والتداول النقدي بين العامة والنخب، خصوصا بعد ما خلفته موجة الردة الديمقراطية الجارية في هذه اللحظة السياسية الفارقة من التطور التاريخي لأمتنا، على إثر ما أحدثه انقلاب العسكر في مصر بدعم من تحالف عريض مسيج بقوى إقليمية ودولية من آثار سلبية على الحلم الديمقراطي وتجربة النهوض الحديثة الموعودة.
إن كل تلك التطورات والتحولات الضخمة والتاريخية، كما أنها ولدت كثيرا من الجراح الغائرة والهموم العميقة وشمت ذاكرتنا الجماعية، فإنها خلفت وراءها كثيرا من الأسئلة الحاسمة وأثارت العديد من الإشكالات العميقة في العقل السياسي للنخبة والمجتمع معا، وجبت مقاربتها وطرحها والتداول بشأنها تحصينا لمصير قضية الإصلاح، وأخذا للعبرة وتمنيعا لتجربتنا الوليدة في الانتقال والإصلاح.
وقد خلفت تلك الدينامية الاحتجاجية والارتدادية على صعيد تجربتنا السياسية المغربية الحديثة المنبثقة زمن الإصلاح السياسي لما بعد انتفاضة 20 فبراير 2011، وما أعقبها من تحولات في تدبير السلطة بالمغرب، جملة من الاستفهامات المثيرة والإشكالات العميقة، في هاته الفترة بالذات من تطور تجربتنا السياسية التأسيسية، وتبلور نموذجنا الإصلاحي الوليد في سياق إقليمي عاصف ذي سيولة عالية في الوقائع السياسية والاجتماعية التي تتسم بكثير من الفجائية واللاتوقع، والتي قد تحمل معها وفي ثناياها تهديدات قد تأذن بالعصف بحلم الانتقال الديمقراطي المأمول، وقد ترجئه إلى لحظة انفجار ثوري آخر قادم إبان تبلور دورة سياسية جديدة شبيهة بربيع الثورات التي شهدها عالمنا العربي مطلع عام 2011.
فجملة تلك التطورات لها صلة أكيدة وحاسمة بمآل قضية الإصلاح السياسي والديمقراطي في بلدنا، وتثير إشكاليات فكرية وسياسية ومؤسساتية عديدة، تتركز أساسا حول تحديات الانتقال الديمقراطي وأزمات التحول السياسي.
إن تلك الديناميات ترتبط -على وجه التحديد- بالانتقال من النمط السلطوي الأحادي المغلق للممارسة السياسة وإدارة الشأن العام وتمركزه داخل نخب تقليدية محافظة، إلى نسق سياسي أكثر تنافسية وانفتاحا في بناء الدولة الديمقراطية على أساس تعاقدي يعمق شرعية الحكم ويطور النظام السياسي المغربي، وذلك بتوسيع قاعدته الاجتماعية، بالعمل على إدماج سياسي لنخب جديدة في الدولة، ديناميات تمثلت في مزيد من الانفتاح على العدالة والتنمية كتجسيد لتيار الإسلاميين المشاركين في المؤسسات السياسية والدستورية المنبثقة عن الدستور المستفتى عليه في فاتح يوليوز 2011، وإدماجهم لأول مرة في تاريخ التجربة السياسية للمغرب المعاصر، وللتيار المعني نفسه، في سدة السلطة السياسية من موقع المعارضة المؤسساتية إلى موقع تدبير المسؤولية الأولى في قيادة السلطة التنفيذية.‏
ولكن عملية التحول الديمقراطي في مغرب اليوم -المنطلقة عقب موجة الاحتجاج السياسي لإقرار إصلاحات سياسية ودستورية والمطالبة بتغيير عميق في تدبير إدارة الدولة والمجتمع وفقا لشعارات الكرامة والعدالة الاجتماعية وتوسيع نطاق الحريات العامة، تلك المطالب كما تجسدت في الدينامية السياسية التي أطلقتها حركة 20 فبراير 2011 والتي رافقت تفاعل المغرب ونخبه السياسية مع ربيع الثورات الديمقراطية- تلك العملية المشار إليها برمتها لا تزال في بدايتها، تواجه أزمات كثيرة وعقبات ضخمة تحول دون استكمال برنامج الانتقال الديمقراطي الذي يؤطر المرحلة، على النحو الذي كانت تنشده قوى الشعب المغربي ونخبته السياسية الطليعية ومكوناته الإصلاحية.
ولا نغفل -ونحن نحلل أسباب ذلك الاستعصاء الديمقراطي- أن نشير إلى أن المسألة برمتها موروثة من العهود السابقة لتدبير السلطة وتأطير المجتمع في مغرب ما بعد الاستقلال السياسي، والتي كانت تحرص فيها طبقات قوى ونخب الحكم النافذة على محاصرة أي تطور سياسي ومؤسساتي عميق يتجسد في بنية الدولة وينظم العلاقة بين السلط السياسية بشكل متوازن ومستقل بعضها عن بعض، ويتجلى كمظهر من المظاهر الأساسية التي تساعد على استكمال مسار التحول الديمقراطي، مما كانت له آثار سلبية بالغة على قدرة الشعب بكل مكوناته السياسية على مواجهة تحديات عديدة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وفي مقدمتها قضيه الاندماج الوطني والوحدة الوطنية والترابية للمملكة.
وهذا ما يمكن توضيحه ببسط جملة من المعطيات التحليلية، فقد واجهت الأمة المغربية العديد من التحديات الوجودية والمخاطر الداخلية والخارجية على امتداد تاريخها القريب في فترة ما بعد الاستقلال الوطني، واتسعت ساحة المواجهة الظاهرة والخفية مع خصومها -القريبين والبعيدين- في التقدم والنهضة والانتقال الآمن إلى المستقبل، لتشمل الوطن بأكمله وتتجاوزه إلى آفاق مغاربية وإقليمية وحتى دولية.
فهناك تحديات إقرار مسار التنمية المستقلة والتمكن من التحديث المجتمعي الناجز والتطوير المؤسساتي والسياسي للدولة والتحول الديمقراطي وإشاعة روح التقدم والنهضة الشاملة، بالإضافة إلى تهديدات ومخاطر التطبيع مع الوجود الأجنبي التوسعي لقوى الاستعمار التقليدي ولبقاياه في جسمنا المغربي العليل، المسيج بنزوع هيمنة قوى التنافس الغربي -الأوربي والأمريكي، سيان- على دول منطقة شمال إفريقيا وفي طليعتها المغرب باعتبار موقعه الاستراتيجي، بالموازاة مع التهميش المتزايد لعديد من الدول القطرية في ظل العلاقات الدولية الاقتصادية والسياسية المعاصرة شديدة التعقيد، والتي تنحو نحو الاندماج والإلحاق.
ورغم أن طبيعة هذه التحديات والمخاطر تتطلب أوسع تعبئة ممكنة لجل المكونات السياسية والقوى الحزبية -أغلبية ومعارضة- ولمجموع مكونات الشعب المغربي كطرف أساسي في المواجهة الحضارية الجارية، وقيامها مجتمعة بدور فعال في صياغة سياسات المجابهة الشاملة وتحديد أولوياتها ورفع تحدياتها، فإنه -للأسف الشديد- وفي تجارب سياسية سابقة انفردت حكومات كثيرة متعاقبة بإدارة هذه المواجهة، ولم يتمكن شعبنا من القيام بدور أساسي فيها رغم ما تحمله من أعباء وما قدمه من تضحيات جسام في مواجهة هذه التحديات والمخاطر، وقد دفع ثمنا باهظا من جراء ذلك وتحمل نتائج المواجهة من خلال المعاناة الاقتصادية والتقشف الذي وصل درجة كبيرة من الحرمان والضحايا.
مع العلم بأنه لم يكن هنالك أدنى مبرر معقول لأن تتحمل تلك القوى المستبعدة من ذورة النمو والمحرومة من الشعب المغربي هذه المعاناة وتقدم تلك التضحيات بينما هي كانت محرومة من المشاركة السياسية داخل الحياة العامة والمؤسسات التمثيلية في تحديد أهداف المواجهة ورسم أبعادها وتخطيط أولوياتها، خاصة بعد أن أثبتت التجربة على مدار سنوات طوال قاربت نصف قرن -من التبعية والإلحاق- فشل النخب القائدة للحكومات المتعاقبة في خوض معارك التنمية المستقلة والتحديث السياسي والتقدم المجتمعي والديمقراطية واستكمال مهام الاستقلال الوطني بكفاءة وفعالية، لأن القيادات والنخب أدارت دفة تلك المواجهة في حدود مصالحها الخاصة، واستبعدت من ساحة المواجهة مصالح القوى الشعبية الحقيقية ذات التجذر المجتمعي، قامت بذلك الاستبعاد للشعب من السياسة حتى لا تتجاوزها هذه القوى في اللحظات الحرجة من الصراع السياسي على السلطة والثروة، مما جعل من آفة غياب المشاركة السياسية الحقيقية والرعية الشعبية الفعالة الجذر الأساسي لدورة الفشل العام لمجمل التجارب السياسية المتلاحقة للنخب المعزولة، التي ألحقت بوطننا خسائر جمة وفادحة كلفتنا الكثير من المعاناة وإهدار الزمن في مواجهة غير متكافئة لهذه التحديات وبكفاءة شبه معدومة.
ولهذا، فإننا نلاحظ أن المناقشات والسجالات العمومية الدائرة منذ سنوات بين عديد من قادة الرأي والمثقفين والمفكرين والقوى السياسية والحزبية والحركات ذات المشاريع الإصلاحية حول المأزق الراهن لمجتمعنا والعطب المزمن لدولتنا، كلها تجمع على أن الديمقراطية واستكمال مسار بنائها هي المخرج الأساسي الوحيد للنخب السياسية والفكرية -على اختلافها- وللقوات الشعبية مما تعانيه حاليا من مشكلات حادة وأزمات مزمنة، فلا تنمية بلا ديمقراطية، ولا يمكن البتة تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بدون إقرار الديمقراطية في أبعادها المؤسساتية والسياسية والمجتمعية، ولا يمكن التطلع إلى تحديث حقيقي للمجتمع بدون توفير العدالة الاجتماعية بالتوزيع العادل للثروات، ولا يتحقق ذلك إلا بتعميق المشاركة الشعبية، مع الحرص على استكمال مهام الاستقلال الوطني وتحرير الإرادة العامة، وذلك بالحد من مخاطر رهن الإرادة الوطنية للقوى الأجنبية بما تعنيه من تكريس نزعات الإلحاق لمراكز النفوذ والوجود الخارجي والارتهان لإرادة الهيمنة الغربية.
خالد رحموني


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.