حديث تقويمي للنموذج بعد نقاش عميق في أثناء الخلوة تعتبر المرحلة التي يعبرها المغرب المعاصر، دقيقة وحاسمة في سياق تجربته النهضوية وتطوره الديمقراطي العام، ما يجعله يتقدم خطوات أكيدة ووئيدة في سعيه الحثيث للإندراج في العصر وحيازته المكانة المتميزة له في العالم العربي، وذلك بفضل اجتراح تجربة فريدة في الإصلاح السياسي من خلال الجواب على أسئلة الربيع الديمقراطي في الكرامة والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية وبسط الحريات وتأسيس عقد المواطنة وبناء الدولة الديمقراطية، جواب المغرب جاء بالتأسيس لنموذج جديد وطريق ثالث في الجواب عن تلك الاشكاليات، تجسدت أولى معالمه في نهج قائم على أطروحة الإصلاح في إطار الإستقرار . غير أنه بالرغم من الآمال العريضة التي تفجرت بانبثاق ذلك النموذج، فإنه لا زال يطرح عددا من الإشكاليات تتجسد في ما تمر به قضية إصلاح الدولة وإنهاض المجتمع من أعطاب وعوائق وتحديات ، تؤكد الطابع الإنتقالي للمرحلة برمتها مع ما تحب لبه من شعارات ومفردات وعناوين، وما تفرضه من تنسيب للنموذج ذاته ومحدودية لفعاليته التفسيرية ونجاعته السياسية وقدرته على إلهام التجارب الأخرى التي بها عالمنا العربي، والتي لا تزال تعاني الكثير من محاولات الانقلاب عليها بإحباطها وتعويقها ونسفها وتشكيل أحلاف ضدها لإعاقة التحول الديمقراطي داخلها لكي لا تنمو وتينع. ومع التأكيد على فرادة التجربة التاريخية القائمة في البلاد على التوافق الوطني العام مع المؤسسات الدستورية والسياسية والإدماج السياسي للنخب والقوى من مختلف المشارب السياسية والإصلاح المتدرج، وما يكتنفها من تميز ونظارة وما اكتسبته من رصيد اعتبار دولي وإقليمي، وما كان لها من نجاعة وفعالية سياسية في تدبير الحكم لمرحلة الربيع الديمقراطي وبكلفة سياسية أقل بكثير مما هو قائم في تجارب مجاورة، وبالرغم مما هو عالق بها من خصائص وميزات وتحديات، فإننا يمكن مقاربة التجربة نقديا وتنسيبها ومراجعة ديناميتها إذا نحن أدرجناها في ميزان نماذج الإنتقالات الديمقراطية في عديد من الدول التي أنجزت عبورها إلى مصاف الدول المكتملة الأركان . ويمكن تقييم هته المرحلة والنظر إليها رفقة النموذج الذي تؤسس له، باعتبارها وضعا سياسيا مؤقتا لا يزال في مرحلة التشكل وفي طور السيولة المتدفقة، وهو لم يستو بعد، وقد تمخض هذا الوضع السياسي العام في المغرب عن محاولة تجاوز جماعية متوافق بشأنها لوضع غير مرغوب فيه، إلى أفق آخر ارتسمت فيه معالم الاصلاح السياسي للدولة، ومما كرس الطابع الانتقالي للمرحلة السياسية، هو ذلك التحول التدريجي الهادئ من نهج أسلوب تحكمي في إدارة الدولة وتدبير الشأن العام، إلى نهج أكثر انفتاحا على المجتمع وأقدر على امتصاص احتجاج الشعب وقواته المنتفضة سلميا بالتجاوب مع جملة من المطالب الاصلاحية للدولة ، ذلك النهج التحكمي المتحول عنه استمر لفترة طويلة نسبيا، امتد زهاء عقد ونيف من الزمن، وقد تميز في إبانه باستبعاد المجتمع و الهجوم على قواه الحية والاستعداد لاستثنائها من التأثير في دائرة اتخاذ القرار السياسي كمقدمة لآستئصالها، وتميز أيضا بنهج سياسات تكرس الهشاشة الاجتماعية والتحكم والاستبداد والفساد العمومي، والمزاوجة بين القداسة والسياسية والجاه الخادم للحكم، ليشهد ذلك الأسلوب في التدبير تغييرا ملموسا في منطق اشتغاله وإيقاعه واختياراته واتجاهاته، في سياق إقليمي مضطرب أنتج إجابات متفارقة عن أسئلة الربيع الديمقراطي، اختار من خلالها المغرب أن يستشرف أفقا مغايرا للإصلاح السياسي الشامل، تميز بسلوك إجراء عمليات تغيير تراكمي ونهج تحول سياسي هادئ وتلمس إصلاح مجتمعي وتدريجي، جنب البلاد كل العواصف التي مرت وتمر منها المنطقة العربية برمتها، والتي لا زال يتفاعل في إطارها المغرب الرسمي والشعبي . ومن هنا فإن هذه المرحلة الانتقالية التي تؤطر المشهد السياسي المغربي المعاصر، لها عدة جوانب متداخلة ومتكاملة في نفس الآن، يمكن إجملها في التالي : 1) زمن الانتقال : وهو يتسم بالفترة الزمنية المحدودة للانتقال السياسي، الى الوضع الديمقراطي والمؤسساتي الطبيعي، والمحددة بأفق مضبوط غير مطاط أو رخو، هته الفترة يجب أن لا يسمح فيها بالفراغ السياسي والمؤسساتي والتدبيري. 2) رصد مجمل للوضع العام القائم والموجود : وهو يتسم بحالة للتدبير والتسيير للشأن العام غير مرغوبة ومتجاوزة وبئيسة على مستوى أساليب التسيير وصناعة القرار، إلا أنها مع دوامها تتمتع بقدر كبير من الرسوخ واكتسبت مع الزمن وتكلس النخب وثقافتها السياسية تقاليد وأنماطا في التدبير مكن لها ولرموزها، وجعل لها من سلطة الأمر الواقع ما مكنها من الانغراس والثبات ومراكمة المصالح والمكاسب والعلاقات، الشيئ الذي لا يجب القفز عليه –من حيث الإدراك والوعي بحجم رسوخه وتجذره، كما لا يجب الاستسلام له وعدم نهج سبيل المقاومة السياسية الذكية له، ولكن يجب اعتباره بما يشير إليه من معطيات يجب التعامل معها. 3) عملية التحول الديمقراطي والمخاض السياسي الآمن، أو محاولة إيجاد ممر سالك لتأمين الانتقال : إن عملية التحول الديمقراطي الجارية في مغرب اليوم أشبه ما تكون بالعملية الجراحية الدقيقة التي تحتاج إلى مشرط معقم وتستلزم مهارة عالية في إدارة التحول بأدنى الأضرار وبأقل الخسائر وبأعلى المنافع وبأعمق المصالح وأوثقها، فتأمين عملية التحول الديمقراطي والبناء المؤسساتي التي تمنع الدولة والمجتمع من إمكانية الارتداد تعد من أهم القضايا والمسائل التي يجب التفكير فيها والوعي بها ومباشرة الالتزام بمقتضياتها السياسية والمؤسساتية والدستورية . فالانتقال من المقاومة السياسية للتراجع الديمقراطي، إلى تأمين المسار الإصلاحي الديمقراطي والاستقرار السياسي في البلد، تطلب مباشرة العمل من موقع قيادة الاصلاح السياسي من موقع السلطة التنفيذية المتحصلة عقب استشارة انتخابية غير مسبوقة في البلد أهلت العدالة والتنمية لتصدر المشهد السياسي من خلال العمل على التدبير السلس والتسيير الاعتيادي للمرافق العامة للدولة وفقا للمرجعية الدستورية المعطاة والمستفتى حولها في يوليوز 2011 استجابة للحراك الشعبي الذي أطلقته الدينامية السياسية لحركة 20 فبراير.. كل ذلك تم أخذا في الاعتبار عناصر الملائمة السياسية مع معطيات المرحلة مع القدرة على ممارسة الإصلاح السياسي والتدبير الحكومي بالتماس أسلوب المرونة اللازمة في التعامل مع المعطيات المتغيرة للوضع العام، والذكاء الواجب في تدبير الزمن وانجاز مهمات الإصلاح التدريجي للوضع الاسن والمتعفن، في ظل تفاعل حيوي بين الأطراف السياسية والاجتماعية المختلفة، وفق أصول يقررها الحدث السياسي ذاته بمعطياته وأولوياته وأهدافه القريبة والبعيدة، في الدفع بمسلسل الإصلاح والتغيير الشامل، ويحدد عناصر الإنطلاق الواعد إلى تدشين المسار الديمقراطي الأعلى النموذجي والمرغوب لمغربنا الحبيب . إن عملية الاستشراف الواعد للأفق الديمقراطي وللوعد الإصلاحي للدولة والمجتمع، تستلزم اقترانها الصميم بعملية اقتراح وإبداع البناء البديل للنموذج السائد، وذلك دفعا لدينامية الانتقال الديمقراطي من حال الأمر الواقع التسلطي إلى وضع التحول الديمقراطي للحكم الرشيد المقصود والمنشود. تنبع أهمية وخطورة هذه المرحلة الانتقالية، إذن، والتي نكابد صعوباتها وتقلباتها وصراعاتها وتردداتها وممكناتها،،، بأنها تشكل مسار حركة التحويل الديمقراطي للدولة ما بين التدبير القديم والعتيق لصناعة القرار داخلها ولازدواجيته من جهة، وبين الاسلوب الجديد في اقتسام السلطة وعقلنتها ومأسسة القرار داخل بنياتها ومؤسساتها من جهة أخرى، حتى تصير أكثر انفتاحا وديمقراطية، فهذه السيرورة التاريخية في حجمها ودلالتها من الاصلاح السياسي والمؤسساتي للدولة تشهد عمليات متكاملة ومتدرجة ومتزامنة ومتوازية تتأرجح بين ديناميتي الهدم والبناء . وعليه فإن إدارة المرحلة السياسية من عمر هذا البلد الحبيب، الموسومة بالانتقالية، تتعلق بوضع برامج محددة ذات أسبقية لتحقيق إنجاز حكومي حقيقي في مستوى ثلاثة ملفات وجب أن تحظى بالأولوية، باعتبارها ملحة وحاسمة في مستقبل ومآل عملية الإصلاح الديمقراطي نفسه، وهي تشكل البنية الأساسية والتحتية لعملية الانتقال ذاته : 1) تعزيز خطة للنهوض الشامل الاقتصادي والتنموي، من خلال تطوير مشاريع تنموية تشكل قاطرة للاقتصاد الوطني ومحركة لعجلة الإنتاج داخله، وبالعمل على توسع دورة النمو فيه، بما يساعد البلد على تغيير ومراجعة نموذج التنمية الذي كان سائدا على امتداد عقود من الزمن . 2) تأمين الاستقرار السياسي واستكمال البناء المؤسساتي وتثبيت التوازن المجتمعي. 3) إعلان جدول أعمال واضح وتعاقدي بين مجمل القوى السياسية وكل مكونات الساحة الوطنية والمؤسسات السياسية والدستورية الفاعلية في البلد، لاستكمال دورة الانتقال السياسي والتسليم بمنطق تمكين الإرادة الشعبية في اقتسام السلطة وحيازة مقدرات التدبير الإداري، بما يعنيه ذلك من التمكن من أدوات السلطة الإدارية وإدخالها زمن الإصلاح . ويمكن معالجة الأفكار السابقة كما يلي: أولا:تحريك الاقتصاد الوطني وإنعاش الاستثمار وتفعيل سياسات عمومية تقر العدالة الاجتماعية وتقلص الفوارق الفئوية والطبقية والمجالية والمناطقية وتعمل على تعزيز مشاريع تنموية تكون قاطرة للنمو و محركة لعجلة الإنتاج، قادرة على خلق فرص للشغل وتجاوز الخصاصة: إن البعد الاقتصادي والتنموي يحتاج من حكومة الإصلاح والانتقال – في هذا الطور بالذات من تبلور نموذجنا الإصلاحي -إلى استفراغ جهدها في الزمن المتبقي من عمرها القصير، من أجل اجتراح مقاربة جامعة و إبداع حلول جادة، لمعالجة الإختلالات التي طالت نموذجنا التنموي الذي أثبت فشله، وكذلك يستلزم وصله بالأحوال السياسية الجارية والعصية على الاستيعاب في الأمد القصير بمجمل متغيراتها المحلية والإقليمية.. بالنظر لمجمل الأوضاع السياسية المرتبكة والمضطربة في عديد من دول الربيع الديمقراطي المنهكة سياسيا والمنهارة اقتصاديا والمتداعية تنمويا، فإن الوضع السياسي والاقتصادي في المغرب -بالرغم من طابعه الإنتقالي –يبقى شديد الحركية و عميق الاستجابة– ولو بأثر بعيد وبشكل غير مباشر- لمختلف الديناميات الارتدادية في دول الربيع الديمقراطي المتحولة سريعا من أنظمة سياسية تسلطية مغلقة.. تلك النماذج في الحكم والتدبير العمومي، كانت تنعدم فيها الحياة الدستورية والمؤسساتية والسياسية السليمة، بحيث كانت تدار بآليات الفساد الاقتصادي والمالي والاداري و بنهج الاحتكار السياسي للحكم، من خلال سيطرة نخبة معزولة وأقلية استراتيجية –من تحالف العائلات والنخب وشبكات المصالح- كانت متحكمة، ولا زالت لها مصالح تقاوم من أجل تأبيدها وحيازتها والتحصن داخلها، تلك التحالفات تحكمت في خيرات البلاد وهيمنت على مقدراتها، محتكرة بذلك لقطاعات حيوية من الاقتصاد الوطني، ومسيطرة على آليات الاستثمار الخاص والإستغلال النفعي للخيرات والثروات الوطنية العمومية فيها. ثم جاءت موجات الانتفاض الشعبي الثوري والديمقراطي فزرعت الرعب في هذه القلة، وجمدت الكثير من آليات عملها المصالحية، وعطلت مفعول شبكاتها وتحالفاتها الزبونية، بما أدى إلى آثار سلبية كثيرة من منظور هؤلاء القلة- من الرأسماليين والإقطاع الجديد- والذين استفادوا لعقود وراكموا الثروات وأنشأوا طبقة طفيلية ريعية.. تجسد كل ذلك في عديد من المظاهر الصارخة والمفزعة، نذكر منها : هروب رءوس الأموال إلى الخارج، تجميد قطاعات تنموية واعدة وأنشطة رئيسية منتجة لصالح نمو سرطاني لقطاعات وأنشطة ريعية من خلال مراكمة المضاربات العقارية، وخروج عنيف للاستثمار الأجنبي وانخفاض مخيف لتدفقاته، بالنظر لسيادة الاحتكار والزبونية وتقلص ثقافة التنافسية وانفتاح السوق، وضغوط على المنتوج المحلي الصنع، وتكبيد خسائر فادحة في سوق المنتجات الوطنية، وزيادة كبيرة في المديونية بما أدى لتضخم في القروض الاجنبية، وانخفاض الإنتاجية والصادرات، مما هدد وقد يهدد تلك البلدان ومنها المغرب بالمزيد من التبعية والالحاق لمراكز التحكم الدولية في القرار الاقتصادي الوطني المستقل. وقد انعكست هذه المؤشرات وغيرها –مما يحلله المختصون والخبراء- في : توقعات عالية بامتداد حالة الركود والانكماش في الاقتصادات الوطنية الى فترة أخرى، مما يؤدي الى تضخم غير متحمل من طرف الناس في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية الأساسية، بالإضافة الى تسجيل زيادة كبيرة في معدلات البطالة بالقياس للسكان النشيطين، وانخفاض كبير في أرباح القطاعات الاقتصادية الإنتاجية والاجتماعية منها بالخصوص، علما بأن مجملها يبقى رهينا لتقلبات أحوال الطقس وللتحولات الجارية على المدى الإقليمي . الأمر الذي ينذر باحتمالات انفجارات اجتماعية مضادة قادمة –لا قدر الله-غير محسوبة ولا مدروسة عواقبها جيدا، من قبل صناع القرار وغيرهم من الفاعلين في الحقل العام، قد تصحبها موجة غضب شعبي عارمة، وترافقها ظاهرة غدت تتصاعد وتتمثل في اندلاع احتجاجات مناطقية وإضرابات قطاعية وربما انتفاضات حضرية محلية في عديد من المدن الصغرى والمتوسطة.. فموجة الاحتجاج الاجتماعي والشبابي السابق اندلاعها في مدن المغرب وقراها انتفاضا على نمط التسلط والاحتكار الذي كان سائدا قبل سنتين من الان، وما رافقها من اصلاحات واعلان نوايا من قبل الحكم، وباستحضار الاجراءات الاحترازية التي اتخذتها الدولة على المستوى الاجتماعي والسياسي ، والتي استمرت في اتخاذها اتخذتها حكومة الاستاذ عبد الالاه بنكيران فيما بعد، كلها جمدت- ولو بشكل مؤقت- آليات عمل النظام الزبوني الريعي السابق، وهيمنته المستطيلة على الاقتصاد الوطني، وجمدت معه كثيرا الحركات الاجتماعية التي شغلت الفضاء العام بالنضال المطلبي وأدمنت احتلال المؤسسات التي ترمز للدولة من أجل تنبيهها لمطالب ذات أجندة سياسية وبعد اجتماعي، كل ذلك تم بالتوسل بآلية الاحتجاج ذي الطابع السلمي الحضري الشامل، الذي يرفع مطالب التغيير الديمقراطي لأنه رأى في التجربة الحكومية الحالية بارقة أمل انفتحت في سماء السياسة بالمغرب المعاصر. لكنها –في العمق-لم تقدم بدائل جوهرية لتحريك الاقتصاد الوطني وتفتيت النزعة الريعية والاحتكارية فيه، بل إننا لا زلنا لحد الآن نترقب بشغف كبير فتح أوراش الإصلاح الاقتصادي الحقيقية، التي ستعيد التوازن المفقود في المجتمع لصالح الطبقات الفقيرة والمهمشة والمستبعدة من دورة النمو، إن ذلك يقتضي أكثر من أي وقت مضى العناية بنهج تجربة تنموية بديلة وتجاوز النموذج التنموي السائد والذي يكرس التمايزات والفروق، وهنا وجبت الاشارة إلى: • ضرورة التركيز على قطاعات محددة رئيسة، قادرة على أن تجر قاطرة النمو الاقتصادي في القطاعات الأخرى، الفلاحية والصناعية والخدماتية . • تحفيزالحكومة للبنوك على فتح صناديق استثمارية عمومية توفر مشاريع تنموية تديرها تحت رقابة وضمان الحكومة، مع تشجيع المبادرة لإدماج الصيرفية الإسلامية والمعاملات البنكية البديلة، وفتح آفاق جديدة لها وفك الحصار عليها . • تحريك الاستثمار في مشاريع تعتمد على جملة الموارد الذاتية والمحلية، من خلال استثمار الذكاء الجهوي وامكانيات الاقتصاد التضامني المناطقي، وهنا تبرز أهمية تحرير وتطوير مؤسسات الوقف وتحديثها وانعاشها والتجديد في أبواب الانتفاع من مخرجاتها وحفز الناس عليها من جديد. • أهمية استثمار رأس المال الاجتماعي والقيمي والوطني الذي كشفت عنه التجارب والمبادرات التاريخية والحضارية الوطنية العديدة التي يختزنها الموروث الثقافي لبلدنا، والذي يحفظ بقية من الرمق الاقتصادي التضامني إلى الآن، مع ضرورة تشجيع الطاقات والقوى المجتمعية ذات البعد الاقتصادي والتي طالما تمت مصادرتها وتكبيلها في العهود السابقة من سيادة الريع والاحتكار والنهج الإقطاعي في تدبير الاقتصاد، مع الحرص تفعيل شبكات الثقة والتضامن المجتمعي التي نشأت وكونت بديلا اجتماعيا واقتصاديا واسعا على امتداد التراب الوطني. • الانتقال من إدارة الاقتصاد بالفساد المالي الاحتكاري والريعي والزبوني، إلى إدارته بالإصلاح والعمل والتنافس الشريف والكسب القانوني والنجاعة في العمل والإنتاج. كل ذلك يحتاج إلى تغيير شامل في إدارة الانتقال نفسه : بإدماج الانتقال الاقتصادي والسياسي والمجتمعي ضمن استراتيجية إصلاحية وتنموية ونهضوية متكاملة الأبعاد وشاملة الآفاق . مع ضرورة تنويع وتكامل مداخل الحلول الاقتصادية والتنموية المقترحة : مجتمعية وحكومية رسمية و خاصة. ثانيا : تأمين شروط الاستقرار السياسي والإجتماعي، واستكمال عناصر البناء المؤسساتي وتثبيت التوازن المجتمعي، وضرورات التطوير والتجديد: في إطار الفلسفة التي يمكن أن تستند إليها عملية تدبير السياسات العامة للدولة، وبناء الاستراتيجيات فيما يخص المسألة السياسية ذات الصلة بالاستقرار المؤسساتي والاجتماعي، فإنه من الواجب النظر إلى الاستقرار والأمن الشامل للوطن والمواطن بمفهومه الواسع، بما يشير إلى الاستقرار الإنساني والاجتماعي الديمقراطي. وفي هذا المقام فإن الاستقرار- باعتباره حالة قائمة وعملية سيرورة جارية - يتطلب أمورا لازمة حاسمة وعاجلة، وذلك لاعتبارات تؤسس لذلك المفهوم الواسع للاستقرار في بلد يتجه للبناء الديمقراطي. وضمن هذه الرؤية، فإن حالة الانفلات المتوقعة وعدم الاتزان في ممارسة الحريات العامة وتوسيع مفهوم الفضاء العمومي من خلال النضال من أجل توطيد عقد المواطنة، وانعدام النضج المفروض في رؤية التطور الديمقراطي البطيء الخاص بالبلد، كل ذلك يشير وبشكل مباشر إلى عدة أمور تتعلق بطبيعة المرحلة التي من معانيها التمرس على العملية الديمقراطية وتتطلب مزيدا من التمرين الجماعي على بناء دولة القانون والمؤسسات، وبالخصوص من قبل مكونات الحياة السياسية المؤسساتية، وبالتحديد تلك الاطراف بعينها التي تسهم لحد الساعة في عمليات التيئيس والتشكك العام ونشر الخلط وبث عدم الاستقرار، والتصدي لمهمات قذرة لها صلة ببمقاصد وأهداف قوى المحافظة والردة الديمقراطية التي من مصلحتها التحكم في الحياة السياسية وقطع الطريق على نجاح تجربة الاصلاح الديمقراطي، تلك القوى تنهج في ذلك أسلوب قطاع الطرق من خلال حرصها على منع أي إمكانية لاستكمال ممارسة الحياة الديمقراطية الطبيعية على المستوى السياسي والاجتماعي، باستهدافها الدائم والمستفز للاطراف الفاعلة في التحول الديمقراطي الجاري، وخصوصا تلك التي أنتجتها صناديق الاقتراع، وفي طليعتها حزب العدالة والتنمية . وفي هذا المقام، فإنه من الضروري أن نتحدث عن نقطة بداية عاجلة لمزيد من تأمين الحياة السياسية الديمقراطية السليمة، وتأمين التعددية الحقيقية وبسط الحريات العامة، والالتزام في ممارستها بمسؤولية وطنية عالية ومتجردة، ولا بد أيضا من العمل على توفير بيئة سليمة لذلك. يجب أن تتأسس الحياة السياسية الديمقراطية السليمة على قاعدة تحرك أجهزة الدولة لاستعادة هيبتها باعمال القانون وحده، بعيدا عن سلطة الاستبداد والقهر والاستفراد والاستغلال، وفي طليعة ذلك المسعى وجب تطوير أسلوب اشتغال وزارة الداخلية خصوصا الجهاز الأمني داخلها لتصحيح صورته لدى المواطن المغربي وتجاوز ظلال الكبت والغصب العالقة به في العقل الجماعي للناس، وكذا في اطار اعطاء شحنة جديدة من الكرامة لمفهوم الجديد للسلطة.. إنه لتحقيق هذه الأهداف الأساسية، بالسرعة الزمنية المناسبة والفورية، التي تنشد تحقيق الاستقرار والأمن المجتمعي والإنساني والوطني، وجب رفع اليد على قمع التظاهر السلمي والقطع مع كل الإجراءات الحاطة بالكرامة الإنسانية، تلك الإجراءات والأساليب التي علقت بالثقافة العامة لاشتغال تلك الأجهزة لحظة التنازع على السلطة والتشكيك فيه والصراع حول المشروعية . ويستلزم ذلك أيضا الحرص على تجاوز كل الإشكال المهينة للكرامة الإنسانية في التعاطي مع أساليب الاحتجاج السلمي المدني لمجمل الحركات الاحتجاجية والمدنية والاجتماعية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى وبنفس المسؤولية النضالية والأخلاقية فإنه واجب على كل مكونات السياسية والاجتماعية والمدنية وحركات الاحتجاج السلمي والحركات الجماهيرية وغيرها أن تبتعد عن أسباب إثارة البلبلة والاضطراب العام وعدم الاستقرار والتخويف والترويع والتحشيد العدواني على أساس الكراهية والحقد الأعمى، بما يؤدي إلى تشويه صورة النضال السلمي الشعبي بكل تنوعاته ونقاء وصفاء شبابه ومناضليه، وقراءة انعكاسات ذلك على مجمل القضايا العادلة والمشروعة. إن الإبقاء على ساحة النضال الاجتماعي فارغة من الجهد التأطيري لمؤسسات الوساطة المدنية والسياسية والجماهيرية ، قد يؤدي بتحريف مسار الدينامية الاحتجاجية والاجتماعية ذاتها وقد يورط المجتمع برمته في أساليب للنضال والاحتجاج غريبة ومتوحشة، قد تكون متعمدة وقد تكون غير متعمدة من قبل فاعلين اجتماعيين وسياسيين جدد، يؤمنون بأدوار العفوية في الاحتجاج، وهذا فيه مخاوف جمة، مما يتطلب منا جميعا مضاعفة الجهود للنهوض بهام الدفاع والنضال عن الحقوق المشروعة للفئات المعزولة من دورة النمو. وهذا لا يجب أن ينسينا مهمة مركزية أساسية وهي العمل على إعادة الهيكلة العاجلة للموارد البشرية التي تشكل أجهزة السلطة العمومية والترابية منها بالخصوص، ومباشرة مهمة التصدي لإصلاحها وتأهيلها وتأنيسها لتتناسب مع أهداف الانتقال، وإدماجها في روح المرحلة المسومة بالإصلاح والتطوير، بنزع الطابع التسلطي والتحكمي عنها، باعتبارها كانت ترمز لكل أشكال العصيان والتمنع عن الإصلاح والتصالح مع المواطن . ثالثا: استكمال مهام الانتقال السياسي الشفاف وجدولته : إن الحالة الضبابية للانتقال السياسي المضطرب والمتذبذب التي لازلنا نعيش في أتونها، قدمت مناخا نموذجيا لحالة الاستقطاب السياسى المفتعل بين عدد من الأطراف السياسية الظاهرة والخفية، والذي يقوم –بعضها-على تصنيع الأزمات الحكومية والسياسية وافتعالها، للأسف الشديد، ومن ثم وجب : الإسراع بعودة الحياة السياسية إلى طبيعتها الدستورية من خلال استكمال مسلسل البناء المؤسساتي، وذلك بالإسراع بتفكيك مجلس المستشارين وإجراء انتخابات عاجلة للجماعات الترابية وفقا للدستور الحالي : فمع الاعتراف بالدور الإيجابي المحوري الذي لا بديل عنه للمؤسسات الدستورية والسياسية المتمخضة عن الحياة الدستورية الجديدة، فإننا لا زلنا نعاني حالة من المراوحة والازدواجية غير المفهومة ولا المستساغة بين دستورين ونمطين من الانتقال السياسي والمؤسساتي الأعرج، إلا أن تقليص فترة بقاء المؤسسة التشريعية –الغرفة الثانية على وجه التعيين والتحديد- في حالة شرود دستوري والإبقاء عليها عليلة في واجهة المشهد السياسي المغربي المعاصر، ليعد أمرا مشوشا ومثيرا للغرابة والشفقة ويحمل معه مخاطر جمة على صورة المشهد السياسي الذي تتبدى به التجربة الديمقراطية الوليدة ; إن مطلب حل مجلس المستشارين بات مهمة عاجلة في المرحلة، يلتقي عليها كل الديمقراطيين مهما كانت مواقعهم وانحداراتهم التنظيمية والاديلوجية، ومن ثم يصبح انتقال السلطة السياسية والمؤسساتية والإدارية بالتمام إلى الأغلبية السياسية التي أفرزها الاختيار الشعبي الحر ل25 نونبر 2011 ، والاستشارات الانتخابية المتعاقبة والمرتقبة كذلك، هو الخطوة الأولى التي يجب التأكيد على الإسراع بها وعدم تمديدها أكثر مما ينبغي، وتحت أى مبرر أو ظرف كان، بما يعنيه من راهنية تحديد أجل مضبوط للانتخابات الجماعية المحلية الترابية وفقا للدستور الجديد. إن توقيت وجدولة وترتيب إجراء الانتخابات الجماعية، تبقى مسألة لابد من تحديدها بدقة وبعد حساب كافة التداعيات والاثار، وما يستلزمه ذلك من تطوير للترسانة القانونية والرزنامة المتصلة بالعملية برمتها. فالواقع أننا أمام مراحل فرعية ممتدة ومتداخلة، في سياق المرحلة الانتقالية الرئيسية للتحول الديموقراطي، وللبرلمان بغرفتيه كمؤسسة للرقابة والتشريع دوره الحاسم في هذه المرحلة، وعلى السلطة التنفيذية ممثلة في الحكومة الحالية أن تتحمل كامل مسؤولياتها الوطنية والدستورية في قيادة بقية المراحل الفرعية اللاحقة من عملية الإنتقال الناجز الى الديموقراطية والى استكمال تدشين المؤسسات التمثيلية لدولة المؤسسات والفصل بين السلطات . إنه بتبنى دستور فاتح يوليوز الجديد المحدد للصلاحيات والموازن للسلطات-بالرغم مما يمكن الاستدراك النقدي عليه ومن غموض بعض من فقراته ومواده - : فان الاجماع الوطني الواضح المنعقد حوله، يطوقنا –كقوى سياسية ديمقراطية – بمسؤولية تأويله ديمقراطيا ومباشرة عمليات تنزيله وتفعيله في الحياة السياسية والدستورية والديمقراطية، وذلك بالقطع مع كل إمكانيات تجميده أو وضعه في الرف أو تأويله بشكل تقليدي غير ديمقراطي أو إدخال الحياة السياسية من جديد في الانصياع لدستور ضمني غير مكتوب ولا متعاقد بشأنه. إن الحاجة إلى تفعيل الدستور الجديد تبقى ماسة و راهنة، وهي مؤسسة لمرحلة أخرى في الحياة الديمقراطية والدستورية لبلدنا، وهي حاجة حيوية لتطوير وتحديث نظامنا السياسي وإدخالنا كبلد في عهد نمط جديد لتوزيع السلطة وممارستها، دستور يكون صورة للحياة السياسية برمتها متسق النصوص ومؤسسا لنظام ديموقراطى، قادر على تحقيق التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية، مقرا للتوزان بين السلطات ومؤسسا لمبدأ المسؤولية السياسية بما تعنيه من ربط للمسؤولية بالحاسبة . وفى هذا الإطار وجب النظر إلى معركة التأويل الديمقراطي للصيغة الدستورية باعتبارها انتقالية وبحسبانها مقدمة لدمقرطة أشمل للنظام السياسي المغربي في اتجاه يقر مزيدا من السلطات للشعب ومشاركته في التوزيع العادل للسلطة والثروة، مع الاتفاق على تكوين نخبة سياسية جديدة جديرة بحياة ديمقراطية سليمة . تبقى الإشارة إلى مسألة بالغة التعقيد والدقة وعدم الوعي بها وحسمها قد يورطنا في تيه وزيف في النظر لمعركة الإصلاح الشامل، وهي أهمية التمييز بين النظام السياسي والدولة، فإصلاح النظام السياسي وآلية القرار داخله لا يعنى بأي حال من الأحوال تهديد الدولة في ثوابتها المحفوظة والتي أجملها الدستور في أربع-الإسلام، الوحدة الوطنية والترابية، الملكية البرلمانية الاجتماعية، الاختيار الديمقراطي -، بل إننا في الحالة التي نحن بصددها الآن، نستوعب جيدا أن مثل هذا التغيير الشامل في آلية اتخاذ القرار من خلال مأسسة السلطة وعقلنة اتخاذ القرار داخل أجهزتها بناءا على منطق السيادة الشعبية، يعنى تجديد وتحديث سلطة الدولة وتقويتها بثوابتها وحمايتها في أسسها وتدعيم استقرارها على مستوى المؤسسات والأجهزة وعلى مستوى المجتمع والناس كمواطنين فاعلين لا كرعايا تابعين وملحقين بها أيضا. فمن الأهمية بمكان في هذه المرحلة بالذات من تطور وتبلور مشروعنا الإصلاحي الديمقراطي في إطار من الاستقرار السياسي والإجتماعي، العمل على تخطى حواجز التردد والخوف من مواجهة ومقاومة مفاعيل وآثار المشروع المضاد للتغيير الديمقراطي ومخاطر ذلك على سطوة النموذج التسلطي وتحكمه الشامل في المجتمع، والذي كان يتطور بإصرار في أحشاء الدولة ويجد له مسالك في رحم المجتمع، وقد كانت هيمنته وشيكة تهدف إلى الإطباق التام على الحياة السياسية والمدنية والعمل على إغلاقها ومصادرتها واحتكارها لصالح حزب الدولة، وكذا التحكم المطلق في المقدرات والثروات الكامنة في الوطن. إننا تخطينا تلك العقبة بالمواجهة الشاملة مع خطاب الاستبداد وإرادة الإغلاق للمشهد السياسي زمن التراجع الديمقراطي، وقد اشتد الصراع المكشوف والممتد مع ذلك النهج ووصل ذروته في 2009، تخطينا تلك العقبة الكأداء كما تخطينا حاجز الخوف من القهر والظلم والاستبداد إلى غير رجعة . فالنجاح في إدارة هذه المرحلة الانتقالية واللحظة القادمة منها –بعد التوفق في الخروج من أزمة الأغلبية السابقة وتركيب أغلبية جديدة مكنت الحكومة الحالية من تجديد محركات أحد أعمدة الإصلاح- إن النجاح في ذلك يعتمد على الثبات والتصميم لتحقيق المطالب الإصلاحية النابعة من رحم الشعب، مع إدراك أهمية التعامل الهادئ والحذر مع الآثار السلبية المتوقعة لأي عملية تغيير ديمقراطي أو إصلاح سياسي تأتى بعد فترة جمود سلطوية طويلة الأمد، امتدت لزمن طويل لا تزال أشباحها تطاردنا من بعيد . إن مثلث: تحريك الإقتصاد الوطني من جهة، وترسيخ الاستقرار السياسي والأمان الاجتماعي الداخلي، والحرص على الكينونة الوطنية والسيادة المستقلة كمدخل لتحقيق استراتيجية الكرامة الإنسانية من جهة ثانية، وبيان خرائط الانتقال السياسي الديمقراطي وجدولته باستكمال مهام البناء المؤسساتي من جهة ثالثة، كلها مخارج مهمة في استكمال بناء مرحلة الانتقال الجارية وحتى في امتدادها للمرحلة القادمة، وإدارتها بإرادة حكومية سياسية ومسلحة بتطلعات واقعية وبإسناد شعبي، كل ذلك قد يعيد الأمل لساحة السياسة التي غادرها مند زمن بعيد . والواضح –لحد الساعة-ومن واقع الحال افتقاد قوى التحكم للإرادة الواضحة القاطعة وبلا رجعة لبناء ديمقراطي استراتيجي ممتد وبعيد المدى، وافتقاد العدة الحقيقية في إطار عجز الإدارة السياسية لعدد من الأطراف-داخل الدولة وخارجها- واضطرابها وتكلسها، قد تؤدي إلى تيه سياسي وشرود جماعي عن تلك القضايا التي تتعلق بالاقتصاد والاستقرار الآمن والانتقال السياسي الهادئ للديمقراطية. ختاما : بين تعثر الإرادة، وتلكؤ الإدارة، في مناخ حمل مع فجوة المعلومات المحدودة سيولتها وتدفقها من صانع القرار إلى قوى الشعب ومكوناته الحية، المؤدي لفقدان الشفافية، وفجوة الآليات الناجعة في الفعل الإصلاحي والانجاز العيني والمباشر، التي أدت لفقدان الفاعلية، فجوة الإرادة التي تؤدي إلى التشكك والارتياب، وفجوة الإدارة التي قد تؤذن بفقدان المصداقية في الفعل والانجاز، لا قدر الله .