- في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، كان الشعراء المغاربة، المجددون والحداثيون، يؤسسون منجزهم الشعري تحت تأثير مقولة مركزية الشرق الشعرية وعجز المغرب عن إنتاج شاعر كبير؛ كيف تفاعلت أنت مع هذا النقاش؟ -- لم أكن متفقا مع القائلين بهذا الطرح، لأن الواقع يكذبه، فلدينا في المغرب شعراء متميزون وليس شاعرا واحدا فقط، إذ هناك على سبيل المثال لا الحصر احمد المجاطي ومحمد السرغيني ومحمد الخمار الكنوني وعبد الكريم الطبال.. وهؤلاء بصموا الشعر المغربي، وبعدهم سيبصم هذا الشعر جيل آخر حداثي هو جيل عبد الله راجع ومحمد بنطلحة ومحمد الأشعري والمهدي أخريف ومحمد بنيس ورشيد الميموني ومحمد الميموني وصلاح بوسريف وعبيبة الحمري وحسن نجمي وادريس الملياني ووفاء العمراني.. ناهيك عن جيل ثالث مثل عزيز أزغاي ووداد بنموسى وعائشة البصري.. وآخرين. إن الشعر المغربي له حضوره البارز في خريطة الشعر العربي الحديث، ولو كره المشارقة. وللإشارة، فإن كثيرا من الشعراء العرب لهم شعر رديء، سواء تعلق الأمر بالشعر العمودي أو بالشعر الحديث، وأستثني هنا صلاح الدين عبد الصبور صاحب ديوان "الناس في بلادي" وأحمد عبد المعطي حجازي صاحب ديوان "خليل حاوي في لبنان".. لكن أكبر رمز شعري في بلاد الأرز يبقى هو سعيد عقل، رغم مارونيته المسيحية وعنصريته تجاه اللغة العربية. أما عن الشعر المغاربي، فباستثناء شعراء مثل محمد العلوي وادريس الجاي وعبد الكريم بن ثابت وأبو بكر اللمتوني وغيرهم، فإن الشعراء العموديين الأوائل كانوا صدى للقصيدة العربية الكلاسيكية. - لكن، من داخل الشعراء والنقاد المغاربة، كان هناك من يؤيد هذا الطرح ويقول إن القصيدة المغربية مجرد صدى للصوت المشرقي ومجرد ظل للضوء الشعري المشتعل في لبنان والعراق ومصر وسوريا.. ما رأيك؟ -- بالنسبة إلى ثنائية الضوء والظل بين الكتاب المغاربة والمشارقة، فإن الأمر مجرد مسافة جغرافية لا غير، إذ المغرب هنا والمشرق هناك، وإذا كان المشرق، وبخاصة مصر، سباقا إلى نهضة ثقافية وأدبية، فإن المغرب كان مجرد صدى لهذا المشرق الثقافي والفني عبر الكتب والمجلات والأفلام والمسرحيات، لكن المغرب سينهض من صداه التاريخي وسيصبح جزءا لا يتجزأ من المشرق. هكذا سيدخل المفكر عبد الله العروي فضاء المشرق بكتابه المتميز "الإيديولوجية العربية المعاصرة" وعابد الجابري بمشروعه "العقل العربي"، وأيضا زفزاف بروايته "المرأة والوردة" التي نشرها له الشاعر يوسف الخال ضمن منشورات "وان" البيروتية، ولا أنسى هنا قصة "التحدي" لعبد الكريم مطيع الذي أصبح داعية إسلاميا بعد أن جالسته مرات عديدة بإحدى مقاهي الدار البيضاء. وقد تركت قصته تلك حينها صدى ونقاشا واسعين على صفحات مجلة "الآداب" البيروتية. - هل جالست الشيخ عبد الكريم مطيع، مؤسس "الشبيبة الإسلامية"، على طريقتك.. هل كان مطيع يشرب...؟ - طبعا، كان يشرب البيرة، وقد شربتها معه في بيته الوظيفي، قرب "ليسي ليوطي"، محمد الخامس حاليا، بحضور المرحوم مصطفى القرشاوي، قبل أن يفاجئنا مطيع ويؤسس الشبيبة الإسلامية. - الحساسية التي كانت قائمة بين الشعراء المغاربة والمشارقة، كانت نظيرة لها تعتمل أيضا بين شعراء مغاربة جمع بينهم الشعر وفرقت بينهم السياسة. أستحضر هنا المناوشات والسجالات التي كانت بين احمد المجاطي وحسن الطريبق والخمار الكنوني..؟ -- كان المجاطي، رحمه الله، شاعرا جيدا، وكان ديوانه "الفروسية"، حال صدوره، ديوانا قويا على المستوى الشعري، لكنه كان عدوانيا، وقد افتعل حساسيات مع بعض الشعراء، وعلى رأسهم المرحوم محمد الخمار الكنوني، كما كان يسيء إلى الشاعر محمد السرغيني.. الكنوني كان جارا لي بزنقة المرينيين في حي حسان بالرباط، وقد كنا نلتقي معا في مقهى بشارع العلويين القريب من محلي سكنانا، فيشتكي إلي المجاطي مرّ الشكوى. والكنوني، كما أسلفت، كان شاعرا جيدا، متواضعا، وغير مدع، وكانت له حساسية شعرية كبيرة تجاه الأشخاص والأشياء، وقد كان يكتب في صمت مفضلا النأي بنفسه عن كل تلك الفوضى الشعرية التي سادت حينها، ولعل ديوانه "رماد هسبريس" خير دليل على قامته الشعرية المديدة، غير أنه لم ينل حقه من الاعتراف والتقدير. - كان للمجاطي موقف سلبي، أيضا، من محمد بنيس؟ -- المجاطي كان مكروها لدى بنيس الذي كان يقول عنه إنه ليس شاعرا، وقد حضرت جلسات عديدة كان المجاطي يصرف فيها هذا الموقف؛ وفي سنواته الأخيرة كانت له حساسية تجاه محمد برادة أيضا؛ كما كان يحتقر حسن الطريبق.. هذه هي شخصية المجاطي التي امتاز بتشكيكه في من سواه، وبمحورة الأمور كلها حول ذاته. - كانت للطريبق، الاستقلالي، سجالات عنيفة مع احمد المجاطي "الاتحادي"، على صفحات جريدتي "العلم" و"الاتحاد الاشتراكي".. -- نعم، كانت بينهما ملاسنات سياسية، وكان المجاطي يكتب باسم مستعار هو "كبور لمطاعي". - ألم تكن للمجاطي الجرأة على انتقاد مخالفيه الرأي بوجه عار؟ -- ربما. - اسم المجاطي، ذاته، ليس هو الاسم العائلي الحقيقي لصاحب ديوان "الفروسية"، وإنما هو المعداوي.. -- نعم، وأخوه هو الشاعر مصطفى المعداوي، لكن المجاطي كان يغار من أخيه مصطفى الذي كان شاعرا عموديا ومناضلا في صفوف الاتحاد المغربي للشغل، ولكي يتميز أن أخيه أطلق على نفسه اسم المجاطي، قبل أن يعود إلى التوقيع باسم احمد المعداوي في كتابه الأخير "ظاهرة الشعر الحديث". - خلال مرحلة الستينيات والسبعينيات سادت موضة التوقيع بأسماء مستعارة.. -- نعم، وأنا شخصيا كتبت باسم "إياد" وبغيره من الأسماء المستعارة، ومحمد برادة كان يكتب باسم "حمّاد"، فيما كان عبد القادر الشاوي يكتب باسم "توفيق الشاهد".