لم تعد تجد أدنى حرج في الوقوف أمام أحد المساجد بمقاطعة الحي الحسني في الدارالبيضاء، تحاول بصوت شجي استمالة عطف المصلين، الذين اعتادوا الصلاة في هذا المسجد، لباسها لا يوحي بأنها متسولة، إنها سيدة قادمة من إحدى مدن سوريا، بسبب الصراع الدموي الذي يعرفه هذا البلد منذ أزيد من سنتين. وجود هذه السيدة غير "مرحب" به، ليس من قبل عموم المواطنين، ولكن من قبل ممن اعتادوا التسول أمام باب هذا المسجد، بسبب المنافسة الشرسة التي أصبحت مفروضة عليهم، خاصة أن العديد من المواطنين يتعاطفون كثيرا معها، بحكم الظروف التي تمر منها سوريا في الآونة الأخيرة. مشهد السيدة أمام هذا المسجد أصبح يتكرر في جل المساجد البيضاوية، فمنذ شهور ارتمت عائلات كثيرة في أحضان الدارالبيضاء ولم تجد بدا من التسول أمام المساجد، وهو الأمر الذي ضاق منه ذرعا المتسولون المغاربة. وتقول إحدى المواطنات ل"المساء" "إنهم يستحقون مد العون لهم، لأنهم اضطروا إلى القدوم إلى المغرب، كما أنهم لا يجدون أي عمل من أجل كسب لقمة العيش ومنح الصدقة لهم مسألة جيدة"، وهو الرأي الذي يزكيه خطيب جمعة بالدارالبيضاء الذي قال "هؤلاء السوريون حلوا بالبيضاء هروبا من القتل، بسبب الحرب الدائرة هناك، وتقديم الإحسان إليهم أمر مستحب، لأنهم يعتبرون عابري سبيل". هذا الكلام يثير غضب بعض المتسولين المغاربة، خاصة أيام "العواشر"، حيث يكثر تقديم الصدقات للمتسولين أمام أبواب المساجد. وقال مصدر من اللجنة المغربية الشبابية لدعم الشعب السوري ل "المساء" إنه خلال الحراك الذي عرفه المغرب منذ اندلاع الصراع الدموي بسوريا تم التحذير من أن يتحول المواطنون السوريون الفارون من جحيم الصراع إلى متسولين أمام أبواب المساجد، لينضافوا إلى قائمة المتسولين المغاربة، وأكد أنه سبق أن تمت مطالبة الدولة باحتضانهم وعدم الرمي بهم أمام أبواب المساجد، وقال "لابد أن تكون هناك مقاربة اجتماعية لهذه القضية، خاصة أنها تتنامى بشكل كبير". وأضاف المصدر ذاته أن رجال الأعمال السوريين المقيمين بالمغرب بشكل قانوني يجب عليهم أن يتحملوا جزءا من المسؤولية في هذا الشأن، خاصة أن الأمر يتعلق بمواطنين من بلادهم، فلا يجب أن يرفعوا أيدهم عنهم. وأكد أن التسول لدى الفارين من سوريا يكون بشكل جماعي ويقبلون بشكل مكثف على الأحياء الراقية، وقال "إنهم يوجدون بشكل كبير أمام أبواب المساجد في الأحياء الراقية، لأنهم يدركون جيدا أن في هذه الأماكن سيحصلون على مرادهم". وأبرز المصدر نفسه أنه لا يجب التعامل مع هذه القضية بنوع من اللامبالاة، على اعتبار أن ذلك يساهم في تعميق هذه القضية، التي بدأت في الظهور منذ الشهور الأولى لاندلاع الصراع الدموي في بلاد الشام. وانضافت أفواج المتسولين السوريين إلى بعض الأفارقة، الذين لم يعودوا يجدون بدورهم أي حرج في التسول بالشوارع وفي الأسواق الشعبية، مستعملين بعض الكلمات "بالدارجة"، حتى يستميلوا عطف المواطنين.