إحصائيات ظروف السكن بالعاصمة الاقتصادية الدارالبيضاء مخيفة. الجرد الذي قامت به جريدة «الأحداث المغربية» يغني عن كل التعاليق، فبالرغم من كون وزارة السكنى التي يقودها توفيق احجيرة أعلنت لأول مرة بأن الدارالبيضاء ستصبح مدينة بدون دور قصدير سنة 2011 وعادت لتقول 2012، فإن جل المؤشرات تدل على أن الدارالبيضاء «غير مستعدة» للتخلي عن صفيحها قبل سنوات. وأتذكر مرة كيف كان الوزير احجيرة متذمرا للغاية وهو يشرح للإعلاميين بأن أي جهد حكومي في هذا الباب لن ينجح بدون تعبئة المنتخبين والسلطات المحلية، وهما الطرفان اللذان أثبت الزمن بأنهما متواطئان ضد مشروع الدارالبيضاء مدينة بدون صفيح.. وفضيحة لهراويين أكبر دليل على ذلك. فهل يكفي أن ترصد الدولة 800 مليار سنتيم للقضاء على حوالي 480 حيا صفيحيا يقطنها نصف مليون من سكان العاصمة الاقتصادية؟ بالتأكيد إن ذلك غير كاف وكل حملات التوعية التي تقوم بها الدولة هي كذلك غير كافية، فما العمل؟ هناك شيء اسمه دولة الحق والقانون، وما وقع في فضيحة لهراويين عار على جبين كل من له مسؤولية في درجات السلطة المحلية بالدارالبيضاء، وتقديم ملف فضيحة لهراويين للقضاء وحتى إعفاء الوالي القباج من مهامه يبقى غير كاف. فمعالجة ملف سكن القصدير لا يجب أن يكون انتقائيا ولا ضمن حملات ظرفية، بل خبزا يوميا لرجال وأعوان السلطة وحربا ضروسة ضد سماسرة أحزمة الفقر والبؤس. كم من هراويين في الدارالبيضاء؟ كم من حي صفيحي نبت في عاصمة الاقتصاد عندما كان الوزير احجيرة يصرخ لمن يريد أن يفهم بأن القضاء على مدن القصدير تخطط له وزارته، لكن تنفذه السلطات المحلية. تصوروا ..480 حيا صفيحيا بمدينة واحدة هي الدارالبيضاء وملف واحد من الحجم الكبير أمام القضاء، فأين المخالفون الآخرون؟ لن يكون بمقدور أي كان أن يقنعنا بأنه تم القبض على هذا المقدم هنا وحتى ذاك القائد هناك.. فنحن نقصد شبكات الاتجار في دور الصفيح، والشبكات لها امتدادات وفروع، فأين هي الأجهزة التي تحصي أنفاسنا؟ المفارقة هي أنه في كل زيارة ملكية للدار البيضاء، يبرمج تدشين لمجمعات سكنية لفائدة سكان دور الصفيح.. لكن في نفس الوقت، وتحت جنح الظلام، تبنى دور صفيحية أخرى، بل تشيد أحياء بكاملها. فمن المسؤول؟ لكل ذلك معنى واحد. إننا كلما تقدمنا خطوة واحدة للأمام، نجد قوى «غرائبية» تجر هذا البلد للوراء. من هي هذه القوى. وما السبيل للقضاء عليها؟ أما السؤال الأول فللأجهزة المختصة ما يكفي من الإمكانات لتحديدها. لكن الجواب عن السؤال الثاني يكمن اختزالُه في كلمة واحدة هي «العقاب» ويمكننا أن نضيف «عدالة غير انتقائية». وفي الأخير لا بد من التذكير أننا نعيش في عز الموسم الانتخابي الذي تنشط فيه تجارة الوعود ومنح «رخص» السكن الصفيحي بأريحية لكسب أصوات الناخبين، فافتحوا أعينكم يا مسؤولي الدارالبيضاء ويا «قادة» الداخلية.