حال تخوف عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة، وعدد من وزرائه، من استغلال بعض بنود مشروع قانون محاربة العنف ضد النساء، دون المصادقة عليه خلال اجتماع المجلس الحكومي المنعقد أول أمس الخميس. واضطر بنكيران، مكرها، إلى تأجيل المصادقة على المشروع وتكوين لجنة برئاسته لمراجعة النص وتقديمه للمصادقة في اجتماع حكومة مقبل، مخافة تكرار سيناريو دفاتر تحملات القنوات العمومية. مصادر حكومية مطلعة كشفت ل«المساء» أن بعض بنود مشروع القانون رقم 13- 103، الذي تقدمت به بسيمة الحقاوي، وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية، أثارت جدلا خلال المجلس الحكومي بين رئيس الحكومة وعدد من الوزراء، بالنظر إلى ما قد يفتحه المشروع من أبواب جهنم على حكومة بنكيران الثانية، مشيرة إلى أن رئيس الحكومة ووزراء في حكومته أبدوا تحفظهم على بنود في المشروع، من أبرزها ما يتعلق بجرائم كالسرقة بين الأزواج، وجرائم أخرى كالنصب والاحتيال المرتكب بين الزوجين. وحسب مصادر «المساء»، فقد بدا لافتا، خلال مناقشة مشروع القانون، تساؤل رئيس الحكومة عن إمكانية قبول المجتمع المغربي لمقتضى يخص فعل السرقة بين الأزواج، الذي تم التنصيص عليه لأول مرة من قبل المشرع المغربي، مشيرة إلى أن بنكيران لمح إلى أن المواطن المغربي قد يرفض التنصيص على تجريم ما وصفه المشروع بالسرقة بين الأزواج. وخصص مشروع القانون الجديد، لأول مرة في التشريع المغربي، حيزا لأفعال لم يكن المشرع يعدها جرائم كالسرقة بين الأزواج، وجرائم أخرى كالنصب والاحتيال المرتكب بين الزوجين، وخيانة الأمانة، إضافة إلى تبديد أو تفويت أموال الأسرة بسوء نية، والامتناع عن إرجاع الزوج المطرود إلى بيت الزوجية. إلى ذلك، أكدت مصادرنا أن محاولة تقليص أكثر ما يمكن من فرص استغلال بعض البنود لإثارة الفتنة مجددا من قبل معارضي التجربة الحكومية، التي يقودها الإسلاميون، هي التي كانت وراء إرجاء المصادقة على المشروع وإعادة النظر في بعض مقتضياته، لافتة إلى أن حكومة بنكيران سلكت طريق الحيطة والحذر حتى لا تجد نفسها في موقف حرج كما كان الحال خلال إعداد دفاتر التحملات الخاصة بقنوات القطب العمومي، وتتجنب إثارة مشاكل في وجهها هي في غنى عنها، خاصة أن الكثير من معارضيها يتحينون الفرصة لمهاجمتها. من جهته، أوضح مصدر حكومي، طلب عدم ذكر اسمه، في حديث للجريدة أن ما سماها ببعض الاختلافات الجزئية التي تحتاج إلى التدقيق، هي التي حالت دون المصادقة على مشروع القانون، الذي كان ثمرة شراكة بين وزارة الأسرة والتضامن ووزارة العدل والحريات، مشيرا إلى أن الحكومة، بمختلف مكوناتها، ارتأت تشكيل لجنة للتدقيق في تلك الاختلافات وبعض بنود مشروع القانون التي قد تثير جدلا داخل المؤسسة التشريعية وتشكل إحراجا للحكومة، نافيا بالمقابل، أن يكون إرجاء المصادقة على المشروع بسبب خلاف في المرجعيات بين مكونات الحكومة. وفيما ينتظر أن تنكب اللجنة، التي يرأسها بنكيران، على إدخال تعديلات على النسخة الأولى من المشروع، احتجت الجمعيات النسائية والجمعيات المكونة لربيع الكرامة والشبكات الوطنية لمراكز الاستماع على عدم إشراكها في بلورة المشروع وإقصائها من التشاور حوله، باعتبارها فاعلا أساسيا في مجال محاربة العنف القائم على النوع، منددة ب»إفراغه من المحتوى الذي كان من المفروض أن يتضمنه». الجمعيات المحتجة، سجلت، في بيان لها، غموض المقاربة المعتمدة تارة وتعارضها تارة أخرى، واستبعاد مقاربة النوع منهجا وهدفا لمشروع القانون، والربط القسري بين النساء والأطفال وإقحامهم في مشروع قانون خاص بمحاربة العنف ضد النساء. بالإضافة إلى تجاهل الأبعاد الأربعة الأساسية لأي مشروع قانون يهدف إلى محاربة العنف ضد النساء، وهي الوقاية من عنف النوع والحماية منه وردع مرتكبيه والتكفل بضحاياه، وكذا تنظيم العلاقة بين جميع المتدخلين من جمعيات المجتمع المدني وغيرها. ودعت الجمعيات إلى مراجعة هذا المشروع وتوفير شروط تدقيقية وتحقيق انسجامه على مستوى الحرِية والمقاربة والمقتضيات، وفتح حوار جدي مع مكونات الحركة النسائية التي راكمت خبرات ومعرفة ومهنية في مجال محاربة العنف ضد النساء لضمان إصدار مشروع قانون في مستوى التزامات المغرب الدولية في مجال الحقوق الإنسانية للنساء، ومتطلبات الحماية الفعلية والناجعة للنساء من العنف.