جملة واحدة تختصر الخطوط العامة التي تخترق خطاب «المسيرة»؛ وهذه الجملة، فحواها ومدلولها يحمل عنوانا عريضا اسمه «الواقعية السياسية». لقد وجد المغاربة في الخطاب الأخير للملك هذا التوجه نحو التشخيص في لبوس عقلاني، بعيدا عن لغة الخشب؛ وهو توجه تتحول فيه خطابات الملك إلى كشافات ضوء، تزيح الكثير من العتمة، حتى لتبدو الأشياء بالغة الوضوح والأحجام والأشكال، بلا ظلال ولا طاقية إخفاء. إن التقارير، والتقارير المخدومة، جزء لا يتجزأ من لعبة الدعاية المضادة. وهذه الدعاية هي آلة كبيرة ومن تروس عدة، بادية ومخفية، تشتغل في كل الدوائر والمناطق؛ وهي، لكي تتحرك، لا بد لها من قوة دافعة؛ وهذه القوة الدافعة هي المال. وليس خافيا أن بعض المنظمات تكاد تزيغ عن وظيفتها، للتحول من راصد حقوقي ومدني إلى لوبي للضغط، يريد أن يحكم محل الحكومة ويوجه ويبرمج ويشرع، حتى دون أن يكلف نفسه «المرور عبر صناديق الاقتراع» كما تقتضي ذلك الأخلاق الديمقراطية. وكل من جرب العمل الحقوقي، في الداخل أو في الخارج، يعرف جيدا صعوبة أن تبقى نزيها ومحايدا، في ظل عماء الانتماء والولاء وفي وقت تكون فيه المصلحة الوطنية مهددة أو يتربص بها متربص. وفي النهاية، ليس لنا إلا هذا الوطن، ونحن ننتمي إليه بالفعل والقوة، ومن الجميل جدا أن نتصارع حوله من أجل أن يكون أجمل وأكثر ديمقراطية وحرية وعدالة؛ وهذا مسار طويل، يتحقق على المدى المنظور أو لا يتحقق، لكنه سيرورة وقدر لا مفر منه. لقد كان تصحيح موقف أو تليين لهجة أو تعديل صياغة، في تقرير حقوقي أجنبي، يتطلب معركة شرسة من طرف بعض الفاعلين الحقوقيين المغاربة الذين كانوا يتحركون بشكل إرادي وفردي وبلا دعم حكومي.. وفي الأخير اضطروا إلى الانسحاب في تلك السنوات الصعبة التي كان فيها الاستقطاب حادا وقاتلا. اليوم، يكشف الملك، شخصيا، أن بعض تقارير المنظمات الدولية حول حقوق الإنسان تقارير مخدومة، وتهدف إلى الإساءة إلى المغرب، وأكد أن هذا التعامل المنحاز يفسَّر في سلوكات وأهواء بعض موظفي هذه المنظمات. وقدم الملك تشخيصا غير مألوف لتحامل بعض المنظمات الحقوقية العاملة في المغرب، واعتبر أن التقارير الصادرة عن تلك المنظمات تقارير غير منصفة وتلعب فيها الجزائر دورا كبيرا، بتقديمها المال، والإغراءات الأخرى، إلى الموظفين العاملين لدى تلك المنظمات. وأكد الملك أنه تحدث في الأمر مع العديد من شركاء المغرب الاستراتيجيين ومع الأمين العام للأمم المتحدة، ونبهه إلى تلقي عدد من الموظفين الذين يصوغون تلك التقارير الخاصة بحقوق الإنسان في المغرب، وفي الأقاليم الصحراوية، إغراءات مالية مقابل تسويد صورة المغرب. من المؤكد أن كشف هذه الحقيقة وتوجيه أصابع الاتهام إلى الجزائر ستكون لهما تداعيات كبيرة على العلاقات بين البلدين، بعد أن خرج الأمر من سياق الخلاف الدبلوماسي الهادئ إلى اتهام صريح من قبل المغرب لحكام قصر المرادية بتزوير التقارير الدولية وشراء الذمم واستعمال المال، الذي كان من المفروض أن يوجه إلى تنمية البلد الجار، في لعبة مكشوفة ضد الوحدة الترابية للمغرب وضد حقه الشرعي في ترابه. لا شك في أن المغرب يتوفر على المعطيات المادية الملموسة، إما في شكل وثائق لتحويلات مالية أو معطيات واضحة عن تسلم عدد من موظفي تلك المنظمات لمنافع مالية أو غيرها من الجزائر، وهو ما يعد اختراقا خطيرا وكبيرا للمغرب، وصل إلى حدود أن يلوح الملك، شخصيا، بفضح كُتّاب تلك التقارير المنحازة، في فصل مشوق جديد من فصول الصراع المغربي الجزائري في المحفل الدولي. فماذا لو أقدم المغرب، في خطوة جريئة، على نشر لوائح المستفيدين من المال الجزائري وحقائب الدولار، وأي مصداقية ستبقى لتلك المنظمات الدولية المعروفة بعملها الطويل في مجال حقوق الإنسان؟