وعلى العموم، يمكن أن نقرأ في الخطاب توجهين اثنين أساسيين، يميل أحدهما إلى تثبيت الاستراتيجية المغربية في تدبير ملف الصحراء وتطوير أدائها بإضافة أبعاد جديدة لها، بينما يتخذ التوجه الثاني منحى معالجة التحديات التي تواجه الاستراتيجية السابقة. - فعلى مستوى التوجه الأول، تم التأكيد على عناصر الاستراتيجية المغربية المشتغلة على كافة الواجهات: الاستراتيجية (جهود المغرب للتنسيق الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية في الساحل جنوب الصحراء، ومبادرة المغرب بشأن قضية هجرة الأفارقة) والدبلوماسية (الاستمرار في الدعم والتعاون الإيجابي مع جهود الأممالمتحدة لإيجاد حل سياسي عادل للقضية، وتعزيز الامتداد الجيو سياسي المغربي في إفريقيا) والسياسية (السعي نحو إرساء الجهوية المتقدمة) والتنموية (الإعلان عن تنزيل عناصر المشروع التنموي الذي أعده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي) والحقوقية (إرساء آلية جهوية لحقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية الصحراوية، وترسيخ الحقوق السياسية والمدنية مع التوجه نحو الجيل الجديد من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، استمرار التعاون الدولي مع المنظمات الحقوقية الدولية). - أما على المستوى الثاني، وهو الجديد في الخطاب، فقد وضع الخطوط الكبرى الموجهة للدبلوماسية المغربية في المرحلة القادمة، سواء في علاقتها مع الشركاء الاستراتيجيين أو في علاقتها مع الجزائر تحديدا، إذ ركز بهذا الخصوص على التوظيف السياسي لورقة حقوق الإنسان والمقاربة المغربية المستقبلية لمواجهة التحديات التي تطرحها، إذ من المتوقع، بعد أن أثار الخطاب الملكي التساؤل حول إمكانية وجود أزمة ثقة بين بعض مراكز القرار وبين المغرب، أن يثير المغرب في نقاشه مع شركائه تفسير التناقض والازدواجية في بعض المواقف الدولية بإزاء الإصلاحات السياسية والحقوقية التي يقوم بها المغرب، ودور بعض الموظفين المنحازين إلى الأطروحة الانفصالية بهذا الخصوص وأثر ذلك على المحددات التفاوضية التي اشترطها مجلس الأمن والتي تركز على الاستقلالية والحياد والنزاهة والموضوعية في الأداء، كما أنه من الوارد أيضا أن تشتغل الدبلوماسية المغربية في المرحلة المقبلة على إقناع المنتظم الدولي وكذا المنظمات الحقوقية الدولية بضرورة التمييز بين مستلزمات الحفاظ على الأمن والاستقرار في الصحراء في مواجهة أحداث الشغب والفوضى، وبين ملف حقوق الإنسان لاسيما بعد إقرار المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي بتزامن أحداث الشغب مع زياراته للصحراء. أما فيما يخص العلاقة مع الجزائر، فإن بعض مفردات الخطاب، تفيد بأن المغرب سيدخل مرحلة حاسمة تتحول فيه الدبلوماسية المغربية إلى الهجوم بدل الدفاع، وذلك بعدما تأكد عدم حياد الجزائر، بل وتورطها في شراء الذمم وبعض موظفي المنظمات الحقوقية الدولية لإستصدار تقارير معادية للمغرب واستثمار ذلك حقوقيا وإعلاميا. هذه هي خارطة الطريق التي يفصلها الخطاب الملكي للدبلوماسية المغربية بجميع مكوناتها، إذ لم يعد ممكنا في المرحلة المقبلة، بحكم التوجهات الجديدة المطروحة، أن تضطلع الدبلوماسية الرسمية وحدها بهذه الأدوار، وإنما صار من الضروري أن تتحرك كل الدبلوماسيات الموازية لترجمة هذه التوجهات التي من المؤكد أن نتائجها ستكون أكثر نجاعة من الاستمرار في اعتماد البوصلة السابقة.