بعد الردّ الملكي غير المباشر على الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، الذي وسمه ب"بعض الجهات والأشخاص" التي تستغل "فضاء الحرية والانفتاح لأغراض باطلة" بالأقاليم الجنوبية، حمل الخطاب الملكي في الذكرى 38 للمسيرة الخضراء، إجابة على عدة قضايا مرتبطة بملف الصحراء داخليا وفي سياقها الإقليمي الجهوي والدولي، وفقا لرأي عبد الرحيم المنار اسليمي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة محمد الخامس بالرباط. وفي الوقت الذي أعلن فيه محمد السادس عن حرص المغرب على التعاون والتفاعل الإيجابي مع المنظمات الحقوقية الدولية التي تتحلى بالموضوعية، في مقابل رفضه استغلال البعض الآخر منها ل"تقارير جاهزة" كذريعة للإساءة لصورة المغرب، اعتبر رئيس المركز المغاربي للدراسات الأمنية وتحليل السياسات، في مقال تحليلي خصّ به هسبريس، أن الخطاب حافظ على الثوابت الكبرى المحددة لتوجهات المغرب في الدفاع عن وحدته الترابية، متضمنا في الوقت ذاته رسائل وإشارات سياسية إلى جهات مختلفة، على رأسها الجزائر، وإن لم يذكرها بالاسم. وهذا مقال عبد الرحيم منار اسليمي كما توصلت به هسبريس.. الرسالة الأولى: المغرب بلد حريات وقانون، ينفتح على النقد البناء ويرفض التقارير الجاهزة والمنحازة الخطاب الملكي استعمل لغة حقوقية قوية موجهة الى طرف اول يستغل مناخ الحريات والانفتاح الموجود في المغرب لممارسة الفوضى والشغب والإساءة لصورة المغرب ، فالخطاب الملكي ينبه الى انه لا ممارسة للحرية الا في إطار ضوابط القانون، وطرف ثاني يتمثل في بعض المنظمات المسماة بالحقوقية التي تلعب دورا غير حيادي في نقل صورة حقوق الإنسان في المغرب ،وهي منظمات عملت في السنوات الاخيرة على اعداد تقارير جاهزة ومغلوطة غير مهنية موجهة وممولة من الخارج،ويشير الخطاب أيضا الى بعض المعلومات غير الصحيحة التي ينقلها بعض الموظفين المكلفين بمتابعة مايجري في المغرب إلى دولهم لما تحولوا الى خصوم وباتوا يقدمون تقارير مغلوطة يتخذ بناء عليها المسؤولون في دولهم بعض المواقف من قضية حقوق الانسان، والخطاب يشير ضمنيا الى ان منظومة حقوق الانسان هي واحدة فوق كل تراب المملكة ،وذلك لما يعلن بأنه لايعقل ان يحترم المغرب حقوق الإنسان في شماله ويخرقها في جنوبه، فالمغرب بلد مفتوح أمام المنظمات الحقوقية ويقبل بالنقد البناء ،ولكنه يرفض بالمقابل التقارير المنحازة غير المهنية . الرسالة الثانية: من يخرق حقوق الإنسان لا يقدم دروسا في حقوق الإنسان رغم ان الملك لم يذكر دولة الجزائر بالاسم ولكن خطابه كان يجيب في جزء منه على مضمون رسالة "بوتفليقة" الى المجتمعين في لقاء ابوجا ،فالجزائر والبوليساريو والمنظمات الممولة من طرف الجزائر ليست مؤهلة لتعطي للمغرب دروسا في حقوق الانسان ،فالجزائر لاتعرف شيئا اسمه حقوق الانسان، فكيف لها ان تنتقد وتحرض ضد المغرب بذريعة حماية حقوق الإنسان ؟ اضف الى ذلك،اشارة واضحة في الخطاب الملكي الى ان مخيمات تندوف التي تدار من طرف البوليساريو فوق الاراضي الجزائرية هي علامة بارزة على الخروقات الكبيرة الممنهجة التي تعيشها قضية حقوق الانسان في العالم ،مخيمات فيها اشخاص محتجزون وليس لاجئون تغلقها الجزائر في وجه المنظمات الدولية ضدا على قرارات الاممالمتحدة ، والإشارة الى تندوف تعكس عدم حيادية المنظمات المسماة بالحقوقية التي لم تستطع نقل الخروقات الموجودة ميدانيا في المخيمات نتيجة المبالغ المالية الكبيرة المقدمة من طرف حكام الجزائر. الرسالة الثالثة: التمويل من ثروات "شعب شقيق" الذي لاتهمه قضية الصحراء في إشارة ضمنية الى الشعب الجزائري، استعمل الملك جملة يشخص فيها السبب الرئيسي للتعامل غير المنصف مع المغرب في قضية حقوق الانسان قائلا انه "...يرجع بالأساس ،لما يقدمه الخصوم من اموال ومنافع ،في محاولة لشراء اصوات ومواقف بعض المنظمات المعادية لبلادنا ،وذلك في اهدار لثروات وخيرات شعب شقيق ،لاتعنيه هذه المسالة ،بل انها تقف عائقا أمام الاندماج المغاربي ..." ، فالتمييز هنا واضح بين الشعب وحكامه ،وان الشعب الجزائري ليس معنيا بقضية الصحراء ،وهو تعبير عن مايجري في الواقع ،فالعديد من التقارير تشير الى قضية الصحراء لاتهم الشعب الجزائري بقدر ماتهم حكامه ،فلا يعقل ان يقبل شعب بان تصرف ملايير الدولارات سنويا على قضية لا تفيده وإنما هي سبب وعائق في بناء فضاء مغاربي للاندماج بكل دلالاته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية . الرسالة الرابعة: الشمال يمول الجنوب ولا يجب رهن التنمية بقضية المفاوضات وحمل الخطاب الملكي تصحيحا لبعض الاعتقادات المروجة من طرف خصوم المغرب ،هذا التصحيح مفاده انه طيلة السنوات الماضية ظل الشمال المغربي يمول أقاليمه الجنوبية ،واشار الخطاب الملكي الى بداية الاشتغال بمعادلة جديدة تتمثل في الشروع في تطبيق النموذج التنموي الجديد في المناطق الجنوبية دون انتظار المفاوضات حول ملف الصحراء المطروح امام المجتمع الاممي ،فالملك ،يشير الى النموذج الذي أكمل إعداده المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي ، هذا النموذج الجديد المبني على زاوية نظر تنموية مندمجة تجمع الأبعاد الثلاثة الكبرى الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتحول المناطق الجنوبية الى قطب جهوي له دور جيو استراتيجي يربط بين أوروبا وإفريقيا جنوب الصحراء ،فالإشارة في الخطاب الملكي الى النمودج التنموي الجديد معناها ان تطبيق الجهوية المتقدمة انطلق في المغرب،ولن يتأثر بالمفاوضات ، فالمغرب منفتح على الأممالمتحدة ووسطيها الاممي ومتمسك بخيار الحكم الذاتي كحل سياسي نهائي له مصداقية داخل المجتمع الدولي ،لكن في نفس الوقت لن يرهن المقاربة الجديدة لتنمية الأقاليم الجنوبية بمسار قضية الصحراء أمام المجتمع الاممي . الرسالة الخامسة: دول الصحراء والساحل، دوافع إنسانية وروحية وأشار الملك محمد السادس في خطابه الى المنطقة الجغرافية المسماة بالساحل والصحراء والى اسم دولة مالي بالضبط ، فالمغرب وفق مضمون الخطاب ينخرط في هذه المنطقة للمساعدة على بناء الاستقرار وتقديم الخبرة ،فالأمر لايتعلق بعلاقات سياسية او اقتصادية فقط وإنما بعلاقات لها ابعاد روحية وانسانية ،فالملك يستحضر في خطابه حقل امارة المؤمنين بكل دلالاته الروحية والدينية في العلاقة مع العمق الافريقي لدول الساحل والصحراء ، و يوضح مضمون الخطاب المشير لدول الساحل والصحراء ان المغرب عاد ليلعب دوره الإقليمي كاملا في هده المناطق ،كما ان الخطاب يشير إلى الارتباط المغربي بإفريقيا الذي لم يؤثر فيه الغياب عن الاتحاد الإفريقي . الرسالة السادسة: المغرب في خدمة افريقيا، مبادرة المغرب الأممية لبناء التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية وتضمن الخطاب الملكي إشارة الى ان المغرب العضو المؤسس لمنظمة الوحدة الافريقية في بداية الستينيات لم يتأثر بغيابه عن الاتحاد الافريقي اليوم ،فالمغرب لازال يدافع عن القضايا الكبرى لإفريقيا في المحافل الدولية ويبادر الى تقديم حلول للقضايا الإفريقية الكبرى منها قضية المهاجرين ، فالمبادرة المغربية داخل الجمعية العامة للامم المتحدة تحت اسم "التحالف الإفريقي للهجرة والتنمية" تدخل في هذا السياق وتحمل مقاربة افريقية تربط مابين الهجرة والتنمية وتسعى الى بناء مسؤولية مشتركة بين دول المصدر والعبور والاستقبال لقضية الهجرة . ان هذه الرسائل الكبرى الواردة في مضمون الخطاب الملكي، تبين ان خصوم المغرب يصرفون أموالا طائلة لتغليط الرأي العام الدولي حول صورة المغرب ،مما يعني ان المغرب مطالب بالبحث عن إستراتيجية متعددة التوجهات لتسويق صورة نموذجه المستقر والايجابي في المنطقة المغاربية والعربية ، فالمغرب مطالب بتسويق نموذجه الحقوقي وبناء إستراتيجية الحرب على الصورة في الملتقيات الدولية .