كشف الحوار الأخير الذي أجراه الأمين العام لحزب الاستقلال والوزير الأول عباس الفاسي لصحيفة «ليكونوميست» وردود فعل حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية على هذا الحوار، حجم الفجوة التي توجد بين الحزبين المتحالفين داخل الكتلة الديمقراطية وداخل الحكومة. فمع اقتراب موعد الانتخابات الجماعية المقرر إجراؤها في شهر يونيو المقبل، تصاعدت حدة التلاسنات بين الحزبين، ففي الوقت الذي اتهم فيه عباس الفاسي الاتحاديين بتعمد خلق مشاكل مع قرب الانتخابات، ردت قيادات من حزب القوات الشعبية بأنها غير ملزمة بالمساندة الميكانيكية للحكومة التي يشارك فيها الحزب. هل بدأ النزاع الأخير بين قطبي الكتلة الديمقراطية الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال مع الحوار الأخير للوزير الأول والأمين العام لحزب علال الفاسي مع يومية ليكونوميست؟ سؤال طرحه الكثيرون وهم يتابعون فصول التلاسن الإعلامي الجديد بين الحزبين، والذي وصل حد اتهام الفاسي للاتحاد الاشتراكي بتعمد خلق مشاكل مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، في وقت ردت فيه قيادات من حزب عبد الرحيم بوعبيد بأنها غير ملزمة بالمساندة الميكانيكية للحكومة التي تشارك فيها، وأن مواقف حزبها من بعض القضايا الخلافية يتم تحديدها داخل الحزب وليس بمقر الوزارة الأولى. ويؤكد مصدر من داخل الاتحاد الاشتراكي ل«المساء» أن حزبه كان دائما قلقا من مواقف غريمه في الكتلة منذ السنوات الأولى لحكومة التناوب التوافقي عندما كان يصر عباس الفاسي نفسه على الخروج الإعلامي، من حين إلى آخر، في محاولة منه لإظهار حزبه في صورة “الحزب المناضل الذي لا يؤيد الحكومة في كل مشاريعها، ولا يفتأ يتخذ مواقف معارضة بين الفينة والأخرى خدمة لمصلحة المواطن، وذلك حتى لا يتحمل تبعات أي فشل مرتقب لمشاريع الحكومة بزعامة اليوسفي”. ويضيف المصدر، الذي فضل عدم الكشف عن نفسه، أن حزب الاستقلال استفاد عمليا من هذه السياسة التي استمر فيها حتى في عهد إدريس جطو (2002 – 2007)، خلال انتخابات 7 سبتمبر 2007 التشريعية عندما احتل المرتبة الأولى، في وقت وجد فيه الاتحاديون أنفسهم في المرتبة الخامسة ب38 مقعدا فقط. ويوضح أكاديميون متتبعون للملف أن نتائج الاقتراع في الانتخابات التشريعية بدت وكأنها حكم صدر في حق الاتحاديين وحدهم بتحميلهم تبعات فشل كثير من المشاريع الحكومية، بينما خرج الاستقلال منها سالما وهو الذي رافقه في الحكومة لعشر سنوات كاملة. وهذا ما يفسر الدعوات التي وجهها كبار قياديي الحزب اليساري للتوقف والتأمل فيما جرى واستخلاص التجارب حتى لا تتكرر التجربة القاسية، عندما نشأ بعد الانتخابات التشريعية مخاض عسير داخل أكبر الأحزاب اليسارية، تسبب، بعد حوالي العام، في تأجيل مؤتمره الوطني الثامن لأول مرة خلال يونيو 2008 وعقده خلال شهر نوفمبر من السنة نفسها. وحسب متتبعين للملف، فإن المؤتمر، وإن نجح في الحفاظ على وحدة الحزب وبلورة منهج جديد للاشتغال، فإنه كشف، من جانب آخر وبالملموس، أن تيارات عديدة تتفاعل فيما بينها داخليا إلى حد التناقض، كما ظهر في موضوع “الملكية البرلمانية” الذي كان مطلبا للمؤتمرين، والموقف من المشاركة الحكومية. ويبدو أن المطلب الأول تسبب في حرج كبير لتيار المشاركة في الحكومة، ودفع الراضي -الكاتب الأول المنتخب- إلى التصريح بأن المطلب “كان مجرد خطأ مطبعي”، وهو ما أغضب قياديين آخرين، من بينهم وزير الثقافة السابق محمد الأشعري (الذي بلور فكرة البيان السياسي للمؤتمر وتحدث فيه عن الملكية البرلمانية) الذي اضطر إلى نشر بيان مقتضب على صفحات جريدة الحزب، يؤكد فيه أن الأمر يتعلق بحقيقة توافق عليها المؤتمرون وليس خطأ مطبعيا ! المساندة النقدية؟ هذا التضارب في الآراء داخل الحزب اليساري المشارك في الحكومة، انتقلت عدواه إلى حكومة عباس الفاسي، الذي أغضبه التباين ما بين مواقف وزراء الاتحاد داخل فريقه الحكومي، وبين الفريق النيابي للحزب بقيادة الإعلامي السابق أحمد الزايدي. ففي الوقت الذي يشارك فيه الوزراء في بلورة المشاريع الحكومية، يتخذ الفريق البرلماني توجها آخر جسده الزايدي في مقولة “المساندة النقدية” التي أوجدها حزب العدالة والتنمية خلال دعمه لحكومة عبد الرحمن اليوسفي في بداياتها، وتقضي بعدم التأييد المطلق لكل مشاريع الحكومة والاحتفاظ بمسافة واضحة تسمح للنواب بالاضطلاع بدورهم في “حماية حقوق المواطنين والدفاع عنها”. وظهر هذا التوجه، الذي أثار سخط الفاسي، خلال مناقشة التصريح الحكومي والبرامج التي تلته وعرضت للتصويت بالبرلمان وحظيت بنقاش ساخن ومثير من طرف الفريق الاتحادي بشكل انسجم مع المعارضة في كثير من النقاط. وقتها صدرت تصريحات من طرف الوزير الأول وبعض قيادات حزبه تصر على رفض منزلة البين بين هذه، وتدعو إلى اتخاذ موقف صريح وواضح ومنسجم، إما بمعارضة الحكومة وإما بتأييدها، وهو ما رفضه الزايدي وفريقه من جانبهم. ورقة الهمة وسط هذه الظروف، ظهر اللاعب الجديد فؤاد عالي الهمة الذي استطاع، خلال شهور قليلة، إيجاد فريق برلماني وإنشاء حزب سياسي وبناء تحالف داخل القبة التشريعية مع التجمع الوطني للأحرار، وهو بصدد توسيعه (التحالف) ليشمل الحركة الشعبية والاتحاد الدستوري، وبلورة قطب ليبرالي يميني غير مسبوق، كل هذا بعد أن أكد في تصريحات قاطعة غداة خروجه من دواليب الداخلية أن ليس لديه مشروع سياسي باستثناء خدمة أبناء منطقته في الرحامنة. ورقة الهمة نزلت بردا وسلاما على قلب عباس الفاسي الذي أتعبته “لجاجة” رفاقه في الكتلة، وطمأنته لوجود أغلبية مريحة لديه في البرلمان من شأنها تمرير مشاريعه وبرامجه حتى لو نجح حزب بن بركة في توحيد صفوفه وآرائه المتناقضة والخروج من الحكومة إلى المعارضة، وهو السيناريو الذي قال عنه محمد اليازغي، في اتصال مع “المساء”، “إنه سيناريو غير وارد بالمرة”. تحرك الذراع النقابية يرى حسن قرنفل، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أبي شعيب الدكالي بالجديدة، في تصريح ل«المساء»، أنه في ظل وضعية الشد والجذب هذه، لم تقف الذراع النقابية للاتحاد الاشتراكي على الحياد، بل انخرطت بدورها في سلسلة تصعيد ضد برامج الحكومة، وشاركت إلى جانب مركزيات نقابية أخرى في تنظيم سلسة إضرابات وطنية ومحلية زادت من حدة غضب عباس ورفاقه على غريمه في الكتلة. وجاء مشروع الاقتطاع من أجور المضربين الذي بشر به وزير تحديث القطاعات العامة محمد عبو ليصب الزيت على النار، ويرفع من حدة درجة التلاسن بين الحزبين، عندما سيعتبر الاتحاديون أن القرار «تعد على حقوق الشغيلة التي يضمنها الدستور»، في وقت شددت فيه المصادر الحكومية على أن «الاقتطاع هو بدوره إجراء دستوري مثلما هو حق الإضراب». ولم يفاجئ بيد الله، وزير الصحة السابق والأمين العام الحالي لحزب فؤاد عالي الهمة الأصالة والمعاصرة، أحدا حينما اعترف في حوار خص به «المساء»، بأن وزراء اتحاديين سابقين، منهم وزير التعليم لحبيب المالكي، سبق لهم أن اقتطعوا من أجور المضربين في عهد حكومة إدريس جطو. بسبب هذه الازدواجية في المواقف والقرارات، فإن الكثير من المراقبين يطرحون شكوكا كبيرة حول احتمال تحقيق الاتحاديين لهدفهم بترقيع بكارتهم السياسية واستعادة ثقلهم الجماهيري من خلال التصعيد ضد الحكومة منذ انتخابات 7 سبتمبر. والأرقام الأخيرة لعملية التسجيل في اللوائح الانتخابية، والتي سجلت ما يناهز مليونا و600 منخرط جديد فقط مقابل الشطب على ثلاثة ملايين، تؤكد أن المسافة بين الأحزاب وبين المواطنين لاتزال بعيدة، ولن تنفع معها عمليات الترقيع السياسي التي تجرى في آخر لحظة بدعوى الدفاع عن حقوق الناس.