كنت دائما أنظر إلى ثريا جبران بإعجاب صامت, شاهدت معظم أدوارها على خشبة المسرح وعلى شاشة التلفاز وتابعت مسيرتها النضالية إلى جانب بعض الأحزاب والشخصيات السياسية.. امرأة ملامحها مألوفة وابتسامتها صادقة, لا تبرح عبارات الترحيب فمها. وحينما حملت حقيبة وزارة الثقافة رحبتُ بالأمر, فقد تعاقب على كرسي الثقافة الكثيرون ممن ورثوا المناصب والأسماء الرنانة والأيادي الناعمة والوجوه التي جمّلتها النعمة, ولم يخرجوا الوطن من البؤس الثقافي الذي يغرق فيه منذ سنين, بل خرجوا بأراض وممتلكات وأرصدة, وبالكثير من القرارات والتصريحات والقليل من الفائدة. لذلك وجدت في ثريا جبران بديلا ولو رمزيا لإعطاء فرصة خدمة هذا الوطن لوجوه أخرى لا تشبه بالضرورة تلك الخدود الطرية اللامعة المحمرّة بدماء المواطنين.. وجدت فيها بديلا لأسماء احتكرت الوزارات والإدارات والطب والهندسة وكل المناصب المتميزة لسنين طويلة, وُضع خلالها حاجز عال بين البسطاء أصحاب الأسماء النّكرة وكل هذه المناصب التي كانت تبدو كحلم مستحيل.. بديلا عن ماض نرغب في طيّ صفحته جميعا, ورؤية مغرب جديد كل مواطنيه سواسية لهم الحق في الدراسة والعمل والنجاح والأمل.. والوزارة.. لكنني فوجئت برد الفعل الغريب السلبي الذي رافق تسلم ثريا جبران لمفاتيح «الثقافة», وتابعت بأسف ما كتب وما قيل وما روي وما شاع.. كنت أنتظر أن يسعد الأمر العديد من الفنانين والصحفيين والكتاب والجمعيات النسائية وكل من اعتقد يوما أن النجاح وتسلق المراتب مستحيل, أن تجد ثريا تعاطفا كبيرا ودعما ومساندة غير مسبوقة من كل العصاميين الذين صنعوا مستقبلهم بدموع أمهاتهم ومحنة آبائهم وصبرهم, كل الذين حملوا أسماءهم وفقرهم عبئا ثقيلا تحمّلوه طيلة سنين دراستهم كي يحققوا يوما ما نتيجة يفتخر بها آباؤهم الذين غالبا ما يغادرون الدنيا قبل أن يسعدوا بمناصب صغارهم.. كل هؤلاء ممن يمسكون الأقلام اليوم, تنكروا لماضيهم وأزعجهم استوزار ثريا جبران قريطيف, حتى بعض المقربين تهامسوا ساخرين ومنددين.. فالنجاح اختبار للأصدقاء قبل الأعداء.. حينما أتابع ما يكتب عن رشيدة داتي أو فضيلة لعنان، الوزيرتين المغربيتين في فرنسا وبلجيكا، أجد الأسلوب مغايرا عن ذلك الذي تخاطب به ثريا جبران, والسبب ببساطة أن ثريا جبران مواطنة مغربية مائة في المائة, صنعت تاريخها وحاضرها بكفاءتها ومهنيتها وصدقها, صاغت أحلامها بصبر وتحد وحب كما تصوغ عبارات المحبة, شهادتها مغربية وملامحها مغربية ولكنتها أصلية واسمها لا ينتمي إلى فصيلة الأسماء التي توارثت الوزارات.. ونحن نحمل عقدنا على جبيننا, والإحساس بالدونية يلاحقنا مهما أبدينا مظاهر الحداثة والتمدن, تلزمنا أسماء مستوردة كي تتحكم في حاضرنا ومستقبلنا, أسماء لم تُصنع في المغرب بل ماركات أجنبية مسجلة كأحذية رياضية أو دواء مسكن أو عطر بخّاخ.. فرشيدة داتي بطلة لأنها عنوان التحدي والنجاح, وفضيلة لعنان رمز التسامح والانفتاح, أما ثريا جبران فيلزمها جواز ملوّن كي نؤازرها, تلزمها شهادة من السوربون كي نحترمها.. في حين أجدها شامخة بكفاءتها ومهنيتها وتجربتها الطويلة في المسرح, واسمها اللامع الذي يذكر باعتزاز في أكبر المسارح العربية والدولية, راقية بتمغربيت ديالها وبحبها الصادق للناس وعفويتها التي احتفظت بها رغم ثقل الوزارة وظلم الألسنة السليطة. ثريا جبران امرأة دخلت التاريخ كأول فنانة وزيرة, وكأول مواطنة تختارها الوزارة دون أن تركض إليها, فهكذا هم المبدعون الكبار, لا يسعون إلى شيء مطلقا.. هي المفاجآت السارة والأشياء الجميلة تبحث عنهم.