وصف أحد المثقفين المغاربة الثقافة في المغرب باليم الراقد، والمثقفين بسماسرة "الأوهام"، بعد أن انعزلوا في أبراجهم العاجية ورفضوا الدخول في نقاش صريح لإخراج الفعل الثقافي المغربي من مطباته بعدما استشعروا أن مستوى النقاش الدائر حول هذا الموضوع أقل بكثير مما يطمحون إليه، لكنهم تناسوا أن انزواءهم وصمتهم الطويل في معبد الإبداع هو الذي أدى إلى تمييع المشهد الثقافي المغربي الذي تأثر بدون شك بتسخير المثقفين أنفسهم لانشغالهم بالثقافة لخدمة السياسة، وليس لخدمة المجتمع، حيث كان الرهان الأكبر أن التحول السياسي، ركيزة أي تحول اجتماعي أو اقتصادي، وبذلك كانت التضحية بالعمل الثقافي من لدن المثقفين، كما ظل الشأن الثقافي مبعدا عن دائرة الاهتمام سواء في التوجهات السياسية الرسمية أو في أدبيات الأحزاب والجمعيات. "" من تجليات هذا التهميش أن أغلب المثقفين المغاربة لم يرضوا عن وزارة الثقافة السابقة إبان ممارسة الوزير الاشتراكي "محمد الأشعري" الذي نهج سياسة الإقصاء والتهميش وإبعاد المثقفين الجادين وتقريب الأصدقاء والموالين، وقد سبب هذا الوضع المجحف في ركود الثقافة المغربية، كما أدى المغرب ثمنه من إشعاعه العربي والدولي بعدما تم ترجيح كفة القرابة والصداقة في توزيع الدعم الموجه للكتاب والمسرح والأعمال الثقافية الأخرى. وضع يأمل العديد من المثقفين ضحايا سياسة الأشعري، أن ينتهي بمجيء فنانة على رأس وزارة الثقافة بعد أن سألناهم، كيف تلقوا تعيين ثريا جبران على رأس المشهد الثقافي المغربي؟ خاصة وان تعيينها خلّف العديد من ردود الفعل المتباينة بين من رحب بهذا التعيين ومن شجبه، وجل أصحاب الرأي الأول من الوسط الفني الذي شعر أن الملك قد كرمه في شخص جبران بعد حصولها على المنصب، بينما أصحاب الرأي المعارض يرون أن ثقافة البلد تقاس بدرجة مثقفيها، بحيث كان آخر من علق على هذا الموضوع زميل جبران في الحكومة الدكتور خالد الناصري الذي اقترح ضرورة إيقاف إحدى السلسلات الفكاهية التي تبثها القناة الثانية لأن الصورة التي تقدمها ستكون فيها إساءة للجسم الحكومي عامة، ووصلت حدة انتقاد الناصري لجبران إلى حد وصف ردودها على اقتراحه "بالشعبوية". الطيب الصديقي : أنا من يعرف قدرات ثريا جبران " أعاهد الله أنها ستنجح في مهمتها، لأن الناس لا يعرفون قدراتها وأنا أعرفها"، بهذه العبارة علق المسرحي الطيب الصديقي عن سؤال "المشعل" حول كيفية تلقيه تعيين جبران على رأس وزارة الثقافة، حيث بدا مستفسرا ومستغربا عن كل هذه الاستفهامات التي رافقت تعيين جبران، قائلا " ما تشفوش غير ثريا جبران، وماذا عن الآخرين"، هل كل من في البرلمان يصلح لأداء وظيفته؟ وهل كل من استوزر يستحق هذا المنصب؟ فأغلبهم لا نعرفهم، على الأقل ثريا يعرفها الجميع وأنا متأكد أنها ستنجح". برشيد على وزارة الثقافة أن تعتذر لي أما عبد الكريم برشيد فقد بدا متحاملا على وزارة الثقافة كإدارة، واعتبر الكلام القائل بتكريم الفن والمرأة المغربيين بتعيين جبران وزيرة للثقافة "مجرد إنشاء، والأساسي في نظره هو النتائج"، مشيرا إلى أنه "لا يقبل أن يكون أي شخص على رأس أي وزارة إذا لم يكن منفتحا وله علاقات جيدة"، وأضاف برشيد انه لا يشك في أن ثريا جبران فنانة كبيرة لها علاقات إنسانية جميلة و تحسن التعامل مع كل الشرائح ومع كل الفنانين والمثقفين ,ويبقى أن يكون لها طاقم من الذين لهم غيرة حقيقية على الإبداع والثقافة المغربيين، ولذلك فهو شخصيا " يشك أنها من الممكن أن تكون أحسن مما سبق"، وأكد عبد الكريم برشيد أن تعامله مع هذه الوزارة مجمد إلى أن يظهر ما يمكن أن يرد له اعتباره، لهذا فهو سيؤجل إبداء رأيه إلى أن تتضح له الصورة". وعن سبب رد فعله القوي، أعرب برشيد عن أسفه بعد أن اضطر إلى نقل كل أنشطته إلى الدول العربية وهو يتواجد الآن بالجزائر بشكل مؤقت، كما صرح "للمشعل". وفسر برشيد هذا الإبعاد بكونه "ولسنوات طويلة كان على هامش الثقافة المغربية والإدارة الثقافية المغربية وذلك انطلاقا من مواقفه الناقدة والمتمردة على سياسة التهميش والإقصاء والاعتماد على الكولسة والزبونية، ولذلك كان قراره هو ألا يتعامل مع ذلك الجهاز ما دام على رأسه من يقصي المبدعين المغاربة الحقيقيين،ومن يشكل حلقات تضم المبدعين المداحين ومرتزقة الكتابة"، على حد تعبيره. وخلص عريس المسرح المغربي إلى " أنه لا يقدر أن يقول شيئا إلا بعد أن تتضح الصورة، ويعتقد أن من حقه على تلك الوزارة أن تعتذر له وأن ترد له اعتباره بعد عشر سنوات من الإقصاء". الكليتي : الوزراء يتحملون وزر استوزارهم ويرى القاص مصطفى الكليتي أنه لا بد أن نمنح هذه السيدة بعض الوقت ولا يمكن أن نتحدث إلا بعد مرور مائة يوم من عمر استوزارها ، وذلك حتى نتمكن من استخلاص بعض الملاحظات والإرشادات، ولهذا لا يمكن أن نسبق الأحداث ونطلق حكما مسبقا، خاصة ونحن مرضى بالأحكام المسبقة في حياتنا العامة"، وذهب الكليتي إلى أن تعيين جبران قد يستجيب لانتظارات بعض الفنانين في البلاد" إضافة إلى أن شخصية ثريا جبران قد تسبغ ثقافة البلاد بصبغتها كفنانة، لكن هناك رهانات كبرى قد تتجاوز جبران أو غيرها، لأنه كان دائما هناك قصور وخصوصا في الميزانية التي ترصد للثقافة. وفي سياق تعليقه باعتبار تعيين جبران تكريما للفن، قال الكليتي "إن هناك مهمة مسنودة لثريا جبران كفنانة بعد أن انتقلت من خشبة المسرح الضيقة إلى خشبة المسرح السياسي الواسعة، ولا يمكن أن نحسم أنها ستكون في المستوى أو لا، لأننا لا نناقش مسألة التعيين ما دام الوزير يتحمل وزرا، وهذا الوزر له طابع سياسي والسياسة لها منطقها الخاص".