أكد العمراني بوخبزة, أستاذ العلاقات الدولية, أن مرور الغواصات النووية عبر مضيق جبل طارق يشكل تهديدا حقيقيا للبيئة البحرية للمضيق، ذلك أن توقف هذه الغواصات يكون في الغالب ناتجا عن عطب. وأضاف أن الترسانة القانونية الدولية والاتفاقيات والمعاهدات القائمة غير قادرة لوحدها على ضمان سلامة المضيق من المخاطر - في ضوء تنامي عبور وتوقف الغواصات النووية بمضيق جبل طارق، لماذا لا يحتج المغرب بنفس الطريقة التي يحتج بها الإسبان على الرغم من أن المغرب وإسبانيا يتقاسمان جغرافيا مياه مضيق جبل طارق؟ < مضيق جبل طارق ممر بحري ضيق يصل بين بحرين، البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي، ويعتبر المرور فيه حرا، وهو بالتالي يخضع لمقتضيات القانون الدولي. هناك العديد من الاتفاقيات الدولية التي تنظم المضايق بشكل عام كالاتفاقية المتعلقة بالمضايق ل 20 يوليوز 1936، كما أن هناك اتفاقية دولية لقانون البحار لعام 1982، بالإضافة إلى اتفاقية حماية البحر الأبيض المتوسط من التلوث لعام 1976، وهي اتفاقية خاصة بالمنطقة التي نحن بصدد الحديث عنها، وبالتالي فإن حماية المضايق من المخاطر المحتملة ليست مسؤولية الدول المطلة على المضيق فقط، بل هي مسؤولية دولية بالنظر إلى كون القانون الدولي هو الذي رخص بالمرور الحر من المضيق. - هل يحق للمغرب قانونيا أن يحتج على رسو غواصات نووية معطوبة في ميناء صخرة مضيق جبل طارق بسبب الأخطار التي يمكن أن تشكلها على مياهه الإقليمية أو أراضيه؟ < هناك مسؤولية بحجم أكبر ملقاة على الدول المطلة على المضيق والتي يجب عليها بذل كل ما في وسعها لحماية حقوقها. كما أن المرور الحر الذي نتحدث عنه هو مرور يجب أن يخضع لمبدأ المرور البريء، دون أن ننسى أن هناك البيئة البحرية للمضيق التي يجب حمايتها. وبالتالي، فإن مرور الغواصات النووية عبر مضيق جبل طارق يشكل تهديدا حقيقيا للبيئة البحرية للمضيق، وهو ما يسمح للمغرب كما لإسبانيا بالاحتجاج على هذا المرور الذي يهدد حقوق الدولتين، فإذا كان مرور الغواصات النووية يشكل خطرا على البيئة البحرية للمضيق، فإن توقف هذه الغواصات يكون في الغالب ناتجا عن عطب، وهنا قد نتحدث عن كارثة حقيقية يجب التعامل معها بصرامة وحزم قويين. - تحتج الحكومة الإسبانية أكثر على الحركة المكثفة للغواصات النووية في المضيق، ما أسباب ضعف الموقف المغربي؟ < احتجاج إسبانيا مرده ليس فقط التهديد الذي تشكله الغواصات النووية البريطانية على البيئة البحرية للمضيق، بل أيضا المطالب الإسبانية في صخرة جبل طارق الواقعة تحت السيطرة البريطانية، وهو ما يشكل مبررا قويا لدى الحكومة الإسبانية لإثارة المخاطر المحدقة بالمضيق بسبب توقف الغواصات البريطانية في ميناء جبل طارق بغاية إعادة إحياء المطالب الإسبانية في الصخرة، إضافة إلى كون الجمعيات الإسبانية والأوربية المهتمة بحماية البيئة فاعلة بشكل كبير في هذه المنطقة، وهي تشكل قوة ضاغطة، بل في أحيان كثيرة تتحرك بوسائلها لمنع المرور أو التوقف بأي ميناء من موانئ المضيق، هذا بالإضافة إلى الوعي البيئي الكبير لدى المواطن الإسباني والذي قد يتحرك في اتجاهات مختلفة للضغط على الحكومة الإسبانية قصد الاحتجاج. بالنسبة إلى المغرب، الذي سبق له في مناسبات سابقة أن عبر عن مخاوفه من توقف الغواصات النووية في ميناء جبل طارق، فإنه لا يعلن عن احتجاجه بشكل ملفت بالنظر إلى غياب المبررات التي لدى الطرف الإسباني وغياب ملحوظ للوبي بيئي مع ضعف في الوعي البيئي عند المواطن المغربي. - ما الذي يحتاجه المغرب بالضبط لكي يكون صوته مسموعا في المنتديات والمحافل الدولية بخصوص مثل هذه الأخطار؟ < الترسانة القانونية الدولية والاتفاقيات والمعاهدات القائمة غير قادرة لوحدها على ضمان سلامة المضيق من المخاطر، بل يجب العمل على صياغة برنامج عمل مشترك مغربي إسباني قائم على رؤية موحدة تحافظ على المصالح المشتركة للبلدين، مع أن هذا الأمر صعب الحدوث بالنظر إلى اختلاف وجهات النظر المغربية الإسبانية ووجود ملفات كبرى عالقة بين البلدين مثل ملف سبتة ومليلية الذي له تأثير كبير على وضع المضيق بالنسبة إلى المياه الإقليمية والحدود البحرية للمدينتين. كما أن الطموحات الإسبانية في المنطقة تختلف عن طموحات المغرب، سواء تعلق الأمر باتفاقية شينغن وسياسة الدفاع المشترك للاتحاد الأوربي أو بعضوية إسبانيا في حلف الأطلسي. يبقى أهم ما يجب القيام به هو أن يعمل الطرفان على التقليص من عدد المشاريع الأمنية الخاصة بالمضيق، والتي تستدعي وجود آليات عسكرية نووية في المنطقة، وتفعيل مقتضيات القانون الدولي للبحار والتنسيق مع الحكومة المحلية للأندلس، وكذلك تفعيل دور المجتمع المدني في البلدين عبر تأهيل المجتمع المدني المغربي للاهتمام بالبيئة، وبالتحديد البيئة البحرية.