فتيات كثيرات هنا وهناك، يتحدثن بلهجة مفتعلة مابين اللبنانية والمصرية والخليجية.صور ووجوه خليجية تملأ شاشات الحواسيب، تلتقطها تلك الكاميرات الصغيرة المعلقة فوق الشاشة. الجو مألوف جدا...جلست لمياء بين الفتيات، وحجزت لها ساعات من «الشات» مع محمد، سعودي في الثلاثينات، متزوج ورجل أعمال، لكنه سئم ابنة عمه فاطمة، أم أولاده الأربعة، فقد فرض عليه أن يتزوجها منذ كان عمره 18 سنة، لذلك فهو يجلس الآن وراء تلك الكاميرا الصغيرة ليرفه عن نفسه مع هدى المغربية. نعم، إنها المغربية، التي يتحدث عنها الكل، ب«دلعها»، المغربية الجميلة، بعينيها الواسعتين الطماعتين، ورموشها الطويلة المثيرة، التي تسدلها ببطء ومكر كلما رأت تلك العمامة البيضاء المربوطة بدائرة سوداء فوق رأس أول رجل، لتبدأ في التخطيط لكسب عطفه، وتتحايل بعدها لكسب الدراهم، أو الريالات، أو الدنانير، أو أي عملة أخرى، المهم أن تكسب، و«تفوز فيه». «ماعنديش إنترنيت في الدار»، قالت عزيزة، فابتسم ابتسامة مخادعة، ليوحي لها بأنه يفهم، أو تجاوز الفهم...والده والجيل السابق هو الذي لم يكن يفهم بعد، أو كان يضع أذنا من طين وأخرى من عجين. كانوا يقيمون الليالي الطوال أو ما يسمى بالإكراميات، لكي تأتي المغربيات وتحيي الأمسيات الحمراء بحضور الشيوخ، وتخرج من الليلة بما يكفيها لسد حاجياتها لمدة سنة كاملة. لكن الآن، «مابقيتوش نية بحال شحال هادي»، أردفت دنيا في آذان الخليجي المبهور بأنوثتها الفائضة عبر «الميكرو» الصغير. هو يعلم أنها تريد المال، الكثير من المال، وهو لم يبخل، فهو يبعث ويبعث ويبعث. بعث لها لشراء هاتف جديد لأن هاتفها القديم سرق من حقيبتها في الحافلة، وبعث لها لرد ديون كانت عليها منذ سنوات عديدة، وبعث لها لتشتري الدواء لأنها مرضت كثيرا. كان فهد قد أتى من الكويت لرؤيتها، فسافرت معه إلى مراكش، ومن ثم إلى أكادير، لتريه جمال و«سحر» المغربيات. لم تجد أي صعوبة في مرافقته للفنادق والمطاعم، أو حتى في اكتراء شقة، كان الأمر جد سهل وممتع. لا توجد أي رقابة من أي نوع على السياحة الخليجية بالمغرب، لكن الرقابة جد مشددة على العاهرات الفقيرات اللواتي يتردد عليهن المغاربة «المقطعين» بأبخس الأثمان! لكن عبد الله صدقها، ولم لا يصدقها، أهم شيء أنها عادت للتواصل معه، وهو ليس مجبرا على البحث عن «مغربية» أخرى عبر النيت، وأيضا، لم يضع ما بعثه لها من أموال سدى، فهو قادم إلى المغرب ليسترد أمواله بطريقة أو بأخرى. لذلك، فهو سيبعث هذه المرة أيضا، وسيرى سميرة كل يوم في كاميرا حاسوبه، ويستمتع باللهجة المغربية الشهية التي تحبك مفردات الخليجية بذكاء...«أوكي، سأبعث لك غدا لتسددي اشتراكك بالإنترنيت، ولن تضطري للخروج كل يوم إلى محل الإنترنيت لرؤيتي»... وتذكر أول يوم رآها فيه، في كابريه بسوريا...حيث كانت جالسة مع صديقاتها، في طاولة مليئة بالكؤوس، وفي كل يد سيجارة، وهو جالس ينتظر بعض الزملاء لعشاء عمل. كانت ترتدي جينزا مرصعا، وبلوزة جد ملتصقة ومفتوحة من كل الجوانب، وحذاء بكعب جد عال، تتحدث وتضحكك بضحكة تجلجل فضاء الكباريه، وكل شيء يتحرك مع ضحكتها، شعرها ويداها ورجلاها... ظل يختلس النظر إلى شعرها الطويل الأسود المكوي، وكحلها الذي يخترق جبهتها يمينا وشمالا، وحاجبيها الرفيعين، والكثير الكثير من الماكياج، كأنها لوحة زيتية. لكنها جميلة. فاتنة. لأنها مغربية. فقد سمع اللهجة المغرية التي تنادي من بعيد على كل الخليجيين والمشارقة المتواجدين بالكباريه، تلك اللهجة التي يستحيل تجاهلها. نظر إليها فوجدها تنظر إليه، وترمقه بنظرات وعود وعتاب كأنه يعرفها منذ عشرين سنة، ولم يفتأ يبتسم لها، حتى ابتسمت وضحكت، وقامت. وهو مذهول ومرتبك. المغربية قادمة. إلى أن وقفت أمامه، ولم تعطه الفرصة ليجد لها مكانا جانبه، حتى جلست، والتصقت به، وسألته عن حاله وأجابت في نفس الوقت وابتسامتها العريضة لا تفارق شفاهها الملونة. نعم، إنها المغربية المثيرة، الطباخة الماهرة...الكسكس، الحريرة، البريوات..الله، إنها المغربية النظيفة في بيتها ولباسها، الأنيقة في مظهرها، التي تتحدث الفرنسية بطلاقة.. يا سلام على المغربية، الأنوثة الصارخة، والكلمات العذبة، و... المغربية التي تطبخ كل شيء حتى القلوب. لماذا تقول عنها زوجتي إنها سارقة الرجال ومشعوذة، نعم، أم سعد تكرهها، هل هي فعلا ساحرة، هل تحمل «حروز» القبول، لذلك هي فاتنة بهذا الشكل، نعم إنها فعلا ساحرة، تسحر العقول والألباب. منى وصديقاتها من أنفسهن يتساءلن من أين هذه السمعة العجيبة، سمعة مذلة وفي نفس الوقت مفخرة، وزيادة لهن في فرص الشغل. زمان، كانت المغربية من هذا النوع تذهب إلى الخليج سنة واحدة فقط، لتأتي محملة بمبالغ طائلة تستطيع بها اقتناء فيلات، وأراضي، وسيارات، حتى تعمي بصر عائلتها عن مصدر كل تلك الأموال...أو كأنهم لا يرغبون في معرفة مصدرها... كل تلك العائلات التي ترحب ببناتها القادمات من دول الخليج بأموال أكثر من مداخيل الوزراء والنواب، هل عميت أعينهم عن معرفة مصدر المال أم يتغاضون عنه...إن كانوا لا يدرون فتلك مصيبة، وإن كانوا يدرون فالمصيبة أعظم.