لا بد من التذكير بمن أوصل منظمة التحرير إلى وضعها البائس الحالي، فقد أضعفت المنظمة بشكل متعمد إذا ما نظرنا إلى الشق الإيجابي من تصريح السيد خالد مشعل حول منظمة التحرير والمرجعية الوطنية، وإذا ما تمعنا جيداً في نصف الكوب الملآن من الجدالات والسجالات التي أثارها التصريح، فحتماً يمكن الاستنتاج أن بند إعادة بناء منظمة أو إصلاحها وتفعيلها لتقوم بدورها ممثلاً شرعياً وحيداً للشعب الفلسطيني بات على قمة جدول الأعمال الفلسطيني في المستقبل، ومن الصعوبة بمكان تجاوزه في أي حوارات تتعلق بالمصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام الوطني. لتأكيد الفكرة السابقة يمكن النظر إلى الجلسة التي عقدت في رام الله بدعوة من رئاسة المجلس الوطني لمناقشة تصريح السيد خالد مشعل، والتي شهدت توجيه الشكر إلى هذا الأخير، الذي دفع باتجاه مناقشة المنظمة وأوضاعها البائسة من مختلف الجوانب، والقيادي الفتحاوي الشاب حسام خضر قال: «إننا، السلطة والمنظمة وحركة فتح، نعطي السلام السياسي كل عوامل النجاح والتقدم بسبب فشل مشروعنا التفاوضي وبسبب الفساد في السلطة وترهل المنظمة ومؤسساتها، والحركة الإسلامية تأخذ مشروعيتها من المقاومة فيما فشلنا نحن في أن نحصل على حقوقنا عبر المفاوضات». السيد خضر ذهب أبعد من ذلك ملامسا صلب الموضوع: «إن علينا، المنظمة وفتح والسلطة، الاستعداد ليس فقط لشراكة حماس وإنما أيضاً لقياداتها للمنظمة، لأن الحركة تستمد شرعيتها في المشاركة في المنظمة وحتى في قيادتها من مقاومتها للاحتلال». بعد مهم آخر تطرق إليه أثناء الاجتماع السيد ركاد سالم، الأمين العام لجبهة التحرير العربية، حيث قال إن هذا الاجتماع كان يعقد في فترة الحرب من أجل الدفاع عن أهلنا في غزة وليس الآن». مهمة جداً الفكرة التي طرحها ركاد سالم، وهي تمثل خلفية تصريح السيد مشعل، فقد أكدت حرب غزة غياب المرجعية الفلسطينية العليا، بينما كرّست نتائج الحرب مسألة إعادة بناء منظمة التحرير كنقطة أولى على جدول أعمال الحوار الفلسطيني. قبل الخوض في كيفية إعادة بناء المنظمة وشكل العلاقة مع السلطة الفلسطينية ومؤسساتها، وتحديداً حكومة الوحدة الوطنية، لا بد من التذكير بمن أوصل المنظمة إلى وضعها البائس الحالي، فقد أضعفت المنظمة بشكل متعمد -كما حركة فتح- من أجل تسهيل هيمنة الشخص الواحد على القرار الوطني الفلسطيني «المستقل»، وبعد أوسلو تحديداً تم تهميش وتهشيم أطر المنظمة بشكل منهجي من أجل السلطة ومؤسساتها، ما حمل في أحد أبعاده قبول شطب حق عودة اللاجئين والعمل التدريجي على تأييسهم وإبعادهم عن معادلة الصراع مع إسرائيل، إعادة ملف المنظمة إلى دائرة الاهتمام لم تتم إلا تحت وطأة انتصار حماس في الانتخابات التشريعية السابقة، حيث تم وضع المنظمة في مواجهة السلطة أو سلطة حماس تحديداً، علماً بأن هذه الأخيرة، وطوال عقود، لم تضعها بشكل جدي في دائرة اهتمامها على قاعدة أن الأولوية هي للمقاومة والمواجهة مع الاحتلال، وفقط بعد الفوز في انتخابات 2006 جرى الانشغال بملف المنظمة على أساس الفهم بأن الإمساك بقيادة ومفاصل المشروع الوطني لا يتحقق إلا بالسيطرة على منظمة التحرير ومؤسساتها المختلفة. الحقائق السابقة تكمن خلف توافق الفصائل المختلفة في إعلان القاهرة «آذار مارس 2005» على إعادة بناء المنظمة وتشكيل لجنة برئاسة السيد محمود عباس لهذا الغرض، غير أن الأمر لم يمثل أولوية للحركة الفلسطينية التي انشغلت بملفي التهدئة والانتخابات وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني في الداخل فقط على أن يتم الاهتمام بالخارج فيما بعد. المعطيات السالفة يجب أن تشكل مجتمعة الأرضية لإعادة بناء منظمة التحرير بشكل جدي شفاف نزيه وديمقراطي، ويجب حل إشكالية السلطة والمنظمة وفق الآلية البسيطة والواقعية التالية: «تتخلى حماس عن تشكيل حكومة وفق نتائج الانتخابات التشريعية الماضية وتوافق على حكومة توافق وطني من التكنوقراط، بصورة متوازنة لا تعبر عن أحجام الكتل البرلمانية تماما، على أن يخضع عمل تلك الحكومة للمجلس التشريعي بعد إعادة الاعتبار إلى دوره الرقابي، كذلك يجرى التوافق على إقرار قانون انتخابي وفق النظام النسبي الكامل بدلا من النظام الهجين الذي اتبع في الانتخابات الماضية». معلوم أن النظام النسبي في مجتمع مسيس لن يتيح لأي طرف التحكم بالقرار السياسي الفلسطيني، وسيضطر الفرقاء إلى البحث عن ائتلافات وطنية من أجل تشكيل الحكومة القادمة التي ستكون بالضرورة حكومة وحدة وطنية. العمل الجدي لإعادة بناء منظمة التحرير يجب أن يجرى بالتوازي مع الملفات الأخرى، ويمكن خلال أسابيع الحسم في الكيفية أو الآلية الكفيلة بتحقيق ذلك، إن بانتخابات مباشرة في الداخل أو الخارج أو الاكتفاء بالداخل فقط وتشكيل المجلس الوطني أو البرلمان الجامع بالتوافق، ولكن على أساس نتائج انتخابات الداخل، وهذه الآلية تلتزم أيضا بالسعي من أجل ائتلافات عريضة تفرض بالضرورة توافقا وطنيا تجاه القضايا المصيرية مثل المفاوضات والمقاومة وكيفية إعادة دمج اللاجئين في الخارج في معادلة الصراع مع إسرائيل. في حالة التوصل إلى تهدئة فلسطينية إسرائيلية لن يكون العامل الزمني ضاغطا على الفرقاء، وستتوفر مهلة من عام إلى عام ونصف لتنفيذ الأجندة الوطنية الجامعة، وفي حالة عدم حدوث ذلك سنكون ليس فقط بصدد سلطتين في غزة والضفة، وإنما أيضا منظمتين أو مرجعيتين في الخارج، ما يعود بالسلب على القضية الفلسطينية والآمال والحقوق الوطنية بشكل عام.