«لو سمع الرئيس أبراهام لينكولن كيف كان الحاكم بلاغويوفيتش يحاول بيع كرسي أوباما لتقلب في قبره ألما على مآل النظام الديمقراطي الذي أرساه مع آبائنا المؤسسين». هكذا وصف المدعي العام لولاية إلينوي قبل أسابيع تفاصيل الفضيحة السياسية التي تورط فيها الحاكم رود بلاغويوفيتش الذي سارع إلى الاتصال ب«أصدقائه» السياسيين مباشرة بعد فوز باراك أوباما بنتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، سائلا إياهم عن الثمن الذي يمكن أن يدفعوه مقابل الجلوس على كرسي أوباما، حتى إنه قال لأحد هؤلاء «الأصدقاء»: «هذا الكرسي يمكن أن يجلب لي الذهب... الكثير من الذهب، ولهذا فأنا لن أعين أي أحد ليجلس عليه ما لم يقدم لي الثمن المناسب»! ويخول الدستور الأمريكي لحكام الولايات حق تعيين أشخاص في الكونغرس في حال خلو مقاعد بسبب تقلد أصحابها مناصب جديدة أو بسبب الوفاة أو المرض، وذلك إلى حين إجراء انتخابات جديدة. ويبدو أن ما حدث في إلينوي يلخص بشكل كبير المقولة المشهورة عن السياسيين في أمريكا، ومفادها أن العمل السياسي يتم عبر أسلوبين مختلفين. الأول هو أسلوب واشنطن حيث تغلب ربطات العنق الفاقعة والساعات اليدوية الثمينة على مشاهد الاجتماعات السياسية التي تكون مغلفة بعبارات الأدب والمجاملة، رغم أن الصفقات السياسية التي تعقد بعيدا عن أعين الإعلام تكون مشبوهة. والأسلوب الثاني يكون على طريقة مدينة شيكاغو بولاية إلينوي، وفي هذا النوع لا يعبأ السياسي كثيرا بنوع اللباس ولا الإكسسوارات التي يرتديها، لكنه يجب أن يكون حاذقا في علوم الرياضيات ومتفوقا في إجراء عمليات الطرح والضرب والزيادة، حتى يتمكن من عقد الصفقات السياسية المناسبة، ولهذا بالضبط يطلقون على العمل السياسي في تلك الولاية العمل القذر! ويبدو أن مستوى القذارة وصل حدا بدأت تنبعث معه روائح كريهة وصلت حتى حدود واشنطن، التي احتفلت قبل أيام فقط بالذكرى ال200 لواحد من أشهر رؤسائها، وهو أبراهام لينكولن الذي يتمسح أوباما بذكراه ويحاول جاهدا محاكاة العديد من القرارات التاريخية التي اتخذها لينكولن الذي يعرف اختصارا بأنه محرر العبيد في أمريكا. فبالرغم من إقالة حاكم ولاية إلينوي بعد فضيحة إعلامية استمرت أسابيع نفى خلالها بشدة سعيه إلى بيع كرسي باراك أوباما، فإن السيناتور الذي جلس فعلا على الكرسي في مجلس الشيوخ بات مطالبا بالاستقالة بعدما وُجهت إليه تهمتا الكذب تحت القسم والخداع. رولاند بوريس, الذي اختاره بلاغويوفيتش للونه الأسود حتى يحرج رفاقه في الحزب الديمقراطي الذين كانوا يرفضون رفضا قاطعا قيامه بعملية التعيين بعد تسرب تسجيلاته الهاتفية التي كان يزايد فيها على مقعد أوباما في مجلس الشيوخ، قال إن رفض تعيينه سيكون موقفا عنصريا وليس سياسيا من قبل «هؤلاء السياسيين البيض في واشنطن» فابتلعوا ألسنتهم بسرعة. هذا السياسي خفيف الظل الذي لا يعرف كيف يواجه أسئلة الصحفيين المحرجة في المؤتمرات الصحفية ويفضل الرد عليها بابتسامة وتلويح باليد وتنهيدة، خرج مرة أخرى للدفاع عن كرسيه، وقال إنه لم يكذب تحت القسم خلال التحقيقات التي أجرتها معه السلطات غداة تعيينه من قبل الحاكم الفاسد. لكن شهادة خطية منه أرسلها الأسبوع الماضي إلى لجنة تحقيق بالكونغرس أكدت أن شقيق الحاكم الفاسد اتصل به ثلاث مرات طالبا منه التبرع بمبلغ 10 آلاف دولار لصالح جمعية تابعة للحاكم المرتشي قبيل وأثناء عملية تعيينه في مجلس الشيوخ! تلك الرسالة كانت كافية لتسليط أضواء كاشفة وحارقة على القضية التي حاول الديمقراطيون جاهدين التخلص منها في بداية ولاية رئاسية يمسكون فيها بزمام الأمور في مجلسي الشيوخ والنواب، لكنهم فشلوا فشلا ذريعا بعدما عادت القضية لتحتل صفحات الجرائد الأمريكية الكبرى التي كتبت افتتاحيات طويلة تطالب فيها السيناتور الجديد، الذي لم يدفئ مقعده بعد، بتقديم استقالته ووضع حد للروائح السياسية الكريهة التي تنبعث من قصر الحكم بولاية إلينوي. تلك الولاية التي غادرها أوباما قبل أسابيع فقط كي يجلس على مقعده الوثير بالبيت الأبيض ويحكم العالم!