وجد الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما نفسه في قلب عاصفة سياسية بطلها حاكم ولاية إلينوي الذي ضبطه رجال «الإف بي آي» وهو يحاول بيع مقعد أوباما الشاغر في مجلس الشيوخ. وبينما اعتقلت السلطات الحاكم الفاسد قبل أن تطلق سراحه، يواجه أوباما أسئلة محرجة من الجمهوريين الذين يطالبونه بكشف حجم وحقيقة الفساد المستشري بين صفوف الديمقراطيين في ولاية إلينوي. «حجم الفساد في هذه القضية يصدم المرء ويسبب له الغثيان»، هكذا وصف باتريك فيتزجيرالد، المدعي العام الفيدرالي بولاية إلينوي التي كان يمثلها باراك أوباما في مجلس الشيوخ، تفاصيل أحدث فضيحة سياسية يواجهها الحزب الديمقراطي الذي سيتسلم مقاليد الحكم في العشرين من الشهر القادم. بدأت الفضيحة عندما استصدر رجال «الإف بي آي» أمرا قضائيا سريا للتنصت على مكالمات حاكم ولاية إلينوي «رود بلاغويفيتش» بسبب شكوكهم في ضلوعه في قضايا فساد مالي وأخلاقي. إلا أن «جواسيس» الحكومة الفيدرالية ما إن بدؤوا في التنصت على مكالمات الحاكم القوي حتى صدموا بما كانوا يسمعونه عبر خطوط الهاتف الباردة. أريد أن أصبح ثريا «أعرف جيدا السلطات التي أتمتع بها وأعرف أن قيمة هذا الكرسي ثمينة، وأنه يدر ذهبا، ولهذا أريد أن أستغل الموضوع وأصبح ثريا»، هذا ما قاله الحاكم بلاغويفيتش لأحد رجال السياسة بولاية إلينوي الذي أبدى رغبة في خلافة باراك أوباما بمجلس الشيوخ الأمريكي. وحسب القانون الأمريكي، فإن حكام الولايات وحدهم يتمتعون بسلطة تعيين ممثلي الشعب في مجلس الشيوخ في حال قدم أحدهم استقالته أو توفي أو أصبح في حالة يعجز فيها عن مزاولة مهامه السياسية. ويبدو أنه مباشرة بعد إسدال الستار عن «ماراثون» الانتخابات الرئاسية الأخيرة وإعلان فوز باراك أوباما بالسباق، بدأت بشكل موازي عملية مزايدة سياسية بشكل سري ومحموم على مقعد أوباما بمجلس الشيوخ، خصوصا وأن الأخير أعلن استقالته من المجلس أياما فقط بعد إعلان النتائج الرسمية للانتخابات الرئاسية. ولم يكن من الممكن أن يطلع الرأي العام الأمريكي على مثل تلك المزايدة التي استعمل فيها حاكم إلينوي كل «أسلحته» السياسية لو لم يدس رجال «الإف بي آي» أنوفهم في الحياة الشخصية للحاكم بلاغويفيتش الذي شعر ب«الغرور» وبدأ يزايد على مقعد أوباما بشكل صريح وعلى خطوط الهاتف وبطريقة أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها وقحة. فالحاكم الذي يعاني من شراهة مرضية للدولار والنفوذ السياسي، اقترح على بعض السياسيين في ولايته التدخل لدى الفريق الانتقالي للرئيس المنتخب باراك أوباما من أجل تعيينه وزيرا للصحة أو المساعدات الإنسانية مقابل قيامه بوضع كرسي خلافة أوباما في جيوب أحد أقاربهم. كما اقترح الحاكم الطماع أن يتم تعيينه سفيرا أو تعيين زوجته في إحدى الشركات العملاقة في نيويورك أو واشنطن مقابل أجر سنوي لا يقل عن 300 ألف دولار، أو حتى منحه منصبا في مؤسسة خيرية غير حكومية تقوم بعدها الحكومة بالتبرع لصالح المؤسسة بملايين الدولارات. ورغم أن لائحة الاقتراحات التي تقدم بها الحاكم للمهتمين بخلافة باراك أوباما في مجلس الشيوخ كانت طويلة وتفوح منها رائحة الفساد العطنة، فإنه لا أحد من هؤلاء اتصل بالسلطات للتبليغ عنه وتقديم شكوى ضد سلوكه السياسي المنحرف. ولم تخرج تفاصيل القضية إلى الرأي العام سوى عقب اعتقال الحاكم المنتشي بسلطاته على الساعة السادسة والربع من صباح يوم الثلاثاء من قبل رجال «الإف بي آي» الذين رأوا أنه بات يشكل خطرا على العمل السياسي في الولاية المشهورة بفساد سياسييها وانحرافهم. لكن السلطات اضطرت إلى الإفراج عن الحاكم الفاسد مقابل كفالة مالية تقدر ب4500 دولار عاد على إثرها الحاكم إلى مكتبه لممارسة مهامه دون حياء. دعوات إلى استقالة الحاكم الفاسد وانضم الرئيس المنتخب باراك أوباما إلى قافلة السياسيين الذين نادوا بشكل علني لا لبس فيه إلى ضرورة تقديم الحاكم بلاغويفيتش استقالته وفي أقرب الآجال، وذلك بعدما بدأ أوباما نفسه يواجه أسئلة محرجة من قبل خصومه الجمهوريين وبعض السياسيين المستقلين الذين صُدموا من «صفاقة» الحاكم الذي غادر زنزانته وعاد إلى مكتبه رافضا الحديث إلى وسائل الإعلام، ومصرا على ممارسة سلطاته وتعيين الشخص الذي سيخلف باراك أوباما في مجلس الشيوخ. إلا أن أعضاء الحزب الديمقراطي أنفسهم، والذين باتوا يشعرون بالفزع من إمكانية فشلهم في الفوز بتجديد ولايتهم في الانتخابات القادمة، سارعوا إلى المطالبة بالبدء في إجراءات إقالة بلاغويفيتش. بل إن زعيم الأغلبية الديمقراطية بمجلس الشيوخ الأمريكي هاري ريد أصدر بيانا شديد اللهجة قال فيه: «من الواضح أن أي شخص سيعينه الحاكم بلاغويفيتش في مجلس الشيوخ لن يحظى بالشرعية مطلقا، ولهذا علينا اللجوء إلى عملية سياسية مختلفة لتعيين خلف لأوباما». وحتى الرئيس الديمقراطي المنتخب باراك أوباما قال في تصريحات لصحف محلية بشيكاغو: «إنه يوم حزين لإلينوي ولديمقراطيتها». كما أعرب أوباما عن دهشته مما أقدم عليه الحاكم، ورفض الإدلاء بمزيد من التعليقات حول الموضوع، متعللا بكون القضية تخضع للتحقيق من قبل السلطات. وقال محللون سياسيون على شبكات الأخبار الأمريكية، التي قطعت برامجها وتجاهلت «معركة» تمرير مشروع قانون لإنقاذ شركات السيارات التي تواجه الإفلاس من أجل تغطية تفاصيل الفضيحة، إن هذه القضية ستؤثر بشكل سلبي على سمعة الحزب الديمقراطي قبل أسابيع فقط من تسلمه السلطة داخل أمريكا. كما رأى هؤلاء المراقبون أن هذه الفضيحة السياسية ستهز «عرش» أوباما الذي كان فريق حملته الانتخابية حريصا جدا على عدم التورط في أي فضيحة سياسية من أي نوع، حتى إن شعارهم خلال الانتخابات التمهيدية للحزب وبعدها الانتخابات الرئاسية كان: «أوباما بدون دراما»، وقد نجحوا في أن يخرجوا من فضيحة القس «جيريمايا رايت»، الذي كان يتضرع للرب من أجل إنزال اللعنة على أمريكا، بدون خسائر تذكر، كما أنهم نجحوا في إبعاد أوباما عن بعض الأسماء الشيوعية المثيرة للجدل والتي تورطت في حوادث تفجير في السبعينات من القرن الماضي. ويبدو أنهم قد أصيبوا بصدمة مفاجئة عندما اكتشفوا أن «الطعنة» هذه المرة لم تأت من خصم جمهوري ينافسهم على تسلم مفاتيح البيت الأبيض، وإنما من «أخ مناضل» معهم في الحزب، يتقاسم وإياهم البيت الديمقراطي الواسع، ويقيم معهم في نفس المسرح السياسي لولاية إلينوي التي منحت أوباما ثقتها وانتخبته ليمثلها في مجلس الشيوخ قبل نحو ثلاث سنوات فقط، حتى بات الكثير من الناس يتساءل عما إذا كان شعار «أوباما بدون دراما» سيصمد هذه المرة أيضا في وجه هذه الفضيحة السياسية المدوية. وفي خطوة جريئة ودالة، أقدم أحد المواطنين الأمريكيين الغاضبين على وضع صورة كرسي أوباما بمجلس الشيوخ على موقع «إيباي» وعرضه للبيع مقابل 5 ملايين دولار في خطوة احتجاجية ورمزية ضد ما حدث في ولاية إلينوي، وقد زار «المزاد» مئات الآلاف من المواطنين المتذمرين الذين عبروا عن اشمئزازهم من وقاحة حاكم الولاية التي منحت أمريكا الرئيس ال44 في تاريخها!