مازالت تداعيات قرار تقديم مدير مستشفى الأمراض العقلية بتطوان لاستقالته تتوالى داخل أروقة وزارة العدل، بعدما رفض هذا الأخير الضغوطات الكبيرة الممارسة عليه من طرف النيابة العامة في شخص الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتطوان من أجل قبول بارون المخدرات محمد الشارف داخل المستشفى بناء على خبرة طبية أنجزت خارج تطوان تثبت إصابته بخلل عقلي، وذلك حتى لا يقضي المدة السجنية داخل زنازين السجن. ويقول الدكتور رشيد حسنوني علوي ل«المساء» إنه «يرفض الضغوطات الممارسة عليه من طرف النيابة العامة وأطراف أخرى، خوفا من فرار بارون المخدرات من المستشفى، كما فعل في مناسبة سابقة عندما استخرجوا له شهادة طبية تثبت إصابته بخلل عقلي ليتم إيداعه بالمشفى، قبل أن يلوذ بالفرار إلى إسبانيا لمدة تسع سنوات بعد ارتكابه جريمة قتل ببندقية كانت في حوزته». ويقول الدكتور حسنوني علوي إنه توصل بمراسلات من طرف الوكيل العام للملك من أجل إيداع البارون المعتقل وذلك خوفا من فراره. وأضاف أنه لا يريد أن يتم اتهامه بالتواطؤ في هروبه كما حدث في مرة سابقة مع مدير المستشفى السابق بعاجي مصطفى، والذي تمت إقالته وتقديمه إلى المحاكمة. وحسب العديد من المراقبين، فإن حسنوني علوي قد رمى بقرار الاستقالة كحجرة في بركة الأحكام القضائية ضد بارونات المخدرات في الشمال، وما تعرفه من طبخ لعدد من الملفات لصالح بعض أباطرة المخدرات، حيث تعتبر قضية بارون المخدرات محمد الشارف، مجرد رأس جبل الجليد لما يطلق عليه في المدينة باسم «كارتل تطوان». وحسب مصادر مطلعة، فإن البارون المسمى محمد الشارف سبق وأن صدر في حقه حكمان بالبراءة في مدينة طنجة بعدما سلم نفسه إلى سلطاتها بعد إشعاره من طرف «جهات معينة» بتسوية ملفه، كما حكمت محكمة الاستئناف بتطوان في حقه مؤخرا ب«التقادم» بخصوص جريمة قتل باستخدام سلاح ناري مع سبق الإصرار والترصد وقعت منذ حوالي 9 سنوات، حيث تم حينها اعتقاله وتقديمه إلى المحاكمة، لكنه قام بالفرار من داخل مستشفى الأمراض العقلية بتطوان إلى خارج المغرب بتواطؤ مع عدة جهات، بعدما أحيل عليه بناء على خبرة طبية زعمت إصابته ب«خلل عقلي». من جهتهم، شكك عدد من المختصين في الخبرة الطبية حول إصابة الشارف بخلل عقلي، مستشهدين بحالة فراره السابقة والمحبوكة من داخل المستشفى إلى إسبانيا، كما ندد هؤلاء باستصدار شواهد طبية تثبت الإصابة بالخلل العقلي، والتي أصبحت، حسب قولهم، «مبررا مشكوفا» لعدد من المتابعين في عدة قضايا إطلاق الرصاص والدهس بالسيارات التي عرفها المغرب مؤخرا، وذلك بهدف طي ملف المتابعات القضائية ضدهم كحالة حسن اليعقوبي زوج الأميرة للاعائشة، الذي أطلق الرصاص على الشرطي طارق محب، وليلى بن الصديق وآخرين. ويضيف محدثونا أن الأمر لم يعد يقتصر على جهات نافذة بل أصبح يطال أيضا بارونات المخدرات في الشمال، تفاديا لقضائهم مدة العقوبة السجنية. وكانت مفتشية وزارة العدل قد أوفدت لجنة قضائية إلى المحكمتين الابتدائية والاستئنافية بتطوان للبحث في طبيعة ونوع الأحكام الصادرة عن الهيئتين في الملفات المتعلقة ببارونات المخدرات، الذين سبق وأن تم تداول ملفاتهم داخلهما. كما توصلت المفتشية بشكايات ورسائل متعددة حول عدد من الأحكام القضائية الاستئنافية، أسفرت حينها عن استدعاء وزارة العدل للوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف، حيث تم التحقيق رسميا معه من طرف المفتش العام لوزارة العدل، وهو التحقيق الذي استغرق زهاء ست ساعات، حسب مصدرنا، تم التطرق فيه إلى عدد من الأحكام القضائية التي شابتها علامات استفهام. وتعتبر استقالة مدير مستشفى الأمراض العقلية بتطوان قرارا «محمودا وشجاعا» في نظر البعض، حيث كشف عن خطة مدروسة من أجل تمكين البارون المعتقل من التمتع بمعاملة خاصة خارج السجن، كما فضح مراميها وأبعادها، الأمر الذي سيحتم على وزارة العدل مراجعة عدة أحكام قضائية ضد أباطرة المخدرات ووسطائهم. «لن أقبل بالدخول معهم في لعبة قذرة وتعريض مساري المهني للمساومة والابتزاز، كما لن أخضع لأية ضغوطات من أي جهة كانت»، يقول حسنوني علوي ل«المساء».